العدد 2 - أردني
 

بعد أربع سنوات على تطبيق قرار دمج البلديات المثير للجدل لجهة جدواه في مجال تحسين اضطلاع البلديات بدور أكثر فاعلية، ما زالت البلديات في محافظة مادبا تعاني مشاكل مزمنة رغم اختزالها من 12 بلدية إلى 4 بلديات فقط، وبرغم هدف القرار القاضي بضغط النفقات وتخفيض الديون ، في مقابل تحسين الخدمات المقدمة.

واعتبر متخصصون أن القرار لم يفرز سوى مزيد من الديون على كاهل المناطق التابعة للبلديات، بينما رأى آخرون أن هذه العملية أسهمت في تطوير مستوى الخدمات إلى حد مقبول، وقللت حجم المديونية المترتبة على صناديق البلديات.

من جانبه، يرى رئيس بلدية مادبا المهندس عارف أبو راجوح بأن "الدمج الذي طبقته الوزارة حقق وفراً مالياً في ميزانية البلديات وخصوصا في المرحلة الحالية التي نمر بها، فقد واجه القرار في بداياته معيقات كبيرة لكن الوضع الآن يثبت أن القرار أتى أُكله إيجاباً على صناديق البلديات"، مدللاً على ذلك بـ"الوفر المالي الذي حققته البلدية في العام الحالي، إذ إن ميزانية البلدية بلغت أربعة ملايين دينار فيما لم تبلغ عام 2002، أي قبل قرار الدمج، أكثر من مليوني دينار".

وعلى صعيد المناطق، اعتبر أبو راجوح بأن "ايراداتها المالية قبل الدمج كانت تكاد لا تغطي نفقات رواتب موظفيها، اما الآن فهي تحصل على أضعاف ما كانت تنفقه سابقا في مجال الخدمات".

يشار إلى أن بلدية مادبا حققت إيرادات مالية قدرها مليونان و937 الف دينار خلال العام 2004، في حين بلغت النفقات للعام نفسه مليونين و759ألفاً، ما يعني تساوي مستوى النفقات مع مستوى الايرادات، وهو ما يعني تخلص صندوق البلدية من مديونية كان اعتاد على تحملها.

في هذا الصدد، يشكك عضو مجلس بلدي سابق هو عبدالله المداينة في صوابية قرار الدمج معتبراً أنه "رتب أعباء مالية كبيرة على المناطق التابعة للبلديات الكبرى خصوصاً، بفعل تقليص حجم الدعم المالي لها وتركزها في المركز".

ويؤيد المواطن محمد الهواوشة ما ذهب اليه المداينة، مؤكداً أن "تحسناً في الخدمات لم يطرأ بعد على خدمات أساسية تعكف البلدية على تقديمها للمواطن سواء من حيث الكم او من حيث النوع في بلديات المركز، الأمر الذي يؤكد فشل القرار".

وعقب قرار الدمج، الذي جاء استجابة لمطالب مالية وإدارية، طغت الجوانب المالية على الأبعاد السياسية والاجتماعية لمشروع القرار الذي قدم في عهد وزير البلديات الأسبق عبدالرزاق طبيشات، فقد تضمنت محاور القرار إعادة هيكلة بعض البنود والمحاور المتعلقة بالمال والإدارة ، بينما لم تلتفت إلى المضمون الاجتماعي أو السياسي.

واعتبر المواطن عبدالله الحيصة أن القرار "زاد مشاكل البلديات وخصوصاً في المناطق التابعة لها التي ضمت إلى المركز، حيث تم تجاهلها من حيث سوية الخدمات المقدمة كالبنى التحتية والنظافة، فضلاً عن تركز دور البلدية على الدور الخدمي فقط ، فالرؤية الاستراتيجية للحكومة حول الحكم المحلي غابت، حيث لم ينظر إلى البلديات باعتبارها عاملاً هاماً في ترسيخ مفهوم الديمقراطية وإشاعته، ومأسسة اتخاذ القرار، وبذا بات القرار بعشوائيته يدفع البلديات وإداراتها إلى لعب دور الوحدة الخدمية التي لا شأن لها بمضامين المشاركة السياسية".

من جهته، رأى رئيس بلدية مادبا الأسبق المهندس محمد أبو كف أن القرار "حقق نجاحا في تقديم الخدمات للمناطق كافة التي تم دمجها حيث النفقات المالية لهدف تقديم الخدمات التي تضاعفت وخصوصا في المناطق التابعة".

لكن المواطن سالم عليان لم يؤيد القرار واعتبر بأنه "لم يزد البلديات الا ترهلا في كوادرها وعملها، فهي تقوم بتعيين أعداد كبيرة من الموظفين تحت مسميات وظيفية مختلفة منها تطوير أداء العاملين، وتزويد البلديات بالخبرات الفنية اللازمة، مبيناً أن معظم المهندسين المعينين في المناطق هم من حديثي التخرج أي بدون خبرات عملية، داعياً إلى تزويد البلديات بالخبرات المدربة بما يضفي روحا جديدة في عملها".

ويحمل عضو المجلس البلدي السابق علي الشوابكة رأياً مماثلاً، ويقول "إن مشاكل كبرى تواجه البلديات ولم تحل بعد الدمج، وهو ما يثبت حقيقة القرار وفشل جدواه في حل تلك المشاكل التي من أهمها مسلخ مادبا، وما يفرزه من تلوث بيئي في المنطقة المحيطة في الحي الشرقي بمدينة مادبا".

ولم تجد بلدية مادبا وغيرها من الادارات المختصة، وفقاً لأقوال بعض المواطنين، وسيلة ناجعة للتخلص من إساءة متعمدة للمدينة يمارسها تجار وبائعون وقصابون وأصحاب مطاعم ومحال دواجن في شارع البتراء خصوصاً، فهذه المحال حسبما يؤكدون، تطرح نفاياتها على الأرصفة والشوارع فيما تسيل المياه العادمة يومياً أمامها.

ويجتهد المواطن معاذ النهار في توصيف المشهد، مبيناً أن "المدينة نظيفة الى حد ما أثناء ساعات النهار، لكنها تبدو عديمة النظافة اثناء الليل"، مشيراً إلى أن هذا القرار "يعد خدمة للبيروقراطية المتحجرة والمركزية في الأداء الحكومي لبعض القطاعات التي أوجدت القرار حيث لن تتخلى عن سلطاتها المركزية، ولن تتكيف مع أي أجراء من شأنه تخفيف قبضتها على القرارات الكبرى الأمر الذي يعد عثرة في وجه التنمية والمشاركة".

وكانت تقاير دولية تحدثت قبيل قرار الدمج عن أن هناك 262 بلدية من أصل 328 بلدية في المملكة وصلت حد إلافلاس، فضلاً عن مديونية قدرتها تلك التقارير بـ 64 مليون دينار ترتبت على كاهل البلديات في حين لم يعد لها مقدرة على السداد.

وواجهت البلديات في حينها أزمات مالية خانقة، واعتبرت 80 % منها في حاله عسر مالي في العام 99/ 2000، الا أن التدخل الحكومي بإعفائها من الديون المترتبة عليها لبنك تنمية المدن والقرى حال دون تفاقم الأزمة.

كما كان لدى البلديات في حينها 16 ألف موظف وألفا موظف مجلس خدمات، منهم 580 جامعياً والباقون غير مؤهلين.

من جانبه، اعتبر المهندس مروان مسند أن التجارب أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، بأن سلطات المستوى المحلي أقدر على إدارة السلطة، وتحقيق المساءلة والشفافية بشأن تقديم الخدمات في مناطقها، الأمر الذي يظهر فضاضة القرار وعدم جدواه في تطوير مشاريع تنموية كان من المفترض أن تقدمها البلديات للمجتمع المحلي، ومن هنا فإن التحديات تزداد في طريق العمل التنموي المحلي برفع درجة مركزية الأداء في صنع القرارات وتنفيذها ومتابعتها، وإقصاء السلطات الأقل ترتيباً على السلم المركزي للإدارة، ما أضعف روح المبادرة من جانب تلك السلطات.

يذكر أن أغلبية من بلديات المملكة تخصص أكثر من 50 بالمائة من ميزانياتها لغايات صرف الأجور والرواتب، الأمر الذي ينعكس سلباً على حجم الخدمة المقدمة إلى المواطن، ونوعيتها.

وكذلك، تم تحجيم الدور الذي يمكن أن تقوم به البلديات تجاوزاً لما ينص عليه قانونها، حسب ما يقول المواطن محمد السنيد، وذلك "لأن المركز يقدم الكثير من الخدمات للمواطنين مباشرة، الأمر الذي أضعف العلاقة بين البلدية ومواطنيها، وأُسس لعلاقة مباشرة بين المركز والمواطنين". هذه السياسة، حسب السنيد "أدت لفقدان روح المبادرة المحلية وإضعاف قدرة البلدية على فرض رسوم جباية أو ضرائب محلية، بحيث تصبح البلدية مسؤولة مباشرة أمام مواطنيها".

"ما ورثته البلديات غداة القرار من أعباء مالية كبيرة وترهل في كوادرها الوظيفية ومديونية عن مجالس سبقتها أدى إلى إضعاف ما يمكن أن يطبق من أفكار جديدة لانتشال البلديات من أزمتها في ظل القرار الجديد، وهو ما يقول به المهندس فايز الشوابكة.

وقال "تعارض الدور الذي يفترض أن تلعبه البلديات في زيادة نسبة المشاركة السياسية، مع مشكلة ايغالها في تقديم الخدمات بشكل أوسع من الدور التنموي، هو ما يفسره تدني أعداد المشاركين في عملية الانتخاب بعد قرار الدمج عما كان سابقا".

البلديات تراوح في أزماتها بعد الدمج.. مادبا نموذجاً – علاء طوالبة
 
15-Nov-2007
 
العدد 2