العدد 70 - أردني
 

سوسن زايدة

مرة أخرى يثور الجدال بين هيئات المجتمع المدني والحكومة حيال تعديلات تستعد الأخيرة لإدخالها على قانون الجمعيات العامة، وسط تسريبات بوجود ضغوط دولية لتغيير هذا القانون المثير للجدل بعد أقل من ستة أشهر على تغييره من طرف واحد.

الاشتباك بين المنظمات غير الحكومية والسلطة التنفيذية بدأ بعد أن سنّت الحكومة قانونا جديدا للجمعيات الأهلية، التي سارعت لتشكيل تحالف من 102 منظمة في مواجهة القانون الجديد.

هذه الهيئات، التي تشتكي من أن التعديلات المقترحة «مجرد تحايل» على مطالبها، ترغب في المساهمة في صياغة مشروع القانون الجديد، لتلافي ما تصفه بـ«شروط مجحفة» بحقها تضمّنها القانون ساري المفعول حاليا.

يوم الأربعاء (1 نيسان/أبريل) اجتمعت لجنة مصغرة عن التحالف مؤلفة من ممثلين عن 16 هيئة أهلية، للخروج بقرار موحد ردا على التعديلات التي أعلنتها وزيرة التنمية الاجتماعية هالة لطوف مؤخراً.

عضو اللجنة المحامي طالب السقاف، رئيس جمعية “الإنسان والبيئة”، قال في تصريح لـ“ے”، إن المجتمعين خلصوا إلى أن المشروع وفق الشكل الذي قدمه مجلس الوزراء لا يفي بمتطلبات عمل الجمعيات كما حددها «التحالف»، والتي نوقشت في لقاءات عمل تمت بين التحالف ووزارة التنمية الاجتماعية.

وأضاف أن التعديلات التي طرأت طفيفة، لم تنقذ جوهر القانون الساري حاليا، الذي يقيد عمل الجمعيات،  ويضع أمامها عراقيل كثيرة.

«القانون مخالف لمعايير دولية معتمدة لتنظيم عمل الجمعيات، ومنها حرية تأسيس الجمعيات، فالقانون الحالي يفترض مواصفات مسبقة على تسجيل الجمعيات، وهذا يحد من حرية التشكيل» يقول السقاف، ويضيف: «التحرك المطلوب نيابي حكومي، لأن المشروع سيُعرض على مجلس النواب في أول جلسة يعقدها».

الخلاف بين الجانبين ينحصر في ثلاث نقاط: آلية تسجيل الجمعيات، التمويل، والحقوق المكتسبة، بحسب السقاف.

القانون ينص على وجوب «موافقة» مجلس الوزراء على قرار تأسيس جمعية، فيما يصر التحالف على الاكتفاء بـ«الإشعار».

يرى السقاف أن التعديل جاء «تحايلا على مطالبات منظمات المجتمع المدني». ويضيف: «منذ ستة شهور قدمت الحكومة مشروع قانون، واعترضت المنظمات عليه بشدة. فما الجديد الآن؟ بل إن الحكومة تريد تقديم قانون معدل على أنه يمثل وجهة نظر المنظمات. هذا غير منطقي».

يشاركه في الرأي فوزي السمهوري، مدير مركز «جذور للاستشارات في حقوق المواطن والتنمية المستدامة».

«يجب أن تعطى الجمعيات حق التسجيل عبر الإعلام والإشعار لدى كاتب العدل في وزارة العدل، كسلطة قضائية وليست تنفيذية (..) ما دام أن هذه الجمعيات تعمل وفقا للدستور، ولا تقْدم على أي عمل مخالف لتحقيق أهدافها عنوة»، يقول السمهوري.

أما مسألة التمويل، فلم يجر عليها أي تعديل رغم ملاحظات الجمعيات على هذا الجانب.

ينص التعديل المقترح على إشعار الجهة الحكومية بالتمويل. لكنها عمليا، بحسب تحالف المنظمات، تخضع لموافقة أو رفض الوزير على التمويل خلال شهر من تقديم الإشعار له، ودون ذكر الأسباب.

وحول الحقوق المكتسبة للجمعيات القائمة حاليا، فإن القانون الساري ليس فيه تصنيف للجمعيات، بصرف النظر عن أقدميتها.

وترغب الجمعيات في استبدال تعبير «الوزارة المشرفة»، بـ«الوزارة المختصة التي تتبع لها»، كما تطالب بفصل التسجيل عن الرقابة، على أن تتولى الوزارات المشرفة الرقابة على عمل الجمعيات من ناحية موضوعية.

من أبرز التعديلات التي تضمنها مشروع قانون الجمعيات، كما أعلنتها وزيرة التنمية الاجتماعية، تشكيل لجنة لإدارة السجل برئاسة وزير التنمية الاجتماعية وممثلين عن الوزارات المختصة والقطاع التطوعي. من مهام المجلس تحديد الوزارة المختصة لكل جمعية، وإصدار الخطط والبرامج اللازمة للنهوض بأوضاع الجمعيات، ومساعدتها على تحقيق أهدافها، وإدارة صندوق دعم الجمعيات. يناط بدائرة السجل، التي يديرها أمين عام، اتخاذ قرارات تسجيل وحل الجمعيات، بحسب لطوف.

لكن مدير مركز «جذور للاستشارات في حقوق المواطن والتنمية المستدامة»، يرى أن صلاحيات إدارة السجل تقتصر على «صندوق بريد يستقبل طلبات التسجيل ويوزعها على الوزارات التي ترفض أو توافق على الطلبات دون ذكر الأسباب». ويضيف: «ما السجل إلا مكتب بريد، فأمين عام السجل يجب أن يخاطب الوزارة المعنية، ووجوده يعني فقط مزيداً من البيروقراطية».

كما أن تشكيل مجلس إدارة السجل مناصفة بين وزارة التنمية الاجتماعية وممثلين عن الوزارات المختصة والقطاع التطوعي، بالنسبة للسمهوري: «تغييرات شكلية لا قيمة لها ما دام القرار بيد الوزير».

ويصر السمهوري على أن «قانون الجمعيات الذي أصبح نافذا في كانون الأول/ديسمبر 2008 أو التعديلات التي ستدخل عليه حاليا، يقيد عمل الجمعيات ويصادر حقها بالاستقلالية في نشاطاتها كافة. وبذلك لا يكون هناك تغيير يُذكر».

ويلفت أيضا إلى أن التعديلات الحكومية المقترحة «لا تلبي ما تضمنته المواثيق الدولية، وبخاصة العهد الخاص من الحقوق السياسية والمدنية وحقوق الإنسان». لكنه يرى في المقابل أن النقطة الإيجابية الوحيدة فيها «إلغاء موافقة الوزير على انتخابات الهيئة العامة».

لطوف كانت أكدت في تصريحات صحفية أن «أحرف هذا القانون وطنية بامتياز، وُضعت بشراكة حقيقية مع مؤسسات المجتمع المدني. وأن القانون جاء منحازا بالمطلق للفقراء». ونفت الوزيرة الاتهامات بتعرض الحكومة لضغوط دولية لتعديل مشروع قانون الجمعيات الخيرية.

وأوضحت أن «مشروع القانون الذي ساهمت الوزارة في إخراجه أنهى تفردها المطلق في صناعة القرار الذي سيصبح في ما بعد بيد إدارة السجل التي سيشترك فيها ممثلون عن الوزارات والقطاع التطوعي».

مدير عام السجل يُنسب من رئاسة الوزراء، ويصادق الملك على تعيينه.

آمنة الزعبي، رئيسة اتحاد المرأة الأردنية، قالت من جانبها إن الحكومة «استجابت لعدد من الملاحظات التي قدمتها الجمعيات (...) لكنها لم تأخذ بمجموعة من القضايا الجوهرية التي طالبت بها الجمعيات».

مدير مديرية الجمعيات في وزارة التنمية الاجتماعية إبراهيم التميمي، أكد في تصريح لـ“ے”، أن الوزارة التقت مع عدد من منظمات المجتمع المدني، وتمت صياغة التعديلات بالشراكة معهم. وأضاف أن الوزارة ستُصدر برنامجا إعلاميا متكاملا بما يتعلق بهذه التعديلات.

التميمي يوضح أن الهدف من التعديلات هو توحيد مرجعية التسجيل، وتبسيط إجراءات تسجيل الجمعيات بشكل عام، وتسهيل تأسيس الجمعيات بتقليل عدد الأشخاص الراغبين بتأسيس جمعية، وحرية تأسيس نوع جديد من الجمعيات، وهي الجمعيات الخاصة أو المغلقة والهيئات الإقليمية للهيئات المسجلة خارج الأردن بناء على طلب مؤسسيها.

يضيف التميمي: «هذه الجمعيات الخاصة، التي يؤسسها من 3 إلى 10 أشخاص، يمكن أن تكون بديلا أو غطاء قانونيا للشركات غير الربحية، لأن القانون الساري لم يعالج الشركات غير الربحية نهائيا، وكان تنظيمها يختلف عن تنظيم الجمعيات بشكل عام. وهذا تم، كما بقية التعديلات، بالاتفاق مع الجمعيات التي تحاورنا معها. مقترحات منظمات المجتمع المدني درستها الوزارة مع بقية الوزارات، وأخذنا منها ما يتناسب مع سياسات الدولة عموما، وحاولنا تقديم وجهة نظر تقريبية بيننا وبين تلك المنظمات».

الاجتماع الأخير الذي عقده «التحالف»، ناقش أيضاً مأسسة التحالف وتوسيع قاعدته، ليشمل إضافة إلى المجتمع المدني شراكة مع الإعلام. تقول الزعبي: «دورنا لن يتوقف عند قانون الجمعيات، نحن معنيّون بقوانين أخرى لها علاقة بالديمقراطية الأحزاب والاجتماعات العامة، لأن لها ترابطا كبيرا مع موضوع الجمعيات».

الزعبي تبيّن أن هناك هيئات «لا تكترث بالقانون، لأنها ترى أنه لا يؤثر في عملها، لأن مجال عملها محدود وخيري ولن يتقيد بالقانون»، وأن هناك هيئات أخرى «مُوَالية» لوزارة التنمية الاجتماعية، تخشى أن الاختلاف مع الوزارة قد يؤثر في المنح التي تحصل عليها منها.

ينوي التحالف عقد جولة جديدة من المناقشات مع مجلس الأمّة حول هذا الموضوع. «كنا نفضّل أن نتوافق مع الحكومة على تعديل القانون ونقدمه للبرلمان بحيث تصبح المهمة أسهل علينا وعلى الحكومة»، يقول السقاف، ويضيف: «لا شك أن التعديلات التي تمت بهذا الشكل كرّست الانقسام بين موقف الحكومة ومنظمات المجتمع المدني في ما يتعلق بالقانون المعدل».

منظمات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلا أجنبيا ويرأسها أحد أفراد العائلة المالكة، مثل: مركز الأميرة بسمة، ومعهد الملكة زين، والصندوق الهاشمي، واللجنة الوطنية لتجمع لجان المرأة، ومؤسسة نهر الأردن، ومؤسسة نور الحسين، لا تخضع لقانون الجمعيات الخيرية، وإنما تُسن لها قوانين خاصة بها. وكذلك الحال بالنسبة لمنظمات المجتمع التي أسستها وتمولها الحكومة إضافة إلى التمويل الأجنبي، مثل: المركز الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني لشؤون الأسرة.

“المنظمات” ستلجأ لمجلس الأمّة: تجدُّد المواجهة حول تعديلات قانون الجمعيات
 
02-Apr-2009
 
العدد 70