العدد 67 - دولي
 

ستيفن غلين

قبل أسبوعين، هاتفت تشاس فريمان، وهو صديق لي، وسالته عما إن كان مستعدا لقراءة مسودة فصل أقوم بكتابته الآن حول الكيفية التي أصبحت فيها السياسة الخارجية الأميركية “معسكرة” منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد وافق بلباقة، ودردشنا لفترة حول زيارته الأخيرة إلى غوانزو، وهي مدينة صينية ساحلية معروفة بإنتاجيتها الصناعية والاستهلاكية. وبوصفه دبلوماسيا في آسيا ومتحدثا طلقا باللغة الصينية – كان مترجما للرئيس ريتشارد نكسون خلال زيارته التاريخية للصين العام 1972 – يعرف تشاس البلد جيدا وكنت متشوقا لسماع أفكاره حول موضوعي.

يركز الفصل على معضلة “خبراء الشؤون الصينية” الأميركيين في الأربعينيات – من الدبلوماسيين الشبان الذين كانت مرجعيتهم وزار الخارجية حول الصراع بين الحزب القومي بقيادة تشيانغ كاي تشك والشيوعيين بقيادة ماو تسي تونغ. فهم كتبوا برقيات لواشنطن عن فساد تشيانغ وعدم شعبيته، وقالوا إن الولايات المتحدة سوف تفعل خيرا إن تركته لمصيره وتعاملت مع ماو، رغم ماركسيته، فهو يمتلك سمعة طيبة بين الناس، كما أنه لم يكن دمية سوفييتة. كانت تلك نصيحة حكيمة؛ فقد تفوق الشيوعيون بسهولة على القوميين، ومع حلول العام 1950 قاطعتهم الحكومة الأميركية وتحالفوا مع موسكو. لكن خبراء الشؤون الصينية – الذين يتحدثون الصينية جميعا، وهم رجال عرفوا الصين عن قرب أكثر من كثير من الصينيين – لم يتم تجاهلهم فقط، بل تم تدميرهم على أيدي تحالف من السياسيين وبارونات الإعلام وجماعات مسيحية كانت تدعم تشيانغ كاي تشيك بحماس بوصفها مسيحية ومعادلة للشيوعية. وقد سيطر لوبي الصين، كما يعرف، على سياسة أميركا تجاه شرق آسيا حتى مجيء ريتشارد نكسون، الذي كان عضوا في المجموعة، والذي أقام علاقات دبلوماسية مع بيجين. ولو أن الرئيس هاري ترومان قاوم ضغوط اللوبي وأقام علاقات مع ماو، كما يوافق العديد من المؤرخين، لكانت الحرب الباردة أقصر بكثير وأقل عنفا بما لا يقاس. ولكان من غير المحتمل، مثلا، أن تتدخل الولايات المتحدة في فييتنام. بعد مكالمتنا بأيام، نشر خبر بأن تشاس رشح ليكون رئيسا للمجلس القومي للمخابرات، وهو مجموعة تضم عددا من الهيئات التي تضع تقييمات للرئيس ومسؤولين كبارا آخرين. كان ذلك خيارا ملهما؛ فبالإضافة إلى مؤهلاته الأسيوية، يعرف تشاس، الذي كان سفيرا في السعودية، الشرق الأوسط معرفة جيدة أيضا. كما يعرف تشاس بتقييماته غير المجاملة وبديهته الجارحة، وبخلاف الأرانب المذعورة في واشنطن، فإنه انتقد علنا احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ونفوذ اللوبي الإسرائيلي في سياسة أميركا الشرق أوسطية. ومما يحسب له، أن مدير المخابرات القومية دنيس بلير قال إنه اختار تشاس بسبب موافقته على إثارة المشاكل، وليس برغم ذلك. وامتدح تشاس على “عقليته الإبداعية” وخبرته الميدانية في منطقتين، ما سيكون له أثر كبير على الشؤون الدولية للجيل القادم.

أنا شخصيا، دعمت تعيين تشاس بوصف ذلك علامة على أن إدارة أوباما كانت أكثر اهتماما بالتحليل الذهني للعالم كما هو – وبخاصة في الشرق الأوسط – أكثر من الربط غير السليم بين أجزائه، كما هو سائد في واشنطن. كنت مدركا أن تشاس قد استعدى أناسا ذوي نفوذ بدفاعه عن الحقوق الفلسطينية، ولكنني افترضت أنه في مأمن، بخاصة وأن الموقع لم يتطلب تثبيتا كان يمكن أن يكون صاخبا من جانب مجلس الشيوخ ويمكن أن يلحق ضررا بالبيت الأبيض على جبهات أخرى. فإذا ما أثار الليكوديون في الكونغرس أي ضجة، فما على أوباما سوى تجاهلهم.

ومثل بلير، كنت ساذجا، فما لبثت السكاكين أن جردت، أما المدافع الكبيرة، وتحديدا، لجنة الشؤون السياسية الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، فقد انتحت جانبا في العلن. وكان أحد المدونين، واسمه ستيف روزن بين أوائل من قرعوا جرس الإنذار، إذا عزا لتشاس بعض الملاحظات التي تم

تحريرها بحيث قرئت وكأنها اعتذار عن المذبحة التي انتهت بها مظاهرات الطلبة في ساحة تيان آن مين في بيجين عام 1989 . )وفي السياق نفسه، لم يتضمن هجوم روزن أي إشارة إلى أن إسرائيل هي أحد أهم مصدري الأسلحة إلى الصين، التي تستخدم لضمان البيروقراطية في بيجين).

وفي الحديث عن السياق، فإن حقيقة أن روزن كان مسؤولا في (إيباك) ومتهما بتسريب معلومات استخبارية أميركية لإسرائيل، في انتهاك لقانون الجاسوسية هي كل ما يحتاج المرء له لمعرفة الكيفية التي يمكن أن تكون عليها الشؤون الأميركية الإسرائيلية من انحراف. إن إعطاء صدقية لشخص مثل روزن يشبه الإصغاء لجاسوس محتمل من لجنة العمل السياسي العربية الأميركية يتهم فيها رام إمانويل، كبير موظفي أوباما، بالولاء المزدوج لأن هناك تقارير تشير إلى أنه يحمل جنسية مزدوجة مع إسرائيل.

وفي الواقع أن إيمانويل هو الذي حملة عبء غضب الكونغرس على تعيين تشاس. وزاره، إلى جانب مشرعين آخرين، ممثل عن الحزب الديمقراطي يدعى ستيف إسرائيل – كما لو لم تكن كل هذه القصة ملونة بالمفارقة – وهو الشخص الذي أبلغ صحيفة واشنطن بوست في العاشر من آذار/مارس أن دفاع بلير عن تشاس كان “غير قابل للدفاع عنه”. وهكذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، فقد أبلغ سياسي اعتاد التردد على الوسط السياسي في واشنطن من دائرة نيويورك الثانية، الرئيس السابق لقيادة المحيط الهادي الأميركية، كان قاد مجموعة مقاتلة على جانبي المحيط الهادي وخدم في مجلس الأمن القومي، بما هو الأفضل بالنسبة للأمن الأميركي. (بقي البيت الأبيض بعيدا عن القضية؛ وبحسب واشنطن بوست، فإن بلير أبلغ بأنه سيخوض المعركة وحيدا). في العام 1950 ، رد الصحفي والمتخصص في الشؤون الصينية، أوين لاتيمور على اتهامات وجهت له من جانب السناتور جو ماكارثي، بأنه كان جاسوسا شيوعيا رفيع المستوى بقوله: أقول لكم أيها السادة، إن الطريقة الأكيدة لتدمير حرية القول والتعبير عن الأفكار، هو ربط تلك الحرية بعقوبة الإساءة والتشهير. فإذا لم يستطع المسؤولون في حكومتنا أن يستشيروا الناس في شأن آراء متضاربة من دون أن يعرضوا أنفسهم لهجوم شبيه بهجوم السناتور مكارثي على المسؤولين في وزارة الخارجية، فإن سياسة حكومتنا ستكون حتما عقيمة. فمن تعدد الآراء التي يتم التعبير عنها بحرية تامة والتي يمكن الدفاع عنها بقوة، تصاغ السياسة الحكيمة. ومن يساهم في تدمير هذه العملية فهو إما أحمق أو عدو لهذا البلد. من المحزن أن شهادة لاتيمور يتردد صداها بقوة اليوم، مثلما كانت قبل ستين عاما، وبسبب السياسة ضيقة الأفق حرم الأميركيون من ذهنية من طراز رفيع فيما يتعلق بقضايا حيوية لأمنهم. ويثبت إعدام تشاس المعنوي من جانب موظفين ذوي فهم مقزم حول الشرق الأوسط وآسيا، أن واشنطن قد بدلت جماعة ضغط لوبي.

اللوبي الإسرائيلي يربح أولى معاركه مع أوباما
 
12-Mar-2009
 
العدد 67