العدد 70 - كاتب / قارئ
 

اركت في أواخر السبعينيات، بدراسة مشروع الأقاليم مع فريق ياباني متخصص في مثل هذه المشاريع، وعقدنا لقاءات وورشات عمل في محافظات المملكة المختلفة، بتنظيم من دائرة التخطيط الإقليمي بوزارة الشؤون البلدية والقروية عندما كنت نائبا لمدير الدائرة.

كانت محافظات المملكة في أواخر السبعينيات ليس بينها تفاوت في مستوى التنمية كما هي الآن، وربما كان التخطيط على مستوى الأقاليم أنجع وأنسب في ذلك الوقت. فهناك تفاوت الآن بين المحافظات: محافظات صناعية فيها مشاريع تنموية كبيرة، واستثمارات مختلفة، وفي الجهة المقابلة محافظات فقيرة قليلة الموارد، لا تستطيع التقدم بسبب قلة المردود والإمكانات. وجاءت فكرة الإقليم الآن في ظروف صعبة لا يمكن القبول بها، لأنها تتضارب مع ما يصبو إليه المواطن من الارتقاء إلى مستوى معين من الحياة الاجتماعية الخالية من العوز والحاجة.

التركيز على فكرة الأقاليم في هذه الظروف، وتجاهُل مطالب المواطنين بالإصلاح السياسي، يجعل الأمر يبدو وكأن هدفه إشغال المواطنين عن قضاياهم الأساسية، ما ينعكس بالتالي على النسيج الاجتماعي للدولة الأردنية.

تطبَّق فكرة الأقاليم في بلاد مترامية الأطراف، يصعب وصول المسؤولين والمتخصصين في المركز إلى المناطق التنموية فيها، ولأن الأردن بلد صغير يمكن الوصول إلى أي منطقة فيه بسهولة ويسر، يجب العمل على إيجاد دولة مركزية قوية، وليس على إنشاء تجمعات متناثرة لا يمكن ربط بعضها ببعض، لتفاوت عدد السكان، ونوعية التركيبة الاجتماعية والسكانية والعشائرية.

لا يمكن، بأي شكل من الأشكال، إخراج عمّان من الأقاليم، لأنها المنطقة المكتملة من حيث الموارد والتنظيم، فهي قلب الأردن وموازنته.

التخطيط والمركزية على مستوى المحافظة أمرٌ يمكن القبول به. أما تنظيم انتخابات بلدية، فانتخابات إقليمية، ثم انتخابات برلمانية، ومجالس محافظات، وهيئات محلية، ومجالس خدمات مشتركة، فسوف يشتت أفكار المواطنين، وستظهر عليهم اللامبالاة في النظرة إلى الموضوع برمته، وحدوث منازعات قد تكون سببا في تفتيت اللُّحمة الوطنية.

هناك محافظات لا يمكن أن تستفيد من الأقاليم بالوجه الصحيح، لأن بعضها مقسوم إلى قسمين: غني وفقير، والدستور يشترط المساواة في شروط المعيشة بين المحافظات كافة (المواطنين)، علماً أن الشروط المعيشية تخضع، بشكل أساسي، إلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية للدولة.

يمكن أن يتفهم المرءُ فكرةً يسعى أحدهم إلى إظهارها إلى حيز الوجود، لكن المستهجَن أن بعض الذين لم يشاركوا في اقتراح هذه الفكرة، لا من بعيد ولا من قريب، يتحدثون بها، ومسعاهم الوحيد مآرب شخصية بحتة.

هناك مشاكل قد تنتج عن مشروع الأقاليم، منها:

1 - ظهور بعض المشاكل الاجتماعية، وعدم التوافق، لوجود تباينات اجتماعية وعشائرية وفئوية وجهوية.

2 - وجود فوارق تنموية كبيرة بين المحافظات: الوسط، والجنوب، والشمال.

3 - صعوبة ربط المناطق الجغرافية البعيدة.

4 - ربط المحافظات بعضها ببعض يسبب إشكالاً لا يقبل به عدد كبير من المواطنين، لأسباب اجتماعية وسكانية.

5 - ستكون عمّان بعيدة عن تشكيلة الأردن الاجتماعية، وسيؤدي ذلك إلى استئثار العاصمة بالمناصب العليا والقيادية، ثم ما تلبث تلك الاحتجاجات أن تتحول إلى مطالبات قد تصل إلى طلب حكم ذاتي أو انفصال لا سمح الله.

6 - العاصمة تضم أكبر عدد من المخيمات، وهذا قد لا يكون في صالح الدولة، لأن هناك من يلوّح بفكرة «الوطن البديل»، كما أن وسط الأردن يتمتع بأغلبية سكانية من أصول فلسطينية، ووفقاً لنظام الأقاليم، فإنه سوف يتمتع بإدارة شبه ذاتية تغذّي فكرة الوطن البديل أو أحد أشكاله.

7 - لو فرضنا أن الذهب الأسود ظهر في أحد الأقاليم، فإن عائداته ستذهب إلى عمّان، عندئذ، هل سيقف أبناء هذا الإقليم مكتوفي الأيدي عندما يرون جهدهم وتعبهم يؤول إلى جهة أخرى؟.

مشروع الأقاليم في هذه الظروف، ليس سوى ملهاة جديدة يتحدث الناس بها، وسيتقاتلون على مقاعدها الصغيرة بعد البلديات ومجالس الخدمات المشتركة ومجالس المحافظات والبرلمان الذي ما زالت مشاكله قائمة لغاية الآن، وكانت سببا في انقسام كثير من العائلات بعضها عن بعض.

وأخيراً، عجبي من هؤلاء الناس الذين يتكلمون بالأقاليم وفوائدها وهم بعيدون عن الفكرة، وليس لديهم معرفة بها وبالمشكلات التي قد تَنتج عنها.

علي أبو إربيحة

مشروع الأقاليم ليس سوى ملهاة
 
02-Apr-2009
 
العدد 70