العدد 69 - سينما وتلفزيون
 

محمد جميل خضر

قليل من التفاؤل حول الإجماع العالمي (بخاصة في مداه الغربي) بما يتعلق بالمحرقة (الهولوكوست)، فإن فيلم «القارئ» (The Reader) يحاول أن يتزحزح قليلاً عن العدوانية والشراسة التي ظلت تواجه أي محاولة للبحث الموضوعي في محرقة اليهود على يدي هتلر.

الفيلم من إخراج الإنجليزي ستيفان دالدري، وبطولة كيت وينسليت (نالت على دورها فيه أوسكار أفضل ممثلة أولى في دورة هذا العام)، ورالف فينّيس، والشاب «الفذ» ديفيد كروس.

هانّا شميث (كيت وينسليت) امرأة في عقدها الثالث (حوالي 36 عاماً) عندما قابلت العام 1958 صبياً يجلس في حالة صحية وإنسانية مزرية تحت سقف شارع، هارباً من المطر، ومخفياً قيأَهُ المتواصل بسبب حمّى باغتته وهو عائد من المدرسة، تحنو عليه، ورغم مكابرته تمد له يد العون، وتنظف وجهه وملابسه من القيء، وتقوده حتى ناصية الشارع المؤدي إلى بيته.

تفعل هانّا كل ما تقدم بوازع إنساني خالص، قبل أن تنشأ علاقة حب غريب الأطوار بينها وبين مايكل، كان يقرأ لها خلالها مقتطفات من الكتب التي يقتنيها، لأنها كانت أميّة.

يكشف الفيلم لاحقاً أن تلك المرأة، رغم ما بدا من صفاتها الإنسانية، ليست سوى نازية، خدمت في المخابرات الألمانية ما بين 1943 وحتى 1945، وكانت واحدة من حارسات تركن 300 أسيرة (يهودية ألمانية) يمتن احتراقاً داخل كنيسة، لأن الحل الآخر كان فتح أبواب الكنيسة لهن وتركهن يهربن في قلب فوضى عاصفة أحاطت بالحارسات والسجينات من كل حدب وصوب.

يفاجأ مايكل الشاب، وقد فقد أثر هانّا عدداً من السنوات أكمل خلالها دراسته الثانوية ووصل السنة الأخيرة من دراسة الحقوق والقانون، أن حبيبته السابقة إحدى المتهمات بالتسبب بموت الأسيرات.

يأخذ الفيلم هنا منحى جديداً مغايراً تماماً لبدايته الرومانسية الإنسانية الشفيفة. ويقع مايكل في دوامة الموقف الذي ينبغي عليه اتخاذه. وعندما يصبح تخفيف الحكم على هانّا مرهوناً بإبلاغها المحكمة أنها أميّة لا تقرأ ولا تكتب، بعد اتهام بقية الحارسات لها أنها كتبت التقرير الذي زيّف حقيقة ما جرى في الكنيسة في تلك الليلة المجنونة، تقبل بالحكم مهما بلغت قسوته، مقابل أن تحافظ على اعتدادها وأنفتها، رافضة الإفصاح عن أميّتها.

في سياق المحاكمة، وفي تفاصيل العلاقة بين هانّا ومايكل، يسرّب المخرج من بين سطور الفيلم ومشاهده، جوانب إنسانية وموضوعية حرية بالنقاش، حول ممكنات التعامل مع تفاصيل ما جرى في العهد النازي. هانّا تقول للقاضي إن مهمتها كانت منع السجينات من الهرب، وليس فتح الأبواب لهن، وأنها كانت تؤدي واجباً وظيفياً.

ظل مايكل مسكوناً بما كان بينه وبين هانّا، فيطلق زوجته، وتسافر ابنته هاربة من سوء التفاهم إلى فرنسا، فيقرر أن يبدأ بإرسال أشرطة كاسيت سجّل عليها قراءاته للكتب التي كان يقرؤها لهانّا في الأشهر العاصفة التي جمعتهما معاً، وكتباً أخرى كان يسجلها ويرسلها لها إلى السجن. وتعبيراً عن امتنانها العظيم، تتعلم هانّا القراءة عن طريق إحضار الكتاب المسجل على الأشرطة من مكتبة السجن، وإجراء مقارنة بين الصوت والحروف في الكتاب، وهنا يسجل الفيلم ذروة من الإنسانية والتصاعد الدرامي الجمالي المعبّر.

ولأن تردد مايكل كان أقوى من حبه، ولأنها استشعرت ذلك لحظة إنهائها محكوميتها بعد 20 عاماً في السجن، تقرر هانّا أن تضع حداً لحياتها، فتنتحر في السجن، وتحديداً في مكتبته وبين كتبه.

مخرج الفيلم دالدري، كشف عن انبهاره بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في ألمانيا. وأضاف في تصريحات صحفية: «أحب التعقيدات والتناقضات»، مؤكداً أن هذا هو سر حماسته الشديدة لإخراج هذا العمل الذي يدور حول قضية معقدة. وأضاف أنه لم يكن من الصعب عليه فهم إحساس الذنب الموجود لدى الألمان بسبب جرائم النازية.

مجلة «أوكي» الأميركية، ذكرت أنه رغم أن وينسلت متعلمة، إلاّ أن دور «هانّا شميث» الأميّة الذي أدّته في فيلم «القارئ»، دفعها لتمضية الوقت مع راشدين أميّين يتعلمون القراءة، لفهم المشاكل التي يواجهونها عند تعلمهم.

“وينسليت” بطلة الفيلم حازت على الأوسكار “القارئ”: دعوة إلى نظرة أخرى للمحرقة
 
26-Mar-2009
 
العدد 69