العدد 10 - اقتصادي
 

جمانة سليمان

ينتقد خبراء طاقة ومسؤولون سابقون آلية تنفيذ إستراتيجية قطاع الطاقة التي كان مفترضا أن تتحرك على مسارين: تحرير أسعار المحروقات، وكسر احتكار شركة مصفاة البترول مع دخول شركاء جدد إلى سوق الطاقة. يذهب مسؤول سابق إلى توصيف تحرك الحكومة بأنه «أحادي المسار يتمحور حول رفع الأسعار وليس تحريرها» بخلاف الاستراتيجية التي وضعت عام 2004 لخلق أجواء تنافسية تصب في مصلحة المواطنين.

وزير طاقة سابق يقول إن «القرارات والإجراءات الحكومية تستهدف رفع الأسعار وبلوغ موازنة تخلو من بند دعم المحروقات». على أن الحكومة، بحسب المصدر ذاته، «لم تخطط لتقديم تعويض مناسب للأفراد عن رفع الأسعار».

رئيس الوزراء نادر الذهبي، يؤكد من جانبه على عدالة توزيع شبكة الأمان الاجتماعي، التي رفعت في الموازنة إلى 500 مليون دينار، من بينها 301 مليون مخصصة لرفع الرواتب- على أن على أن تخصص نسبته الأعلى للفئة التي تقل رواتبها عن 300 دينار/شهر.

كذلك يؤكد الذهبي أن «الحكومة تعمل على إنهاء حصرية مصفاة البترول» التي ينتهي عقد امتيازها في آذار/ مارس 2008 وفتح الباب أمام أربع شركات مستقلة لاستيراد النفط ومشتقاته. بينما يقر أن حصرية العمل في هذا القطاع أفرزت عدم كفاءة وغيّبت المحاسبة ما انعكس سلبياً على المواطن، يعد الذهبي بإنهاء حصرية المصفاة وصولاً إلى آلية عمل على أسس تنافسية السوق.

وتنص استراتيجية قطاع الطاقة على إنهاء عقد امتياز المصفاة، وإعادة هيكلة هذه المنشأة الوحيدة في المملكة، وصولاً إلى فصل عمليات التكرير، التخزين، النقل والتوزيع. كذلك تتضمن تأسيس أربع شركات تسويق لاستيراد المشتقات النفطية وتوزيعها في سوق مفتوحة.

على أن الحكومة «لم تلتزم بجميع بنود خطة التحرير»، بحسب الوزير الأسبق الذي طلب عدم نشر اسمه، «بل سعت لاستكمال ما يصب في صالحها متناسية الفصول الأخرى من المخطط التي يفترض أن تقلل أثر رفع الدعم عن محدودي ومتوسطي الدخول».

وتتوقع مصادر في وزارة الطاقة رفعاً كبيراً في أسعار المشتقات النفطية، تماشياً مع الارتفاع الكبير الذي أصاب هذه السلعة الحيوية في الأسواق العالمية إذ تلامس لأول مرة حاجز ال100 دولار للبرميل.

وتقتضي خطة تحرير السوق دخول شركات تسويق لبيع المشتقات النفطية مباشرة للمستهلك، وجذب شريك استراتيجي بهدف إتمام عملية التوسعة التي باتت ضرورية في المرحلة الحالية لسببين: إنتاج مشتقات نفطية بمواصفات عالمية مثل البنزين الخالي من الرصاص والديزل بنسب كبريت قليلة لا تتجاوز 05ر بالمئة مقارنة مع 1ر1 بالمئة حالياً. وثمة ضرورة ملحة لرفح حجم الإنتاج المقدر حالياً ب 100 ألف برميل يومياً إلى 130 ألفاً بحلول العام 2017.

الوزير المؤيد ل”دخول شركات جديدة إلى السوق” يرى في ذلك “مساعدة على تقديم منتجات أقل تكلفة في حال تأهلت شركات ضخمة لعطاء التسويق مثلاً”. لكنه يعتبر في المقابل أن “هناك ظروفاً محلية طاردة للمستثمرين الراغبين بالدخول في مشروع التوسعة”، دون أن يحدد تلك الظروف.

إلى ذلك يحث “الحكومة على اتخاذ إجراءات عدة لإغراء القطاع الخاص بالدخول في شراكة توسعة المصفاة”.

أحد العوامل الطاردة للمستثمرين، بحسب الوزير، “عدم التزام الحكومة بتحرير أسعار المشتقات النفطية (الرفعة المقبلة تأخرت ستة أشهر عن الجدول)، غياب سياسة تسعيرية واضحة تتبع لها السوق”. يرى هذا الوزير أن “التخوف من بقاء سيطرة شركة المصفاة على السوق في غير محله” معتبراً أن حجم حصة الشركات الجديدة يعتمد على قوتها التي تحدد إمكانياتها في استيراد منتجات نفطية مكررة بأسعار أرخص من التي تعرضها المصفاة الأردنية”.

ينتقد المسؤول السابق “التأخير غير المبرر في طرح عطاء شركات تسويق المشتقات النفطية التي أوصى بها أحد خبراء البنك الدولي” كما يشدد على “أهمية وضع تشريعات ناظمة لعمل هذه الشركات لتجنب الأخطاء لدى التطبيق”.

مدير المصفاة الأسبق عبد الوهاب الزعبي يجادل بأن انتهاء عقد الامتياز يجب أن يسبقه- كما في الدول المتقدمة- نقاشات ودراسات في العمق قبل سنتين من موعد الاستحقاق.

يلفت الزعبي في هذا السياق إلى استراتيجية سلعة النفط، مؤكداً أهمية “استثمار الوقت، وضمان استمرارية تزويد البلد بالمشتقات النفطية، وانتظام الاستيراد، والتخزين، والتوزيع”.

لكن على أرض الواقع، “لم يتم اتخاذ أي إجراء عملي لغاية الآن”، حسبما يذكّر الزعبي الذي يحذر من “حدوث فوضى في استيراد المشتقات النفطية وتوزيعها وتخزينها”.

على أن الناطق الرسمي لوزارة الطاقة ماهر الشوابكة “يستبعد وقوع مشاكل بعد الامتياز” مع أنه يقرّ بأن “الوزارة لمّا تطرح بعد عطاء استقطاب الشركات الجديدة، كما أنها لم تحدد موعداً لذلك”.

يذكر أن شركة مصفاة البترول خاطبت الحكومات المتعاقبة منذ عام 1996 أكثر من مرة بهدف توسعة مرافقها التي تقدر كلفتها الآن بحوالي 750 مليون دولار. إلا أن الحكومة لم تستجب لتلك المطالب، وظل التأجيل مصير فكرة التوسعة رغم انعكاساتها الإيجابية المتوقعة على الاقتصاد الوطني، ونوعية المشتقات النفطية المقدمة للمواطنين.

خبير نفطي فضل عدم ذكر اسمه يرى أن “خطط تحرير سوق المشتقات النفطية وفقاً لاستراتيجية الطاقة تعتريها تشوهات كثيرة” معتبراً أن “الحكومة لم تأخذ للآن الخطة ككتله واحدة”. ويقول الخبير: “سارت الحكومة في اتجاه واحد بعد أن جزأت الخطة وسرّعت من الإجراءات التي تهدف للتخلي عن الأعباء المالية عن الموازنة وتحميل المواطن كلف الفاتورة النفطية”.

وفي معرض إشارته إلى “تلكؤ واضح في بنود عدة”، يذكر الخبير بأنه “لا يوجد حتى الآن قانون للبترول والمعادن ينظم قطاع النفط في مرحلة ما بعد امتياز المصفاة”. كذلك “لم تطرح عطاءات الشركات التسويقية واللوجستيه” لإدخال لاعبين جدد إلى السوق، وأغفلت تأسيس هيئة تنظم القطاع على شاكلة هيئة تنظيم قطاع الكهرباء وهيئة تنظيم قطاع النقل.

وزارة الطاقة تنفي تلك التهم

يخلص خبراء ومسؤولون سابقون إلى أن واقع قطاع الطاقة لا يحمي المستهلك بهيكليته الحالية من فرض معدلات سعريه غير واقعية، ولا يعكس فعلياً تكاليف الاستيراد التي لم يجر تفعيلها أو تطبيقها، باستثناء اتفاقية تجارية تنوي الحكومة توقيعها مع المصفاة لمدة سنة لحين تنظيم السوق.

استراتيجية «الطاقة»..تشوهات كثيرة وبطء في التنفيذ
 
17-Jan-2008
 
العدد 10