العدد 70 - دولي
 

ستيفن غلين

لاتفاقات السلام في كامب ديفيد بأحد بليونيرات وول ستريت وهو يوزع على نفسه علنا مكافأة سخية. وبدلا من ذلك، فإن رؤساء الدول والمبعوثين الدبلوماسيين خلف الأبواب المغلقة سوف يحتلفون بالحدث خفية. لن تكون هناك أحداث إعلامية، وبخاصة في القاهرة، فمهما كانت معاهدة السلام مع إسرائيل حيوية لمصر واقتصادها وسياستها الدبلوماسية، فإن اتفاقات كامب ديفيد تبقى غير شعبية في صورة كبيرة بين المصريين العاديين، وكذلك بالنسبة للرئيس حسني مبارك، الذي حافظ عليها، وإن بتردد، على مدى 28 عاما من حكمه.

كان السلام أمرا جيدا بالنسبة لمصر وإسرائيل، فبتحييد تهديداتهم الاستراتيجية الأولية، تمكن الجانبان من تحويل موارد مالية وبشرية إلى أهداف أكثر إنتاجية من الناحية الاقتصادية من الدفاع القومي. كما أن السلام أصبح يعني مئات البلايين من الدولارات التي تأتي في صورة مساعدات من دافع الضرائب الأميركي؛ مساعدات مباشرة أو غير مباشرة، تناهز في مجموعها ما نسبته 14 في المئة من إجمالي موازنة المساعدات الأميركية. وبحسب تقديرات، فإن القاهرة تلقت أكثر من 60 بليون دولار في صورة مساعدات إنسانية وعسكرية منذ العام 1979. (أما حصة إسرائيل فمن المعتقد أنها تجاوزت 90 بليون دولار، رغم أن من الصعب تقديرها في صورة دقيقة، لأن كثيرا منها يأتي في شكل فواتير خادعة، عادة ما لا تكون على صلة بالمساعدات المخصصة للشرق الأوسط).

وتحتفظ كل من مصر وإسرائيل بأكثر القوات المسلحة كفاءة في الشرق الأوسط، حيث إن كامب ديفيد تتيح لهما أكثر الأسلحة تطورا، من الناحية التكنولوجية، التي يسمح البنتاغون بتقاسمها. والتجارة الثنائية بين مصر وإسرائيل تشهد مزيدا من الازدهار ويتمتع الطرفان بطرق وصول، مع امتيازات، إلى السوق الأميركية، على الرغم من التوتر بين واشنطن والقاهرة حول سجل مصر البشع في مجال حقوق الإنسان الذي يعيق رغبة مشتركة للوصول إلى عقد اتفاقية للتجارة الحرة.

على المستوى الدبلوماسي، توفر اتفاقية كامب ديفيد للقاهرة وتل أبيب طريقا نحو الحرب والسلام. وقد اعتمدت الولايات المتحدة على مصر كوسيط في قضايا خاصة بالصراع العربي الإسرائيلي، كان آخرها تلك الوساطة مع حماس في الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة. وفي الوقت نفسه، فإن إسرائيل رفعت من مستوى علاقاتها السلمية مع مصر لتقيم شبكة من العلاقات الدبلوماسية مع العالم الإسلامي، وبخاصة مع بلدان مثل تركيا وباكستان. ولا شك أن المفاوضات الإسرائيلية السورية، التي قطعها العنف في غزة، لم تكن لتذكر لولا المرونة التي وفرها كامب ديفيد.

إن كان الاستمرار هو المقياس الوحيد لمعاهدة سلام ناجحة، فإن من المؤكد أن اتفاقات كامب ديفيد تمثل أحدها، غير أن هنالك القليل من العلاقات المصرية الإسرائيلية خارج إطار السلطة الراهنة. فبالنسبة لإسرائيل، الاتفاقية تعد ضمانة لأمن جناحها الجنوبي الغربي، وقناة خلفية للاتصال مع الأنظمة العربية (رغم أن قطر بدأت أخيرا تميز نفسها بوصفها ذات دور لا يقل تأثيرا). وعلى المستوى الثقافي، فإن معظم النخبة الإسرائيلية أكثر قلقا من الغرب من جيرانها العرب، بمن في ذلك مصر، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان. أما السياحة من إسرائيل إلى مصر فإنها تدهورت منذ العام 1979، بسبب المخاوف الأمنية والحاجة العامة إلى الاهتمام، والسفارة الإسرائيلية الضئيلة في القاهرة تقع على سطح بناية تجارية من 17 طابقا في منطقة الجيزة، ولا يكاد علمها يرى، فهو مدلى مثل شهادة على سلام راكد.

بالنسبة لمصر، فإن اتفاقية كامب ديفيد طفل يتيم لا يريد أن يعلن عن أبوته أحد، وأنور السادات، الذي أعطى الحياة لسلام مصري إسرائيلي، نادرا ما يذكر، هذا إن ذكر على الإطلاق. ثمة محطة للمترو تحمل اسم القائد الذي تم اغتياله، في حين أن لأم كلثوم، المطربة الشهيرة، متحفا خاصا بها وكذلك تمثال على النيل في ضاحية الزمالك؛ للسادات تمثال نصفي بسيط في القلعة.

وفي حين زار رؤساء حكومات ومسؤولون حكوميون إسرائيليون بارزون مصر، فإن مبارك رفض القيام بزيارات مقابلها، على الأقل وهو رئيس لمصر. (ذهب إلى القدس لحضور جنازة إسحق رابين الذي قضى اغتيالا، ولكنه أصر على أنه قام بذلك بصفته الشخصية.) ومن المفارق أن القاهرة تتسامح مع الأوصاف المثيرة التي تكال لسلوك الإسرائيليين ومع الرسوم التي تصور اليهود في صورة سيئة في صحافتها التي تملكها الدولة، وهو ما يشوه سمعة المصريين دون وجه حق، ويصورهم بأنهم ضيقو الأفق وغير متحضرين. وفيما يشارك مبارك شخصيا في الشؤون العربية الإسرائيلية، كما فعل في أثناء الهجوم على غزة، فإنه يبقى غائبا في صورة واضحة عن أي جهد إقليمي، وبهذا المعنى، فإن الملك عبد الله الثاني يمثل جارا أفضل لإسرائيل من القيادة المصرية.

مع هذه المحاذير، تفادى مبارك مخاطر الظهور بمظهر القريب من الإسرائيليين، ولكنه أضاع فرصا أيضا، فهو لم يستثمر سوى القليل من علاقاته مع إسرائيل، ما جعله في وضع لا يستطيع معه سحب رأسمال سياسي أو دبلوماسي منها. وباقتناعه بأقل ما وفره له كامب ديفيد، فليس لدى الإسرائيليين سبب قوي لمعاملته باحترام ورعاية على قدر من الندية. ولو أن مبارك أعطى الدولة اليهودية شيئا تخسره – تبادل ثقافي عالي المستوى، مثلا، أو معونة لليهود الباقين في مصر – لكان هو، وليس رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، هو الذي غادر المسرح في المنتدى الاقتصادي العالمي، موبخا، وفي العلن شمعون بيريز. لقد أثار أداء إردوغان، الذي كان إشارة تحد على مأساة غزة، الكثير من فرك الأيادي في الولايات المتحدة، وجعل منه نجما في العالم الإسلامي. وإن المرء ليتساءل عما فكر به مبارك حين شاهد ذلك على شاشة التفلزيون.

في منطقة خطرة مثل الشرق الأوسط، فإن مجرد البقاء يعد إنجازا، وبوصفه حاكما لمصر لما يقارب ثلاثة عقود، فإن مبارك قد فعل خيرا في القيام بدوره راعيا لاتفاقيات كامب ديفيد. ولكن حقيقة أن العلاقات المصرية الإسرائيلية لم تتطور إلى أكثر من اللغة الجافة للاتفاقيات خلال تلك الفترة، تشير إلى أنه مجرد قائد عربي آخر مشغول بمتطلبات البقاء التكتيكية.

بعد ثلاثين عاماً على توقيعها كامب ديفيد: طفل يتيم لا يعلن أبوّته أحد
 
02-Apr-2009
 
العدد 70