العدد 70 - الملف
 

خالد أبو الخير

الصياد الذي خلدت قطعة فخارية ذكراه، برمحه الممسوك بقبضته القوية، وقميصه الذي ارتداه من دون أردان، وملامحه التي تكاد تغور في شعر رأسه ولحيته الكثيفين، “أقام بإربد، لا يغادر ساحها إلا إلى القبر الذي به قبرا”، كما قال عرار الذي وجد ما يربطه بصياد إربد العتيق.

سكن الإنسان الأول المدينة الشمالية قبل أكثر من 4500 سنة، مستوطناً المغاور والكهوف الواقعة على تل إربد، وأحاطها بسور من الحجارة البازلتية السوداء ليحمي نفسه من الوحوش والأعداء.

يرجع تاريخ المدينة التي تعد من المستوطنات البشرية القديمة في جنوبي بلاد الشام، إلى ما قبل بداية العصر البرونزي الأول، (حوالي 3000 سنة ق.م). وإن كانت هنالك من يتحدث عن أن البشر سكنوا المدينة ابتداء من العام 5000 ق.م.

وعلى مدى الآلاف السبعة التي عمر البشر فيها المنطقة، لم يسلم تل إربد، موقع المدينة القديمة، من التدمير، فقد دمرت أكثر من مرة بسبب من الحرائق والزلازل والحروب، في منطقة عجت في العصور اللاحقة بالأمم الطامحة لفرض سيادتها.

تميز موقع المدينة بفقره إلى المياه، ما حد من قدرة المدينة على الازدهار، حتى جاء المهندسون الرومان قبل غروب شمس القرن الأخير ق.م. فجلبوا المياه في قنوات باطنية من مكان قريب من الرمثا إلى إربد وجدارا (أم قيس) أيضا.

خضعت إربد عبر تاريخها لسيطرة الأدوميين، العمونيين، الأشوريين، الفراعنة، البابليين، الفرس، اليونان، الأنباط، الرومان والغساسنة، إلى أن أتاها الفتح العربي الإسلامي، إبان كانت خاضعة للحكم الروماني الشرقي (الإمبراطورية البيزنطية) في أهاب معركة اليرموك (15 هـ - 636م).

تختلف الروايات حول تسمية المدينة؛ هنالك من يرى أن الاسم آشوري أطلق عليها غداة فتح الملك تغلات بلاسر الثالث (745-727 ق.م) لها، وورد في دائرة المعارف الإسلامية، في ترجمتها العربية «ليس ببعيد أن تكون الأماكن المسماة أرابيلا و أربيل و إربد الواقعة خارج آشور قد ابتناها أهل أربلا الآشورية باسم مدينتهم». وقيل إن أصل تسمية «أرابيلا» كلمة رومانية تعني «الأسود». والرومان أبدلو اسمها إلى أربيـلا Arbela كما أسماها اليونان، أرابيلا Arabella. ويقال إن اسمها الحالي ما هو إلا تحريف لاسم البلدة الرومانية القديمة “بيت أربل” Beth Arbel، أو أنه قد يكون مُشتقّاً من كلمة “الرُبدة” بسبب لون تربة الأرض الزراعية الحمراء المصحوب بسواد الصخور البركانية المنتشرة في مُحيط المدينة. وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أنها كانت تنطق بالكسر (إربد)، وبالفتح (أربد)، ونطقها العرب قديماً بفتح ألِفها وسُكون الراء “إربد”.

كما تُسمّى إربد أيضا الأقحوانة، وهو اسم تردد كإشارةٍ خلال فترة الحروب الصليبية في فلسطين سنة 1099.

احتل الفراعنة إربد في عهد ملكهم (بسامتيك الثاني) سنة 590 ق.م. لكن إقامتهم فيها لم تطل، عندما انتصر الملك البابلي نبوخذ نصر عليهم وطردهم منها عام 586 ق.م.

واعتباراً من 539 ق.م، خضعت إربد لحكم الفرس الذين ضموها إلى الولاية الخاصة بتلك المنطقة (مزربانه عبر نهرا).

خيول الإسكندر وطأت سهولها بعيد انتصاره على داريوس عام 333 ق.م، وكان ذلك إيذانا بدخول إربد المرحلة الهلينستية، حيث أعيد بناؤها، على النمط الإغريقي وأطلق عليها اسم “أرابيلا”.

وصل الرومان إلى إربد حوالي سنة 64 ق.م، وغدت أرابيلا جزءاً من ولاية سورية الرومانية وعاصمتها إنطاكية. كما أُدخلت ضمن حلف المدن العشر (الديكابولس)، الذي أقامه الرومان على يدي الإمبراطور بومبي ليكون أساساً لنشر الثقافة الرومانية وتنظيم العلاقات التجارية بين مدن هذا التحالف وبين روما. وعدت من ضمن «مخازن قمح روما» التي شملت كامل سهل حوران.

استمر ازدهار إربد بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية، عام 286م ، وصارت تتبع للإمبراطورية الرومانية الشرقية «البيزنطية».

انتشرت المسيحية في المنطقة مُنذ القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وعدت إربد من ضمن دولة الغساسنة العربية المسيحية.

وصلت طلائع الفتح الإسلامي إليها عام سنة 13ه ـ 634م، على يد القائد شرحبيل بن حسنة. ولم يمنع بزوغ العهد الأموي للمدينة إربد من المحافظة على مكانتها وازدهارها، وساعدها على ذلك قربها من دمشق، عاصمة الخلافة، وموقعها على طريق قوافل الحج المتجهة إلى الحجاز، فأصبحت منذ بداية الخلافة الأموية محطّ أنظار الرحالة ورجال الدين المسيحيين الذين قدموا إليها حجاجاً متنسمين خطى المسيح فيها وفي أم قيس، بعد تسلله هاربا عبر نهر الأردن.

ولقيت المدينة عناية الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك الذي بنى فيها قصرا فخماً، وعلى بعد كليومترات منه، وتحديدا في بيت راس، عاش فاجعته الشخصية مع جاريته حبابة، التي دُفِنت فيها وقيل إنه دفن في إربد، بعد وفاته في المدينة التي أحبها.

ضرب زلزال إربد في العام 747، دمر الكثير من معالمها، ومنها قصر يزيد. كما انتشر فيها طاعون عمواس، الذي قتل وفتك بالمئات من أهلها. ما أدى إلى خفوت بريقها.

في العصر العباسي تراجعت مكانة إربد بسب انتقال عاصمة الخلافة الإسلامية من دمشق إلى بغداد، وبعد ذلك خضعت لحكم الدول التي بدأت بالانفصال عن الدولة العباسية كالدولة الطولونية، والإخشيدية، والفاطمية، والسلجوقية، ثم الفاطمية مرة أخرى، فالأيوبيين، والمماليك.

في العهد الأيوبي، عاودت إربد ازدهارها بتجدد مهمتها العسكرية، فأصبحت بوابـة عبور للجيوش الإسلامية الزاحفة باتجاه حطين وبيت المقدس. كما ازدهرت في العصر المملوكي حينما كانت تتبع لنيابة دمشق، إذ كانت إحدى محطات الحمام الزاجل، والأبراج، والمنارات، ومركزا مهما للبريد، ومركزا لنقل الثلج من الشام إلى مصر، وممرا للتجار وقوافلهم.

تبعت إربد في العهد العثماني متصرفية درعا حتى عام 1920، وفي عام 1884، أقيمت دار الحكومة في إربد وخرج أهل إربد إلى الشوارع فرحاً.

في الحرب العالمية الأولى 1914-1918، مني الجيش التركي بهزائم متتالية في فلسطين، واضطرت الجيوش المتقهقرة إلى شمالي الأردن، بقيادة مصطفى كمال باشا أتاتورك، إلى المرور بإربد في طريقها إلى سوريا فتركيا.

وبعد أن حلَت الهزيمة بالأتراك انسحب الجيش التركي السابع من إربد عام 1917. وفي يوم 26 أيلول/سبتمبر 1918 هاجم اللواء العاشر البريطاني الجبهة التركية الممتدة من زبده- إربد- بيت راس، وقد فوجيء الجيش البريطاني بمقاومة شرسة من الجيش التركي الذي كان تحت إمرة ضابط من أصل عربي اسمه منيب الطرابلسي، الذي كبد الإنجليز، أثناء دفاعه عن إربد خسائر كبيرة، وفي ليلة 26 وصباح يوم 27 أيلول/سبتمبر انسحب الجيش العثماني من إربد، فوصل الجيش البريطاني إلى أبوابها ودخلوها يوم 27 أيلول/سبتمبر 1918.

وفي ليلة 26 وصباح يوم 27 أيلول/سبتمبر انسحب الجيش العثماني من إربد، فوصل الجيش البريطاني إلى أبوابها ودخلوها يوم 27 أيلول 1918.

وبعد انسحاب العثمانيين من إربد تولى أمور الحكم فيها الشريف سعد السكيني الذي عهد إليه تنظيم شؤون الحكم فيها خلال العهد العربي الفيصلي 1918-1920.

بعد سقوط الحكم الفيصلي، تأسست في إربد حكومة إربد المحلية برئاسة القائم مقام علي خلقي الشرايري في 5 أيلول/سبتمبر 1920، وذلك لسد الفراغ السياسي، وظلت هذه الحكومة قائمة حتى قدوم الأمير عبد الله بن الحسين الأول إلى عمان وانتهاء عهد الحكومات المحلية.

تعددت الأسماء والمدينة واحدة إربد عبر التاريخ: أقحوانة نمت في ظلال الحضارات
 
02-Apr-2009
 
العدد 70