العدد 69 - أردني
 

دلال سلامة

لم يكن الدرج هو العائق الوحيد أمام سيف إبراهيم (29 عاما) وبين الوظيفة، فهناك عائق آخر يتمثل في أصحاب العمل الذين يبحثون عن «شخص طبيعي».

سيف المقعد على كرسي متحرك تعلم صناعة النحاسيات، وهي مهنة على حد قوله «رائجة وتوفر فرص عمل جيدة». لكن الوصول إلى معظم المشاغل يتم عن طريق درج، ولم تكن المداخل مهيأة لكرسي متحرك ، وحتى أماكن العمل التي لم يصادف فيها هذه الصعوبة كان يتعرض فيها للرفض « السبب هو أن أصحاب المشاغل يعرفون أنه لاكتساب المهارة المطلوبة، فإن المعوق يحتاج إلى وقت أطول، لهذا فهم لا يرغبون في بذل جهد زائد».

سيف الذي يعمل حالياً في وظيفة كتابية متواضعة في مكتب للعلاقات العامة، نموذج لكثيرين غيره من كانوا ضحايا مرتين. مرة لإعاقاتهم ، ومرة لمجتمع ما زال عاجزا عن تقبلهم باعتبارهم جزءا طبيعيا من المجتمع، وإن كان مختلفاً.

الرفض لا يواجهه فقط من يحملون تأهيلا حرفيا كسيف، بل إن جامعيا كمعتز الجنيدي (32 عاما) أمضى سنة كاملة بعد تخرجه يبحث عن عمل، متعرضا للرفض في كل مرة بسبب إعاقته . معتز يروي كيف أن إحدى المستشفيات الكبرى الخاصة في عمان، أعلن عن شاغر لمحاسب، وعندما اتصل بالمسؤول أجرى معه على التلفون مقابلة ثم طلب منه الحضور لأن « فرصتي كبيرة، وعندما ذهبت وفوجئوا أنني مقعد رفضوا حتى أن أقدم طلبا وأنكروا وجود شاغر، قلت لهم إني بالأمس تحدثت إلى المسؤول، فقالوا إن مهام الوظيفة أسندت إلى موظف من المستشفى نفسه».

معتز لم ينل فرصته الأولى إلا بسبب وضعه المميز كرياضي، فهو حائز على البرونزية في رفع الأثقال في دورة الألعاب الأولمبية في بكين العام الماضي. بناء على إنجازاته، وفي حفل تكريم أقامته شركة تجارية كبرى لذوي الاحتياجات الخاصة، طلب الأمير رعد من مدير الشركة تعيينه، فتم ذلك «كان من الواضح أن التعيين تم على طريقة التخجيل، دفعوا لي راتبا جيدا لكنهم لم يقوموا في الشركة بتكليفي بمهام حقيقية، لم أقبل بالوضع وبدأت العمل الجاد واستطعت خلال سنة تحقيق إنجاز، حيث خفضت الذمم المالية للشركة من أربعة ملايين إلى مليون ونصف المليون».

هناك تفاوت في الأرقام التي تحدد أعداد ذوي الاحتياجات الخاصة في الأردن، ففي حين حدد تعداد السكان للعام 2004 نسبة الإعاقة في المملكة بـ 1.23 في المئة، فإن إحصائيات البنك الدولي تذكر أن النسبة تقع بين 5 و7 في المئة، ما يعني أن العدد يصل إلى 170 ألف من هذه الفئة. وهو عدد كبير يرتب مسؤوليات هائلة على الجهات التي تتولى شؤونهم في المملكة، وهي وزارة التنمية الاجتماعية والمجلس الأعلى لشؤون «المعوقين» الذي أنشئ العام 2007، بعد مصادقة الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي أقر بعدها قانون حقوق هؤلاء الأشخاص الذي صدر العام 2007، وكان واحدا من أهم أهدافه منحهم فرصا متكافئة مع غيرهم ،كما هي الحال في قوانين كثيرة، «القانون جيد، لكنه غير مفعّل» هذا ما يقوله عضو الهيئة الإدارية لنادي المستقبل لذوي الاحتياجات الخاصةعماد عاصي.

القانون ينص على إلزام المؤسسات العامة والخاصة التي يتراوح عدد موظفيها بين 25 و50 شخصا، على توظيف ما لا يقل عن واحد منهم، أماالتي يزيد عدد موظفيها على 50 موظفاً، فهي ملزمة بتعيين ما لا يقل عن 4 في المئة من عدد الموظفين.

القانون يلزم هذه المؤسسات بدفع غرامة في حال ثبت امتناعها عن التعيين، وهي دفع ضعف الأجرة الشهرية للحد الأدنى من المطلوب توظيفهم، وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة.

عاصي يقول إن القانون وضع شروطاً لعملية التوظيف بأن «تسمح طبيعة العمل في المؤسسة بذلك» وهو حق لصاحب العمل، لكن الخلل في رأيه يكمن في أنه لم تحدد جهة محايدة لتقوم بالفصل بين صاحب العمل وطالب التوظيف، لتحكم إن كان الرفض بناء على «عدم المناسبة حقيقة لطبيعة العمل في المؤسسة»، أم يرجع لمزاجية صاحب العمل، الذي لا يريد بذل مجهود إضافي مع هذا الموظف.

ليلى الفاعوري، مديرة الجمعية الوطنية لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي جمعية تعمل منذ 12 عاما في مجال تأهيلهم ، قامت مؤخرا بمشروع رائد، وهو إقامة دورة تدريبية ميدانية لعدد من أصحاب الإعاقات الحركية والإعاقات العقلية الخفيفة بالتعاون مع أحد المراكز التجارية الكبرى في عمان،عملت خلالها على تدريب المجموعة على إنجاز أعمال بسيطة مثل جمع سلال المشتريات ومسح الرفوف والأرضيات. كان الاتفاق مع «المول» أن يتم تعيين واحد على الأقل من المجموعة، والراتب المطروح كان 50 ديناراً لا غير، لكن المركز لم يلتزم بالوعد «أصحاب العمل يخافون من حدوث إصابات ولا يريدون تحمل المسؤولية»، تقول الفاعوري.

مسؤولية أصحاب العمل تجاه المجتمع، أمر يؤكد عليه الجنيدي الذي يشير إلى أن أصحاب العمل «لا يرغبون في بذل جهد إضافي لتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة، ولا في تحمل كلفة إحداث تغييرات في بيئة العمل لتناسب خصوصية هذا الموظف «يجب أن يعرف أصحاب العمل أن حقهم في تحقيق مكاسب مالية من وراء مشاريعهم ، يجب أن يترافق مع تحمل مسؤوليتهم تجاه المجتمع».

ولكن لأصحاب العمل تحفظات أخرى على تعيين ذوي الاحتياجات الخاصة، بحسب محمد حرز الله الذي يحمل دكتوراه في التربية الخاصة وهو نفسه معوق، هو يعتقد أن المشكلة تكمن في جهل أصحاب العمل بقدرات المعوقين، وتصوراتهم المسبقة عنهم بصفتهم فئة عاجزة، وهي صورة تكرسها عوامل منها «انخفاض مستوى التأهيل لدى كثير من المعوقين، وهذا يدفع حتى من يقبل بتوظيف معوق إلى منحه أجرا أقل من غيره».

انخفاض مستوى التأهيل هو أبرز المعيقات التي تواجه المعاقين، فالإحصائيات تقول إن نسبة من هم دون الثانوية العامة 78.2 في المئة، أما المؤهلون أكاديمياً، فلا يتجاوزون 5.9 في المئة من المجموع الكلي للمعوقين.

بحسب ديوان الخدمة المدنية، فإن في الديوان 1169 طلب توظيف لمعوقين يحملون شهادات تتراوح بين الدبلوم والدكتوراه، وقد عين منهم في العام 2008 154 شخصا فقط.

انخفاض التأهيل يعود إلى عوامل منها عدم جهوزية المدارس الحكومية للتعامل مع أصحاب الإعاقات إضافة إلى ارتفاع كلفة الدراسة في المراكز الخاصة، التي لا تقل عن 50 دينار في الشهر، وهو مبلغ يشكل عبئا على الأسر عادية الدخل.

أحمد الحطاب (20 عاما) نموذج على ذلك، فأحمد الذي يعاني من إعاقة في أطرافه السفلى، درس إلى الصف الثامن في مركز خاص في المفرق، ولكن المركز تحول بعدها إلى تقديم العلاج الطبيعي «ذهبت للتسجيل في مدرسة حكومية مجاورة لمنزلي ولكن المدير قال إنه غير مستعد لإنزال الصفوف من الطوابق العليا من أجلي، لهذا درست إلى الأول الثانوي دراسة منزلية، وفي التوجيهي كانت الإدارة قد تغيرت وقبل المدير الجديد أن يجعل صفي في الطابق الأرضي».

عايدة مديرة مدرسة حكومية، امتنعت عن ذكر اسمها الأخير، اعترفت بأنها رفضت قبول طالبة مصابة بشلل دماغي في الصف الخامس، وقد بررت ذلك بأنه ابتعاد عن «وجع الراس» عايدة تقول إن حركة الطالبة صعبة وفي هذه السن هي معرضة للسقوط والإصابة «أي أنني سأكون على أعصابي، فإصابات الطلاب داخل المدرسة يتحمل المدير مسؤوليتها.»

ولكن عايدة تعترف مع ذلك بأن والدي الطالبة لو توجها إلى مسؤولين أعلى منها فإنها كانت ستضطر للقبول.

«نريد أن نقود أنفسنا بأنفسنا» هذا ما يشدد عليه الجنيدي وغيره من المعوقين الذين يطالبون بنسبة تمثيل أكبر للمعوقين في الجهات التي تمثلهم، ومنها المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين.

تشغيل ذوي الاحتياجات الخاصة القانون يأخذ باليسرى ما يمنحه باليد اليمنى
 
26-Mar-2009
 
العدد 69