العدد 70 - الملف
 

سوسن زايدة

عاش عرار سنواته الخمسين في النصف الأول من القرن العشرين (1897 - 1949)، سنوات مشحونة بالتجارب، غنية بمتع الحياة التي انحاز لها، كما انحاز للمهمشين والفقراء، في الواقع، كما في شعره.

أو ما تراني قد شبعت على حساب الأكثرية

وأكلت بسكوتا وهذا الشعب لا يجد القلية

من قصيدة «العبودية الكبرى»

بساطة أسلوب عرار الشعري اعتبرها محمد مقدادي «حالة فريدة». فعرار «أراد أن يقدم شعراً من غير تكلف، واستخدم مفردات شائعة ليكون الشعر قريباً من الوجدان الشعبي ومؤدياً لرسالته التي آمن بها ودافع عنها، وهي الوقوف إلى جانب المضطهدين وأصحاب الحق وفاقدي السند سياسياً واجتماعياً»، يقول الشاعر مقدادي.

فرادة عرار ما زالت إلى اليوم تثير الإعجاب مثلما تثير التساؤلات، فلم يأت من بعده شعراء تبنوا أسلوبه الشعري ولا فلسفته في الحياة. «بعض الشعراء حاولوا اقتباس أسلوبه بالكتابة على غرار شعره من قبيل مناجاته، مثل: إدوارد عويس، وحيدر محمود، وحبيب الزيودي، وكذلك بعض الشعراء العرب، مثل: عبدالقادر الحصني من سورية». لكن أحداً، بنظر مقدادي، لم يرق إلى «مستوى عرار الفلسفي، والاشتباك مع الحياة برخائها وشظف عيشها».

وإن كان الشاعر عرار لم يحظ بحقه من الاهتمام، فلأن الأردن، «لم يستطع أن يقدم عرار كشاعر عربي»، كما يقول مقدادي الذي يرى أن عرار جارى شعراء عرباً كباراً، فضلاً عن أن «إمكاناتنا الإعلامية المتواضعة لم تسمح بتقديم عرار، فنال اهتمام النقاد في وقت متأخر من أواخر السبعينيات».

وعرار لم يستثن من اهتمام الإعلام والنقاد وحسب، بل ومن مناهج التعليم التي لم تشمل بأي من أشعاره، «بسبب ثورته على الواقع السياسي والاجتماعي». ويلفت الشاعر مقدادي إلى أن «الأديب في الأردن لم يحظ باهتمام كاف من المسؤولين عن المناهج، ودرجت العادة على الاهتمام بشعراء مثل: أحمد شوقي، والأخطل الصغير، أما عرار فلم يحظ بالاهتمام نفسه».

«عرار» هو الاسم الذي اختاره الشاعر مصطفى التل لنفسه، حيث كان يوقع به أشعاره ومقالاته في الصحف والمجلات. وذلك، وفقاً لمحمد عناقرة، تيمّنا بعرار بن عمرو شأس الأسدي. وكان والده صالح المصطفى التل، من مشايخ ووجهاء عائلة التل في إربد، التي كانت تتمتع بمكانة اجتماعية بين عائلات شرقي الأردن، يقرض الشعر الشعبي «الزجل».

تلقى عرار تعليمه الابتدائي في إربد ثم سافر إلى دمشق العام 1912 وواصل تعليمه في مكتب عنبر، ثم نفي إلى بيروت، وذلك نتيجة للمزاج المسرف في عصبيته وطبيعته الثائرة القلقة التي لا تعرف الاعتدال والوسطية. لكنه عاد إلى دمشق مرة أخرى. وكان عرار يتقن عدة لغات كالتركية، والفارسية، والفرنسية بالإضافة إلى براعته في اللغة العربية.

انتقل عرار إلى منطقة البلقاء، حيث عين متصرفاً - حاكماً إدارياً - في مدينة السلط فقضى فيها أربعة أشهر كانت نهايته عزله وسجنه، وبعد خروجه ترك الوظائف الحكومية وعاد إلى المحاماة التي ظل يعمل فيها حتى رحيله.

أمضى عرار حياته بين جماعات الغجر وهام بفتياتها، وكان يفضل معيشتهم ويدافع عنهم مطالباً برد الاعتبار اليهم في أوساط المجتمع الأردني، وكثيراً ما كان هؤلاء مصدر إلهام له في شعره.

ترـــك عرار عدة أعمال وآثار نثرية وشـــعرية أهمها: ترجمتـــه النثرية لبعـــض رباعيات الخيام، ورسالته (أصدقائي النور)، ومذكراته الشخصية، ورسالة (الأئمة من قريش)، وديوانه (عشيات وادي اليابس)، الذي مات قبل أن يجمع قصائده رغم إلحاح زملائه، وظلت قصائد ديوانه (أشــلاء مبعثرة) في جـــريدة هنا أو في مجلة هناك حتى العام 1954، حيث قام نجله «مريود» بجمع قصائده ونشرها في ديوان.

عرار: فرادة تنمو مع السنين
 
02-Apr-2009
 
العدد 70