العدد 70 - الملف
 

ليلى سليم

قبل إنشاء جامعة اليرموك، كانت إربد أشبه بقرية صغيرة تنام مع الغروب. الآن بعد ثلاث وثلاثين سنة من إنشاء الجامعة، صارت إربد مدينة، لكنها ما زالت تنام مع الغروب.

يصف محمد حرز الله (63 عاما) وهو يدخن الأرجيلة في احدى مقاهي الأرصفة التي انتشرت في السنوات الأخيرة في شارع الجامعة، المدينة التي عاش فيها حياته بقوله إنه إلى سنوات قليلة مضت كان هذا هو الشارع الوحيد الذي يبقى مستيقظا في إربد.

عاصر حرز الله الشارع قبل ثلاثين سنة، عندما كان يضم بضع محلات متفرقة، ولكن افتقار المدينة إلى متنفس حقيقي جعله قبلة كثير من الناس الذين كانوا يحضرون للترويح عن أنفسهم، فكانوا يتمشون في الشارع، ويجلسون على المقاعد التي كانت منتشرة بكثرة آنذاك بمحاذاة أسوار الجامعة.

ازدياد أعداد الطلبة في الجامعة، إضافة إلى إقبال ساكني إربد، ساهم في توسعة الشارع الذي أصبح يضم على الجانبين عشرات المحلات التجارية، ومعظمها محلات إنترنت ومقاه ومطاعم، وهو المنطقة الوحيدة تقريبا في إربد الذي تجد فيه فروعا لسلاسل مطاعم عالمية مثل هارديز وبيتزا هت وغيرها.

حرز الله الذي كبر أبناؤه، يقول إنه في الوقت الحاضر لم يعد يتحمل كلفة إحضار عائلته هنا في ظل الأسعار الحالية، ففي رأيه أن شارع الجامعة لم يتوسع كميّا فقط، بمعنى أن التغير الحاصل فيه لم يكن في ازدياد أعداد المحلات التجارية فيه فقط، بل تطور باتجاه أن يصبح شارعا نخبويا، فمحلاته بديكوراتها الفخمة «نسبيا» وبأسعارها المرتفعة، طردت السواد الأعظم من أهل إربد خارج الشارع.

وفي مدينة تخلو من متنفس حقيقي، كان لا بد للناس من الاختراع، ومن هنا جاءت وظيفة شارع الثلاثين، وهو الشارع الذي يقع على امتداد ميدان الملكة نور في منطقة الحي الشرقي.

أبو نضال، يسكن في الحي منذ 13 سنة، ويقول إن ما جعل للمكان هذا الحضور هو أنه إلى سنوات قليلة مضت كانت المنطقة كلها أرضا خلاء، وكان الناس يأتونها في ليالي الصيف في رحلات، وأن إقبال الناس على المنطقة هو السبب في نشوء المطاعم والمقاهي فيها، والتي تقدم خدماتها بأسعار تنخفض بشكل ملموس عن الأسعار في شارع الجامعة.

جمال (33 عاما) يعمل معلما ويأتي في الصيف مع أسرته في عطلات نهاية الأسبوع. «كوب الشاي هنا بثلاثين قرشا مقارنة بدينار عند الجامعة، والآيس كريم بخمسة عشر قرشا مقارنة بخمسة وستين قرشا عند الجامعة، أما الأرجيلة فهي هنا بدينار ونصف مقابل ثلاثة أو أربعة دنانير عند الجامعة، ولمن لديه عائلة فنحن نتحدث عن فرق كبير في الأسعار»، يقول جمال.

لكن الأسعار التي تبدو معقولة في نظر البعض، لا تبدو كذلك في نظر آخرين، ما جعل عائلات في شارع الثلاثين تختار الجلوس خارج المطاعم، وهذا ما شجع نوعا من المشاريع الصغيرة المبتكرة، وهي لأشخاص يجلبون طاولات ومقاعد بلاستيك، ويقومون بتأجيرها بمبلغ ثلاثة دنانير للعائلات التي ترغب في الجلوس في الهواء الطلق، أو لا تريد تناول الطعام في المطاعم. أصحاب هذه الطاولات يقومون أيضا ببيع المشروبات والأرجيلة بأسعار منخفضة نسبيا.

هناك نسبة من رواد شارع الثلاثين ممن لا يستطيعون تحمل كلفة المطاعم ولا الطاولات والمقاعد المستأجرة، ومنهم أبو اسماعيل (52 عاما)، وهو صاحب محل بقالة، أبو اسماعيل لديه تسعة أولاد، ويأتي إلى الشارع منذ سنوات مع عائلته، ويحضر معه حصيرة وبراد شاي وتسالي، ويفترش مع عائلته الأرض.

رواد شارع الثلاثين يشكون من تضييقات عليهم في الفترة الأخيرة، فالناس ازدادوا إلى درجة أن أحدا لا يجد موطئ قدم، وبخاصة في نهايات الأسبوع في ليالي الصيف، كما أن الأراضي الخلاء تقلصت كثيرا بفعل الزحف العمراني المتنامي في إربد، وهذا ما جعل الناس يزحفون إلى شارع ثالث هو شارع البترا المؤدي إلى عمان، فالمنطقة عبارة عن مساحات شاسعة من الأراضي الخلاء، ليس فيها مطاعم بعد، ولكن أصحاب الطاولات والكراسي المستأجرة الذين يبيعون الأراجيل والمشروبات متواجدون بكثرة هناك. والشارع الذي بدأ في السنة الأخيرة ينمو ببطء مرشح بقوة ليكون المتنفس العفوي الثالث لأهل إربد.

أهالي إربد يخترعون متنفساتهم: هيّا إلى شارع البترا..
 
02-Apr-2009
 
العدد 70