العدد 68 - ثقافي
 

معن البياري

أعلن الاثنين الماضي فوز رواية المصري يوسف زيدان «عزازيل»، بالجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر»، التي تدار بالشراكة مع مؤسسة جائزة بوكر البريطانية، وتمولها «مؤسسة الإمارات»، وهي إحدى مؤسسات النفع الاجتماعي العام في دولة الإمارات. تألفت لجنة تحكيم الجائزة، من الناقدة اللبنانية يمنى العيد، رئيسة، والناقد الأردني فخري صالح، والباحث المصري رشيد العناني، والكاتب الإماراتي محمد المر، والمستعرب الألماني هارتموت فندريش. تم في الحفل الذي أقيم في أبو ظبي تكريم أصحاب الروايات الست التي فازت في الوصول إلى اللائحة القصيرة، وهم الأردني إبراهيم نصر الله «زمن الخيول البيضاء» التونسي الحبيب السالمي«روائح ماري كلير»، المصري محمد البساطي «جوع» السوري فواز حداد «المترجم الخائن»، العراقية أنعام كجة جي «الحفيدة الأميركية»، ويوسف زيدان «عزازيل»، ويكافأ كل منهم بعشرة آلاف دولار أميركي، إضافة إلى 50 ألف دولار للفائز بالجائزة الأولى.

وكان تم الإعلان عن هذه الروايات في لندن في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أيام من إعلان «القائمة الطويلة» التي تتضمن 16 رواية، حيث تم الكشف عن أسماء أعضاء لجنة التحكيم التي يتم الحفاظ على سريتها إلى حين إشهارها بياناً عن هذه الروايات التي تم اختيارها من بين 121 رواية، قام بترشيحها ناشروها (بموجب نظام الجائزة)، من 16 دولة عربية.

قالت يمنى العيد، في بيان في الحفل، إن عمل لجنة التحكيم «اتسم بقدرة لافتة على التفاهم، انطلاقاً من وجهات نظر نقدية مختلفة سعت إلى التعمق والإنصاف»، وأوضحت أن عملية الاختيار لم تكن سهلة، نظراً لما تتمتع به أعمال «القائمة القصيرة» من تميز، بحسب تعبيرها. وشدّدت على أن عمل اللجنة كان ينصب على النصوص الروائية من دون أي نظر إلى أسماء كتابها ومكانتهم وشهرتهم وبلدانهم ومواقعهم، وأن اختيار «عزازيل» للفوز تم بالإجماع الكامل من جانب أعضاء اللجنة.

صدرت رواية يوسف زيدان عن دار الشروق المصرية في 2008، ووصلت إلى طبعة سابعة في أقل من عام، وصنّفت في الأثناء بأنها الأكثر مبيعاً في مصر. وحظيت بالمرتبة الأولى في تصويت قراء على موقع إلكتروني عشية فوزها، وأثارت اهتماماً واسعاً من النقاد، وقد أغضبت أوساطاً واسعة في الكنيسة القبطية، ورجال دين مسيحيين. وهي ذات أدبية عالية، وعذوبة وحيوية في السرد الكلاسيكي الذي يعبّر من خلاله بطل الرواية الرئيس الراهب هيبا في انتقالاته ومشاهداته، وتصوراته بشأن الوجود والحب والمرأة، عن مطالعاته ونقاشاته، أحزانه وتوتراته ومعايناته للتعصب والقتل. وتشير الرواية إلى وقائع حدثت في تاريخ الكنيسة الشرقية، في مصر وغيرها، من خلال هجرة هيبا من جنوب مصر إلى الإسكندرية، حيث شهد مصرع الفيلسوفة إيباتا، ثم إلى القدس فشمال سورية، وصولاً إلى مناطق في تركيا. وذلك في مرحلة دقيقة من تاريخ المسيحية في القرن الخامس الميلادي، شهدت نقاشات وخلافات واسعة بين المسيحيين الأوائل. وتنبني الرواية على صيغة مدوّنات أو مذكرات لهذا الراهب، وتحفل بتفاصيل ثريّة معبرة عن روح العالم القديم وطرائق حياته، وإلى ذلك وغيره، تنشغل بالعلاقات الإنسانية وبعلاقات الراهب بالمرأة، وبدواخله أيضاً حين يقع في الحب، ويمارس الجنس، والعشق، وهو الراهب المتبتل.

ومن أهم ميزات «عزازيل» التي استحقت الفوز بجائزة «بوكر» أن معمارها محكم، ومساحات التخييل بين حقائق الحوادث التي تفصلنا عنها ألف وخمسمائة عام واسعة، حيث المزاوجة البالغة التوفيق بين التاريخي المدوّن والمعروف لدى المتخصصين والخيالي الشخصي الفني. وفي الوسع وصفها بأنها رواية تفيد من التاريخ ومن المعرفة، وتؤكد مجدداً على وجوب الثقافة العالية لدى من يبادر إلى إنجاز رواية تضيف جديداً ومختلفاً. وهي رواية تدعو إلى التسامح، ونبذ التطرف، والتعصب، وإلى التعايش مع الاختلاف، ولعل هذه القيم من أحوج ما يعوزه حالنا السياسي والاجتماعي العربي الراهن.

وكان الأسقف بيشوي، سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية، صرّح في وقت سابق أن زيدان «يريد هدم العقيدة المسيحية الحقيقية، ويتدخل في الأمور المسيحية الداخلية». وفي أجواء جدل حادة بشأنها، في أوساط كنسية ودينية واسعة، في مصر خصوصاً، شاع أن الكنيسة القبطية حاولت السعي إلى منع «عزازيل»، الأمر الذي كان من الصعب قبوله، بالنظر إلى الطبيعة التخييلية لهذه الرواية المبتكرة والشجاعة، التي تتصف بقيمة فنية عالية. وكان زيدان، وهو أكاديمي في التصوف والفلسفة الإسلامية، ويعمل باحثاً في مكتبة الإسكندرية، قد اعتبر أن روايته «تخلخل أو تهز الارتباط الضروري بين السلطتين الروحية والزمنية»، وصرّح بأن «هناك بنية واحدة للعنف الديني قابلة للتكرار، عندما تتوافر الظروف الموضوعية لإبرازها، فما كان في الإسكندرية في العام 391 ميلادية عندما أصبحت المسيحية دين الدولة هو مقلوب ما يحدث في مصر الآن».

وفي مؤتمر صحفي أعقب حفل إعلان الفوز بجائزة «بوكر»، قالت يمنى العيد إن لجنة التحكيم «لم تنظر أبداً إلى ما يمكن أن يتجدّد من ضجيج حول «عزازيل»، قد يثيره رجال دين مسيحيون، عندما اختارتها للفوز»، فالرواية استخدمت أسلوباً سردياً كلاسيكياً استطاعت أن تأتي به إلى العصر، وبعدم انصرافها إلى التجريب الشكلاني، ولأسباب أخرى أيضاً، استحقت فوزها بجدارة. وكشف زيدان في المؤتمر الصحفي أنه يعكف حالياً على كتابة رواية عن الأنباط القدامى في جنوب الأردن، ويستعد للقدوم إلى هذه المنطقة والإقامة في معان بعض الوقت، للإفادة من أجواء خاصة ربما يستوحيها في الأثناء لكتابة عمله الروائي الجديد.

زيدان يعكف على رواية عن الأنباط في جنوب الأردن “عزازيل” أغضبت الكنيسة القبطية وفازت بـ“بوكر”
 
19-Mar-2009
 
العدد 68