العدد 69 - بلا حدود
 

إذاعة معان الجديدة «صوت الجنوب» أول تجربة من نوعها في الأردن في مجال الإعلام التنموي الموجه نحو المجتمع المحلي، انطلقت مبادرتها من جامعة الحسين بن طلال، إسهاماً في تحقيق دور الجامعة التنموي والتنويري. بدأت البث على الموجة القصيرة 90.3 FM، في العام 2007، وتغطي معظم مناطق محافظة معان، والطريق الصحراوي على مسافة تمتد إلى ما يزيد على مئة كيلومتر. تقدم الإذاعة التي تتخذ من «المعرفة قوة» شعاراً لها، باقة متنوعة من البرامج الهادفة لخدمة العملية التنموية، وخلق ثقافة صديقة للتنمية في أوساط الشبان والشابات. للتعريف بهذه التجربة وأهدافها، حاورت «السّجل» مدير مركز الدراسات وتنمية المجتمع باسم الطويسي الذي يشرف على عمل الإذاعة، وشاركت في الحوار، مسؤولتان في الإذاعة هما: فرح أبو هلالة، وساهرة أبو طه

"السّجل»: من أين جاءت فكرة إنشاء الإذاعة؟.

- باسم: انطلقت فكرة الإذاعة العام 2004، حيث أعددت إطاراً للمشروع وطرحته على رئاسة الجامعة التي رحّبت به، لكن نقص الموارد لم يسمح بتنفيذه. لاحقاً تقدمت بطلب إلى المركز الثقافي البريطاني بعمّان لتمويل المشروع، و«فوجئت» بعد أشهر بنيل الموافقة، فقمت بإعداد الدراسات التفصيلية اللازمة للبدء بالمشروع. في العام 2006، انتهينا من إعداد البنية التحتية، ونلنا الترخيص. بدأت الإذاعة ببث برامجها كأول إذاعة مجتمعية تنموية في المملكة في آذار/مارس 2007. التمويل البريطاني الذي حصلنا عليه، وفّر لنا المعدات والتجهيزات وجانباً من التدريب داخل الأردن وخارجه. والآن تعتمد الإذاعة على ما تقدمه لها الجامعة من مخصصات، إضافة إلى إيرادات تتأتى من بعض الحملات الترويجية، لكن ليس لدينا إعلانات تجارية.

«السّجل»: ما هو وضع الإذاعة ونطاق التغطية؟.

- ساهرة: تبث الإذاعة على الموجة القصيرة 90.3 FM، وهي توفر التغطية لحوالي 43 تجمعاً سكانياً في محافظة معان التي تمتد على 37 بالمئة من مساحة المملكة. كما تغطي مسافة 130 كيلومتراً على الطريق الصحراوي، وذلك لأن السائقين هم أكثر الناس استماعاً للإذاعات. نبث على مدار الساعة، لكن البرامج الحيوية تبدأ من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر، ويتم إشغال الفترة اللاحقة ببرامج مسجلة ومنوّعات. العاملون في الإذاعة ثلاث فئات؛ خمسة موظفين في الجامعة، و10 -15 متطوعاً من المجتمع المحلي، ومنهم أصحاب خبرة. إضافة إلى 15 متطوعاً من طلبة الجامعة يتم اختيارهم سنوياً بصرف النظر عن دراستهم.

«السّجل»: ما الرؤية التي حكمت عمل الإذاعة؟.

- باسم: انطلقت الإذاعة من الحاجة إلى خلق ثقافة جديدة صديقة للتنمية، وتحمل اتجاهات إيجابية نحو التغيير في محافظة معان وجنوب المملكة. لقد عانت المجتمعات المحلية في المحافظة من العزلة، ومن ضعف قدرتها على إيصال مطالبها ومواقفها إلى أصحاب القرار، ما خلق فجوة تحولت أحياناً إلى حالة من عدم الثقة، وإلى ميل لحل المشاكل بالعنف. لذلك تولدت القناعة بأن أفضل وأسهل وسائل التجسير، هي استخدام نموذج الإذاعات المجتمعية التنموية. ضمن هذا المنظور، توفر الإذاعة للمجتمع المحلي فرصاً للتعبير وحل المشاكل، من خلال المعرفة وتراكمها لدى الأفراد، كما تتيح للأفراد خيارات أوسع تمكنهم من متابعة مطالبهم مع الجهات المعنية. وتعدّ الإذاعة إلى جانب كونها أداة للتعبير، أداة للرقابة المحلية، وأداة لنقل الأفكار الجديدة، ما يجعل منها أداة للتغيير الاجتماعي الثقافي.

«السّجل»: هل هناك توجهات خاصة بالمرأة؟.

- فرح: بيّنت دراسات نفّذها مركز الدراسات في جامعة الحسين بن طلال، أن تحسين مكانة المرأة في التنمية يتطلب بناء وعي جديد عند النساء، وتقديم إسناد سريع لهن. للمرأة حضورها في برامج الإذاعة، التي يتعاطى قسم منها مع المرأة في نطاق العلاقات الأسرية، لكن هناك أيضاً برامج موجهة خصيصاً للمرأة، من بينها نشرة إخبارية تتميز بربط النساء في المحافظة، مع الاهتمامات النسوية على مستوى المملكة والعالم. وفي مناسبات كالانتخابات البلدية والنيابية، يتم تخصيص وقت محدد لهن للدعاية الانتخابية. كذلك أوجدت الإذاعة «شبكة الاتصال التنموي النسوي» التي تستند إلى وجود 17 مراسلة للإذاعة، يتوزعن على مناطق المحافظة، ويقمن بنقل الأنشطة المحلية، أو بنقل رأي المجتمع النسوي المحلي تجاه قضايا معينة. ويسهم نشاط الشبكة في تنمية الوعي بالذات لدى النساء. وتتقاضى المراسلات مكافأة مالية شهرية.

«السّجل»: ما هي أهداف الإذاعة ومنطلقاتها؟.

- باسم: الهدف العام للإذاعة هو تمكين الشباب في محافظة معان، عبر الإعلام والاتصال الجماهيري من التفاعل والمشاركة الإيجابية في العمليات التنموية، ضمن أولويات المجتمع المحلي في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. تتم ترجمة هذا الهدف من خلال تفعيل دور جامعة الحسين بن طلال التنموي، والمساهمة في نشر ثقافة صديقة للتنمية والتغيير والتحديث، وتعميق ربط المحافظة بالمضامين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية على صعيد المملكة، وتعريف الشباب والمجتمع المحلي بالفرص المتاحة وتنمية روح المبادرة، وتزويد المجتمع المحلي بالمعلومات التي تساعده في التعبير عن ذاته وحل مشاكله.

«السّجل»: ما أنماط البرامج التي تقدمونها؟.

- ساهرة: تقدم الإذاعة سلسلة من البرامج التفاعلية والمعرفية والقانونية والرياضية والتنموية والتاريخية والمنوّعات، ومعظم هذه البرامج من إنتاج الإذاعة. ومن مسميات البرامج التي تبثها الإذاعة: يا صباح الخير، صوت الناس، إلى أسرتي، هذا حقّي، نقطة نظام، الجامعة والمجتمع، تعاليل، عينك على الطريق، النشرات الإخبارية، وغيرها. ويتم التخطيط للبرامج استناداً إلى ما يعكس أهداف الإذاعة ورؤيتها لدورها المجتمعي. في البداية تم اعتماد فكرة الدورة البرنامجية، لكن تم الانتقال لاحقاً إلى التخطيط المفتوح، أي الانطلاق من أهداف تترجم على شكل برامج، فيترك لها فرصة للتفاعل مع الجمهور، فإذا نالت التأييد نستمر بها، وإلا نوقفها.

«السّجل»: ما القيم التي تسعى الإذاعة للإعلاء من شأنها؟.

- باسم: تنطلق القيم والاتجاهات المرغوبة من أهداف الإذاعة، وهذا يتطلب جهداً لعكس هذه القيم في المضمون الإعلامي. أولى هذه القيم هي الخصوصية الإيجابية، ومعناها أن نبني قيمة واتجاهاً لدى الأفراد بقيمة ثقافتهم المحلية، وأن نعظّم البؤر المضيئة في هذه الثقافة، ونتخذها منطلقاً للتغيير وجلب مكونات ثقافية جديدة. وهناك التنوع المبدع، ويركز على تعريف الناس بأهمية التعدد والتنوع، وبكونه قوة ثرية تدفع إلى الأمام. وثالثاً، المعرفة قوة، وهو شعار الإذاعة، وتعالج هذه القيمة مسألة علاقة الناس مع الاحتجاجات، أي أنه يمكن التعبير عن مطالبنا وحل مشاكلنا من خلال المعرفة، وليس من خلال العنف. وتتطلع الإذاعة إلى تنمية المواطنة من خلال تحويل الانتماء الوطني إلى قيمة إيجابية في سلوك الشباب. وتركزالإذاعة بعض برامجها على قيمة التعدد والتسامح، وتوظيف التراث الذي يشجع على الابتعاد عن الانغلاق والتعصب.

«السّجل»: ما دور الإذاعة في علاقة الجمهور مع السلطات؟.

- فرح: تمارس الإذاعة دورها كصلة وصل بين المواطن والمسؤول، وبخاصة في البلديات، من خلال البرامج التفاعلية. هناك تنوع في المعالجات التي تتناول قضايا الخدمات، إذ يتم الاتصال مباشرة مع رئيس البلدية أو الجهة المعنية لنقل الشكاوى وحلها، كما يوفر برنامج «صوت الناس» الصباحي اليومي، فرصة متابعة الشكاوى، إضافة إلى إجراء اتصالات مع العاصمة إذا لزم الأمر. ونستطيع التعرف على نجاعة الرقابة على أداء المؤسسات المحلية، من خلال الرصد الذي يقوم به مركز الدراسات. ففي العام 2008، بيّنت دراسة أن ما معدله 52 مشكلة صغيرة ومتوسطة يتم حلّها شهرياً من خلال الإذاعة. ويتلقى برنامج «صوت الناس» يومياً ما معدله 15 اتصالاً على مستوى المحافظة.

«السّجل»: كيف تقيّمون نتائج جهدكم الإذاعي؟

- باسم: نفرّق في الإعلام بين التأثير وبين رجع الصدى والتفاعل. فالأخير يمكن قياسه في المدى القصير، بينما قياس التأثير بحاجة إلى فترة طويلة لا تقل عن خمس سنوات. ونحن نقوم برصد جيد لموضوع التفاعل في ما يخص البرامج التفاعلية، ونوثق ذلك بدقة. ونلاحظ من خلال ردود فعل الناس، أن الإذاعة نجحت في بناء الثقة مع الجمهور المحلي، وباتت تمتلك سلطة معنوية حيث يحترمها المواطن والمسؤول. هناك سيدة جاءتنا من مسافة 140 كيلومتراً لتقديم شكوى، وعرضنا مشكلتها على المحافظ فتكفل بحلها.

إذاعة معان “صوت الجنوب”: إعلام محلي يخدم التغيير الاجتماعي الثقافي
 
26-Mar-2009
 
العدد 69