العدد 70 - كتاب
 

تبدو إربد لكاتب هذه الكلمات عاصمة ثانية للمملكة، لكنها عاصمة موقوفة و«محتجزة»، يجري الاكتفاء برفعها إلى منزلة مركز محلي لبلدات وقرى الشمال، دون أن تنال ما تستحقه من مكانة على المستوى الوطني.

تُلح هذه الصورة على الذهن ولا تبرحه، لمدينة بالغة الجمال لا تني تتعرض لحرمان خفي، يحرمها من الاستواء عاصمة ثانية مزدهرة.

يحار المرء في استجلاء الأسباب الكامنة وراء هذا الحرمان. أيكون السبب غياب التخطيط العمراني وعدم ملاحظة الحاجة إلى مرافق مدنية كدور السينما والمسارح والحدائق، مع غياب الإدراك للحاجة إلى عاصمة ثانية تستكمل العاصمة الإدارية والسياسية، تسد أوجه النقص فيها، وتمثل متنفساً سياحياً ورديفاً اقتصادياً وامتداداً ثقافياً وتنويعاً عمرانياً، وكما هي الحال في العواصم الثانية في دول العالم مثل: اسطنبول، والدار البيضاء، والإسكندرية، ونيويورك وسواها؟.

أم أن الناشطين ورموز «عروس الشمال»، لم يلتفتوا إلى مدينتهم وأشاحوا عنها وصوبوا أنظارهم إلى عمان، التي باتت قبلة الطامحين منهم، تاركين وراءهم مدينتهم كي تنمو ذاتياً وتلقائياً على إيقاع ريح الشمال، وكما تشاء لها الأقدار، و«التساهيل» أن تنمو؟.

أم أن الزحف الريفي المتدافع والمخيم المجاور، قد أعاقا نموها المديني، وأضفيا عليها طابعاً قروياً، يزاحم التطلع إلى تبلورها حاضرة مدينية تواكب العصر وتتسم بقدر من الحداثة؟.

الراجح أن هذه العوامل مجتمعة، أسهمت في كبح تطور المدينة وجعلته تطوراً كمياً وتوسعاً جغرافياً، ولعل هناك أسباباً أخرى يخبرها أبناء المدينة وبالذات النخب منها، جعلت صورة المدينة تتأرجح وتختلط. وحتى لا «تضيع» مسؤولية التقصير بين هذا وذاك، فالثابت أنه لم تتوافر إرادة على مستوى السلطات التنفيذية، للإعلاء من شأن مدينة «السبع خرزات» ومنحها فرص التطور، ما جعل إربد دون مطار، وبلا فنادق، وتخلو من سوق مالية، وبغير إذاعة. ولو لم يتم فتح جامعة اليرموك ثم جامعة العلوم والتكنلوجيا، لبقيت المدينة مجرد بلدة كبيرة مقارنة بالعاصمة عمان، لا تجذب الزائرين والسياح ولا فرص الاستثمار.

ولعل الأمر يعود، في النهاية، لغياب رؤى التنمية الشاملة والمتوازنة، فهناك حاجة للعناية بالريف من أجل الأمن الغذائي وتقدم الزراعة، وكي لا يتم زحف عشوائي مطرد إلى المدن. وهناك حاجة للتوقف عن التركيز على العاصمة على حساب المدن والبلدات الأخرى، بما يلحق الضرر، وقد ألحق بهذه الأطراف جميعها.

في هذه الأثناء، فإن مدينة عرار تستحق ويتعين تأهيلها، كي تنهض عاصمة ثانية للبلاد كي توفر فرص عمل لأبنائها، وتجذب الزائرين من داخل البلاد كما من الجوار السوري. فالعاصمة عمان تنوء بما فيها من ازدحام سكاني وتدافع عمراني وضغوط على الخدمات، فيما تنوء عاصمة الشمال تحت وطأة ما يشبه الفراغ السياحي والثقافي والاستثماري.الحاجة للموازنة بين المدينتين تملي تأهيل وتحرير طاقات مدينة أرابيلا، ذات الإسهام الكبير في تطور المملكة والعاصمة عمان، وقد آن الأوان لرد الديون المستحقة لها.

محمود الريماوي: عاصمة موقوفة
 
02-Apr-2009
 
العدد 70