العدد 69 - أردني
 

عطاف الروضان

«رح نضيع»، كلمة تشابهت في المضمون واختلفت في التفاصيل لدى استقبال المواطنين في محافظات المملكة المختلفة لقرار إطلاق مشروع الأقاليم قبل أسبوعين، وساد حديث فيه الكثير من المبالغة أحياناً، وراجت إشاعات كالعادة في ظل الغموض الذي يلف تفاصيل المشروع التي غابت عن المواطن العادي تماماً.

وبدا الفهم للمشروع مشوباً بالخلط بين ما سيكون وما هو متوقَّع، وترددت عبارة «تفتيت الدولة» وصولاً إلى تهديدات الخيار الأردني بضم إقليم رابع (الضفة الغربية) إلى الأردن. الأمر الذي استدعى نفياً صريحاً وقاطعاً من رئيس الوزراء نادر الذهبي، بداية الأسبوع الجاري.

بعضهم رفضَ فكرة الأقاليم بتفاصيلها الإدارية والسياسية على المستوى الداخلي، بصورة تبدو مناقضة للاهتمام الكبير للرأي العام، والترحيب الواسع لكُتّاب صحفيين ومعلقين سياسيين واقتصاديين، بالمشروع، في الوقت الذي لم يقدم فيه أي منهم شرحاً وافياً لإيصال الجمهور إلى أعتاب فهم تفاصيله بدقة.

مواطنون في السلط انتقدوا التقسيم، وعدّوا ضَمَّ مدينتهم إلى إقليم الوسط (رغدان) المتوقع إنشاؤه ليشمل الزرقاء والبلقاء ومادبا، جائراً بحق مدينتهم.

يقول الخمسيني أبو طارق: «رح يكون هناك عبء مالي كبير علينا، لأننا ضمن إقليم الوسط اللي يضم ثلاث محافظات بعكس الباقي أربع محافظات، وبالتالي ميزانيتنا رح تكون أقل، رغم أنه محتاجين مشاريع كبيرة حتى نستطيع النهوض بالمدينة والإقليم».

أما الجامعي طلال، من المدينة نفسها، فيعيد العبء المتوقع على البلقاء إلى «ضم أربعة مخيمات للاجئين الفلسطينيين (شنلر، البقعة، الطلابية، ومخيم مادبا) إلى الإقليم، حيث تتسم هذه المخيمات بكثافة سكانية عالية».

من جانبه أكد الناطق الإعلامي في وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مطر صقر لـ«ے» أن المخيمات «لا تخضع للتقسيمات الجهوية للحكومة، فلنا تقسيماتنا الخاصة، كنا وما زلنا مسؤولين عن خدمات الوكالة في المخيمات».

كما دار حديث طويل بين عدد من المواطنين، تواجدوا أثناء لقاء «ے» بهم، عن مستقبل الخدمات في مدينتهم والمنطقة، وحظوظها في الخدمات الصحية والتعليمية بخاصة، لتكاليفها العالية.

في الزرقاء، استغرب عدد من أصحاب المحال التجارية في شارع السعادة الرئيس في وسط المدينة التجاري «اختيار مدينة السلط مركزاً للإقليم»، فهي بحسب تعبيرهم، لا تتفوق على مدينتهم بالثقل والنشاط الاقتصادي والصناعي، كما أن عدد سكانها ومساحتها أقل من الزرقاء. مشيرين إلى عدم منطقية عدّ الإقليم متجانساً جغرافياً بوجود محافظة العاصمة التي تفصل الزرقاء عن البلقاء، وغياب شبكة طرق مناسبة بين محافظات الإقليم.

في إقليم الشمال اليرموك (إربد، عجلون، جرش، والمفرق) المفترض إنشاؤه، كانت الآراء متابينة قليلاً، رغم ميل كفة الرفض المسبق لهذا المشروع، مع الأخذ في الحسبان أن تفاصيل المشروع مرة أخرى غير واضحة للجميع.

في محافظة المفرق، انحاز كبار السن إلى الانتظار لكي تظهر النتائج. يقول الستيني أبو صالح (متقاعد عسكري): «خلينا نجرب المشروع أول بعدين نحكم»، ويضيف جاره المزارع أبو محمد: «بلكي صحلنا شي أحسن، بيحكو إنه فيه تخطيط شمولي فيه مصاري للمشاريع التنموية».

في حين تساءلت زوجة أبو محمد: «هينا دمجنا البلديات ما صار مشاكل، ليش عاملينها قصة».

في المقابل، ساق شباب مبررات تبدو، للوهلة الأولى، منطقية للتمهل بدراسة تفاصيل المشروع. يقول مهندس موظف في بلدية المفرق طلب عدم نشر اسمه بسبب تعميم رسمي قديم يمنع الموظفين من الحديث مع وسائل الإعلام: «رح نضيع بإقليم الشمال، لأن المركز إربد، التي تضم كفاءات بشرية مؤهلة أكاديمياً وفنياً. مثلاً أغلب المهندسين في المفرق من إربد، وكذلك المدرسين، وعدد كبير من الأطباء، بالإضافة إلى أن الساسة المتنفذين من أبنائها».

أما أحمد، طالب في جامعة اليرموك، فاكتفى بالقول: «سمعنا حكي كثير.. وما استفدنا شي».

في حين برزت آراء أكثر تطرفاً لرفض المشروع، نابعة من عدم اطلاع نهائي عليه. يتساءل طبيب في وسط البلد في عمّان: «مش فاهم شو الهدف منه، إلا زيادة الحرامية، وتفريخ الفساد، من المركز إلى الأطراف، وستكون العشيرة الأقوى في المنطقة صاحبة الحظ الأوفر بالسلطة والنفوذ، لأن مكانتها ستتعزز بالرجوع إلى القواعد.. سنرجع إلى أيام العشرينيات».

وربما يكون مسألة الردة العشائرية تحمل قدراً من الدقة، إذ اتفق عليها عدد كبير ممن تحدثنت «السجل» معهم.

ففي الوقت الذي يعدّ فيه تعزيز العشائرية سلبيةً قد تشوب المشروع، بنظر المهندس عبادة الخوالدة، من خلال الاحتمال بأن يكون التركيز في توزيع المسؤوليات «على التاريخ العائلي الوزاري وليس على الكفاءة، وإهمال الكفاءات المغمورة التي تنتظر دورها الفعال في إدارة وطنها».

الخوالدة، وهو من الطفيلة (جزء من إقليم مؤتة المتوقع إنشاؤه، بالإضافة إلى الكرك، ومعان والعقبة)، يرى من جهة أخرى أن فكرة الأقاليم جيدة وتطبقها دول متقدمة، ويتوقع أن يحقق المشروع تقدما اقتصاديا وتحفيزا للتنمية بمفهومها الشمولي، باستغلال الميزة التنافسية لكل منطقة بالأردن، متمنياً أن يقضي على البطالة والمشاكل الاقتصادية الأخرى بخاصة في المحافظات، واعتماد التنافس الشريف بين الأقاليم لتطوير الأردن بشكل عام.

موظف حكومي سابق شغل مناصب متقدمة طلب عدم نشر اسمه، علّق قائلاً: «المشروع نَفذ، بس المشكلة لدينا أننا دولة غير ديمقراطية بشكل حقيقي تستطيع تطبيق هذا النموذج الجيد لإدارة الأفراد لأنفسهم، فما زالت تشوب إدارتنا الحكومية المركزية الكثير من العيوب، يجب أن نتخلص منها في البداية حتى نستطيع المباشرة في الأقاليم».

الغموض الذي يلف تفاصيل المشروع على مختلف المستويات الشعبية يعود إلى أن الرأي العام لم يطلع حتى الآن، على النص الرسمي لمشروع لجنة الأقاليم، التي شُكلت في كانون الثاني/ يناير 2005. فلم تُنشر حتى الآن في وسائل الإعلام التفاصيل الكاملة لتصور اللجنة الذي حمل عنوان «مشروع الأقاليم التنموية»، والذي قدمته للملك عبدالله الثاني، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2005، ثم أحيل الملف إلى حكومة عدنان بدران آنذاك.

حكومة نادر الذهبي، قررت بعد اجتماع مع رئيسي مجلسي الأعيان والنواب، عضوَي اللجنة الملكية، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تشكيل «فريق فني متخصص» للنظر في تنفيذ توصيات لجنة الأقاليم، ودراسة تداخلها مع التشريعات النافذة.

بات معلوماً أن اللجنة الملكية بلورت تصوراً يقوم على تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم، وهناك مجالس للأقاليم، كل واحد منها يتشكل بالانتخاب المباشر من مواطني الإقليم، بحيث يخصص لكل محافظة العدد نفسه من المقاعد وهو عشرة. رغم ذلك، فإن التفاصيل الكاملة التي يحتويها المشروع، ما زالت غير معروفة بالكامل، ما يساهم في ازدياد منسوب الإشاعات والأقاويل.

وفي النتيجة، ربما يصبح من الصعب على الحكومة -أي حكومة- التأطير قانونياً وسياساً لصالح المشروع.

لسان حال المواطن حيال مشروع الأقاليم ضحك ولعب وجدّ.. وطاسة ضايعة
 
26-Mar-2009
 
العدد 69