العدد 70 - الملف
 

محمد جميل خضر

رغم مكانتها الحضارية والمدينية (أقدم بلدية أردنية)، فإن مدينة إربد تعاني من تعثر الحراك الثقافي فيها، كما يرى عدد من مبدعيها ومثقفيها ورئيس بلديتها السابق المهندس وليد المصري.

«مَن عينه ليست على عمان؟!»، كان جواب الروائية سميحة خريس في شكل سؤال ردا على سؤال «السجل»: «هل يكتب مبدعو إربد وعينهم على عمان؟»

خريس أقرت بالتراجع الثقافي في إربد، وذهبت إلى أن سوء طالع المدينة جعل عام الثقافة فيها يبدأ متأخراً عن تاريخ بدايته في مدن أخرى (السلط والكرك)، أربعة أشهر، إذ انطلقت فعاليات اختيارها مدينة للثقافة الأردنية في شهر نيسان/إبريل العام 2007. بل إنها ترى أن كون إربد كانت أول مدينة يقع عليها الاختيار لتكون مدينة الثقافة الأردنية، جعلها تعاني من عثرات التجربة الأولى، مثل الابن البكر في العائلة، الذي يكون حقلاً لتجارب الوالدين التربوية والأسرية!

خريس تعيب من جهة أخرى، على منهجية عمل المؤسسات المعنية بالفن والثقافة في إربد، وهي منهجية، بحسبها، فردية في معظم تمثلاتها، وتحتوي على قدر غير قليل من الارتجال، وجلّها يفتقر إلى بعد النظر.

إربد، إذن، غير محظوظة، في رأي خريس، لا فيما يتعلق بالتوجه الرسمي نحوها، ولا بغيرة مبدعيها ومثقفيها، الذين لم يتحركوا قيد أنملة عندما اُتخذ قرار إلغاء الدائرة الثقافية التي كان أسسها المهندس وليد المصري فور توليه رئاسة بلديتها. عن حيثيات قراره، يوضح المصري، أنه كان لا بد من اتخاذ قرار كهذا، فلا مدنية دون ثقافة.

وهو كان يسعى من وراء قراره، كما يوضح حين عين روائيا أردنيا معروفا وله مكانته، هو هاشم غرايبة، مديراً لتلك الدائرة، إلى خلق حراك ثقافي يحمل سمات الديمومة والثبات والتفاعل مع العمق المجتمعي المشكّل لنبض المدينة.

كما كان يود الاستفادة أيضاً، من توسيع حدود البلدية واستيعابها 16 بلدة وقرية أصبحت داخل نطاق عمل البلدية. وفي هذا السياق يستعرض المصري مئات الأنشطة والفعاليات التي أقيمت خلال العامين 2005 و2006، والتي بلغت زهاء 470 نشاطاً وفاعلية بين ندوة وأمسية شعرية أو موسيقية أو قصصية أو عرض مسرحي أو سينمائي أو محاضرة أو ملتقى أو ورشة عمل وما إلى ذلك.

ويتحدث عن تأسيس أربع مكتبات جديدة مترافقة مع أربعة مراكز لتكنولوجيا المعلومات، وعن استملاك بيوت تراثية تراوح سنوات بنائها ما بين 70 و 100 عام. ومنها بيت عائلة النابلسي المبني في العام 1920. وكانت النية تتجه لتحويله بعد أن تم استملاكه إلى «غاليري» للفن التشكيلي، وتخصيص جزء منه بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك ليكون مكاناً لعقد ورش تدريبية للرسم وفنون أخرى للأطفال.

المصري يتحدث أيضاً عن مهرجان القمح، وعن تبرع البلدية آنذاك بأرض مساحتها 20 دونماً لبناء مركز ثقافي عليها، كجزء من تعاون البلدية مع وزارة الثقافة والجهات المعنية بالشأن الثقافي عموماً.

المصري يكشف أيضاً، بألم، أن البيت الذي تم استملاكه لغايات تأسيس الغاليري، كادت تستخدمه البلدية الجديدة، مكاتب لموظفيها، لولا هبة بعض مثقفي المدينة، بعد صحوتهم من سبات طويل، ووقوفهم ضد القرار، ما أجّله، ولكنه ربما لم يلغ.

ومن زاوية قلقه على مدينته يرفع الروائي هاشم غرايبة صوته عالياً بعبارة خرجت من أعماق انتمائه «إربد مدينة الثقافة دائماً». ومع إقراره بأنه لا توجد بنية ثقافية متميزة في إربد، فإن غرايبة يشير إلى جمهورها المحب للثقافة والذواق للفن، ويشيد به.

يقول غرايبة: «من تجربتي في إدارة ثقافة بلدية إربد الكبرى، فإن الناس يفتحون مضافاتهم وبيوتهم وصدورهم للثقافة المتميزة، وهذا هو جوهر المشروع الثقافي الذي استمر سنة كاملة في إربد برعاية رئيس بلديتها آنذاك المهندس وليد المصري».

البيوت التراثية في إربد والحصن وشطنا والنعيمة وحوارة، كان من المؤمل أن تكون، بحسب غرايبة، منارات للتراث وللفن التشكيلي والموسيقى، وتلهم الفتيان والشباب الروح المتوقدة للمكان والناس، ولكن «تم تجميد كل شيء وألغيت المشاريع الثقافية وأسند الفعل الثقافي إلى موظفين بلا حول ولا معرفة بالشأن الثقافي». غرايبة ختم بالقول «عندما تذهب الثقافة للناس فإنهم يحبونها».

إربد: مدينة الثقافة الدائمة..
 
02-Apr-2009
 
العدد 70