العدد 69 - الملف
 

وفاء عمرو

لن يذهب الرئيس الفلسطيني  محمود عباس إلى القمة العربية في الدوحة بحكومة وحدة وطنية، بعدما فشلت  الفصائل الفلسطينية المتحاورة في القاهرة في التوصل إلى اتفاق ينهي الانقسام الفلسطيني. واستبعد القيادي في حركة فتح، الذي شارك في جلسات الحوار، عزام الأحمد،  قيام مصر بدعوة الفصائل لجلسات جديدة قبل أن تتأكد من حدوث تغيير في مواقف الأطراف يمكن أن يؤدي إلى اتفاق. إن ذهاب الرئيس الفلسطيني إلى قمة الدوحة فيما يستمر الصراع الداخلي، سوف يضعف الموقف الفلسطيني الداعي إلى ضرورة أن يتحمل العرب مسؤولياتهم تجاه الشعب الفلسطيني  ماليا وسياسيا، كما أن الانقسامات والخلافات العربية ستنعكس سلبا على القضية الفلسطينية، ما سيعطى ذريعة للتدخلات الخارجية لدعم هذا الطرف أو ذاك.

حتى الآن لم تحسم بعض الدول العربية مشاركتها في قمة الدوحة أو مستوى تمثيلها فيها، إلا أن الرئيس الفلسطيني أكد لقطر استعداده للمشاركة في القمة على رأس وفد كبير على أمل أن تساهم المصالحات العربية  المرتقبة في معالجة  أكثر من ملف معقد في الساحة العربية ومنها ملف الصراع الفلسطيني الفلسطيني، فالقمة تأتي في ظل وجود العرب والفلسطينيين على مفترق طرق  خطر .

 في السياق، فان التحالف اليميني لمتطرف الذي سيحكم إسرائيل يشكل خطرا  على مستقبل المشروع الوطني  الفلسطيني باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ونيل الاستقلال، وهذا الواقع الجديد في إسرائيل يهدد بانسداد آفاق السلام لسنوات عديدة مقبلة، وسيجد العرب أنفسهم في مواجهة مشكلة التعاطي مع هذه الحكومة التي تضم  أحزابا يمينية متطرفة، مثل حركة» شاس” المتدينة التي حصلت على أربع وزارات مهمة، منها وزارة الداخلية، وحركة» إسرائيل بيتنا «التي يتزعمها اليميني المتشدد  أفيغدور ليبرمان الذي لا يؤمن بأن للولايات المتحدة دورا للتدخل في حل خلافات العرب أو في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يعتبره شأنا داخليا . فكيف يواجه العرب المنقسمون والفلسطينيون المتناحرون حجم التحديات والواقع الجديد في إسرائيل، وماذا يريد الرئيس الفلسطيني من العرب في قمة الدوحة، وهل تختلف هذه القمة عن غيرها من القمم التي لم تأت بتغيير يذكر على حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي. ويعتقد مقربون من الرئيس عباس أن العرب في استطاعتهم  الاستفادة من حماسة الإدارة الأميركية الجديدة لإيجاد صيغة لتحقيق “حلم” الدولتين، وبمقدورهم تقديم المساعدة لرئيس الولايات المتحدة باراك بالعودة إلى استثمار المبادرة العربية  للسلام التي تدعو إلى سلام وتطبيع عربي وإسلامي مع إسرائيل  في مقابل إعادة الأراضي التي احتلتها عام 1967.

ويقول مسؤول فلسطيني رفيع: “سيقوم العرب  بإعادة التأكيد على المبادرة العربية وبمطالبة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالتوقف عن التعامل مع العرب بمكيالين، ومطالبة حكومة اسرائيل بإعلان موافقتها على حل الدولتين  المقبول عربيا ودوليا. وكان عباس قد أعلن أكثر من مرة منذ انتخاب بنيامين نتانياهو وتنصيب ليبرمان  وزيرا للخارجية، بأنه لن يتفاوض مع حكومة إسرائيلية لا تعترف بحل الدولتين.

غير أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التي تسعى إلى تحقيق اختراق في عملية السلام حيث فشلت إدارة سلفه جورج بوش في ذلك طوال ثماني سنوات نصحت الرئيس الفلسطيني بعدم إغلاق الباب أمام التفاوض مع ننتانياهو والتريث إلى حين تشكيل الحكومة وإعلان برنامجها السياسي، وترك الكرة في الملعب الاسرائيلي، كي لا يتحمل مسؤولية عرقلة الحل السياسي.

وبحسب مصادر دبلوماسية غربية فان تشكيل ب حكومة إسرائيلية من المتطرفين تشكل أزمة ليس للعرب فحسب وإنما للإدارة الأميركية والدول التي تسعى لإيجاد صيغة لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وقالت المصادر: “إن واشنطن ستنتظر إلى حين انتهاء ننتانياهو من تشكيل حكومته قبل أن ترسل مبعوثها الخاص جورج ميتشيل لاستيضاح موقفه من السياسة التي سيتبعها مع الفلسطينين ، وبعد ذلك ستقرر الولايات المتحدة والرباعية الدولية الطريق الذي ستنتهجه لدفع عملية السلام«.

ويعتقد الفلسطينيون أن العبء يقع على عاتق الدول الغربية التي رفضت التعامل مع حكومة قد تشارك فيها حركة حماس ، وتطالب الحركة بقبول حل  الدولتين والاعتراف باسرائيل، قبل أن تعترف بشرعيتها.

ويقول رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات، إن الرئيس عباس سوف يؤكد في قمة الدوحة على ضرورة التزام الحكومة الإسرائيلية بوقف الاستيطان الذي يهدد قيام الدولة الفلسطينية وبوقف الإجراءات الإسرائيلية الأحادية التي تفصل القدس عن بقية الضفة الغربية وتغير ملامح الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويعتقد الرئيس الفلسطيني أن انتهاء جولات الحوار الفلسطيني في القاهرة لا يعني الفشل، وبأن الجولات المقبلة سوف تنتهي إلى اتفاق، ولكن كثيرين ممن شاركوا في حوارات القاهرة لا يشاركون عباس تفاؤله، فلم يغلق أي ملف من ملفات الحوار، وما زالت الأمور معقدة، فهناك تصادم أيديولوجيات بين فتح وحماس والخلافات لا تزال عميقة .

وقال عزام الأحمد: “كان واضحا منذ بداية الحوار أنه لن يحدث أي اتفاق في هذه الجولة، فحماس غير جاهزة للتوقيع، ولذلك جرى تأجيل الجلسات»، مشيرا إلى أن تعثر المصالحة العربية – العربية ينعكس على المصالحة الفلسطينية.

ولا يخفي الفلسطينيون  امتعاضهم من دور قطر وإيران وسوريا في تعميق الخلافات  الفلسطينية بدعمها حركة حماس وتشجيعها على تشكيل إطار مواز أو بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي غير ذلك من الشؤون الداخلية، وهذا ما تضمنته لافتات ظهرت مؤخرا على مداخل المدن وفي شوارع مدينة رام الله وبعض المدن الفلسطينية الأخرى ، تطالب إيران بالكف عن التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي.

تباينت التقييمات لنتائج  حوار القاهرة ، فهناك من اتهم حماس بالتصرف كدولة تسعى لإقامة كونفدرالية مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك من خلال حوارها مع بقية فصائل منظمة التحرير، وفي المقابل هناك من رأى أنها خطت خطوات مهمة  باتجاه إنهاء الانقسام.

لم يغلق أي من الملفات التي تمت مناقشتها بالتفصيل ، فلم يتفق بشان النظام الانتخابي الذي س تجري على أساسه الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني المقرر أن تعقد قبل الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير المقبل إذ  تطلب حركة فتح والمستقلون والفصائل الأخرى باعتماد نظام التمثيل النسبي، وحماس تصر على اتباع النظام نفسه الذي جرت الانتخابات السابقة على أساسه.

كما لم يتفق المتحاورون على كيفية إعادة بناء الأجهزة الأمنية ومرجعيتها، وأهم من ذلك كله أنه لم يحصل توافق على البرنامج السياسي  للحكومة الانتقالية التي ستقوم بالتحضير للانتخابات والإشراف على إعادة اعتمار غزة.  وقال مسؤولون فلسطينيون إن الرئيس عباس ابلغ المجتمع الدولي بأنه يريد تشكيل حكومة تنسجم مع  الشرعية الدولية ولا تعيد الحصار على الشعب الفلسطيني.

ويذكر أن الحصار لم يرفع عن الفلسطينيين منذ  تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة القيادي في حماس إسماعيل هنية التي تشكلت بعد اتفاق مكة وأصرت على أن يتضمن مصطلح « احترام” اتفاقات منظمة التحرير وليس الالتزام بها، وهذه إحدى العقبات التي عطلت حوار القاهرة الأخير، حيث  ترفض حماس الالتزام بتلك الاتفاقات وبشروط الرباعية الدولية التي تريد من أية حكومة فلسطينية الاعتراف بإسرائيل.

ويؤكد دبلوماسي غربي أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما  لن تغير مواقفها من حماس ما لم تعترف الأخيرة بهذه الشروط، « لقد أبلغت واشنطن رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان في زيارته الأخيرة بموقفها هذا، وسليمان أبلغ الإدارة الأميركية بان موقف مصر متطابق مع هذا الموقف».

وقد أشارت عدة شخصيات سياسية فصائلية ومستقلة  عادت من حوار القاهرة  إلى ضرورة تشكيل حكومة تكون مقبولة دوليا من أجل الحصول على الدعم المالي من الدول المانحة لإعادة اعتمار غزة، ورفع الحصار الإسرائيلي.

وقال قيس السامرائي عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير  فلسطين: « نحن نطالب بحكومة وحدة تعيد إعمار غزة وتحضر لإجراء انتخابات، ولا بد من درجة معينة من القبول الدولي لتحقيق ذلك ، وليس مطلوبا حكومة ترضخ لشروط الولايات المتحدة «.

من جهته، قال المحلل السياسي المستقل هاني المصري، أحد الذين شاركوا في جلسات الحوار: “ليس بالضرورة تفصيل حكومة فلسطينية على مقاس الشروط الإسرائيلية التي أصبحت شروطا دولية”، وطالب المجتمع الدولي بوضع شروط على إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات بنفس القوة التي تطالب فيها الفلسطينين وحماس بهذه الالتزامات.

وأشار إلى أن حماس قد أظهرت مرونة في حوارات القاهرة، منها ما يخص تشكيل حكومة مختلطة تضم شخصيات مستقلة وفصائلية، كما أبدت مرونة بشأن  احترام التزامات منظمة التحرير  “الهوة لم تعد كما كانت في السابق، ويمكن التوصل إلى اتفاق، «يقول المصري.

ويتساءل بعض المحللين حول إمكان أن يتغير العالم الذي لم يقبل في السابق بياسر عرفات وبشرعية منظمة التحرير إلا بعد اعترافها بدولة إسرائيل بحيث يكون مستعدا للقبول بحماس دون أن تعترف بحق إسرائيل في الوجود.

ويرى هؤلاء أنه إذا ما فشل  الفلسطينيون تماما في التوصل إلى اتفاق في جولات الحوار المقبلة، فان الرئيس عباس سيلجأ إلى تشكيل  حكومة جديدة في الضفة الغربية  ربما تكون من لون واحد أو فصائلية، وبذلك فان الانقسام سيصبح أمرا واقعا، وستكون إسرائيل هي المستفيد الوحيد.

عباس لن يذهب بحكومة وحدة وطنية ظلال على الملف الفلسطيني في القمة: فشل الحوار وحكومة نتنياهو المزمعة
 
26-Mar-2009
 
العدد 69