العدد 67 - اقليمي
 

معن البياري

دلّ إعلان الرباط قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في السادس من آذار/مارس الجاري، على أن التأزمات الإيرانية العربية أوسع كثيراً من مجال الرؤية التقليدي لها، فثمة ارتباك كثير وتوترات خافية أكثر في مسار العلاقات بين بعض دول المغرب العربي وإيران، خصوصاً مع تولي الرئيس محمود أحمدي نجاد السلطة في بلاده قبل أربع سنوات. وإذا كانت طهران سارعت إلى إبداء مفاجأتها من القرار المغربي فور صدوره، فإن مفاجأة من نوع مختلف تبدت بعدئذ، بغياب وقائع ساقت إلى قرار الرباط، السيادي والشرعي، كما وصفته، الذي أعقب الضجيج الواسع الذي أحدثه ناطق نوري، المسؤول الإيراني السابق والمستشار البارز لدى المرشد علي خامنئي، عندما زعم بتابعية البحرين لبلاده، الأمر الذي نشطت المنامة وطهران في تطويق ذيوله وتداعياته، وانعكس في زيارتين للعاصمتين قام بهما وزيرا خارجية البلدين.

اللافت أنه فيما نجحت الحكومتان البحرينية والإيرانية في ضبط مدار تلك الأزمة العابرة بينهما، جاء البيان المغربي الرسمي بشأن قطع العلاقات

الدبلوماسية مع طهران يحيل إلى تضامن الرباط مع البحرين، ويتحدث عن استدعاء موظف بسيط في وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال المغربي، دون غيره من ممثلي الدول العربية، وإبلاغه «انتقادات » لذلك التضامن، ورأت المغرب في ذلك سلوكا مرفوضا، خصوصا أن طهران أصدرت بيانا اعتبرته الرباط « شديد اللهجة وغير لائق في ألفاظه »، تعليقا على رسالة الملك محمد السادس إلى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، ما نمَّ بحسب الرباط عن عدم قيام الحكومة الإيرانية بالاحترام الواجب للمغرب، لا سيما أن طهران تجاهلت طلب الرباط توضيحا في هذا الشأن. وكان يمكن أن يستقبل الرأي العام المغربي، وربما بعض العربي، هذه المسألة باعتبارها سوء تصرف تتم معالجة آثاره مع الوقت ومع وجود رغبة متبادلة في تجاوزه وحصر تداعياته، غير أن بيان الخارجية المغربية الذي تضمن إعلان قطع العلاقات، أشار بوضوح غير مسبوق إلى «ممارسات منافية للأعراف الدبلوماسية تمس بالمذهب السني المالكي » تقوم بها البعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط. في إعلان عربي رسمي يعدّ الأول من نوعه الذي تصرح به مراجع حكومية عليا، بشأن ما تردد في العامين الماضيين عن نشاط واسع تقوم به إيران، عبر ممثلياتها وبعثاتها ومكاتب لها في غير بلد عربي وإسلامي، بغرض تشجيع أعداد من سكان هذه الدول المسلمين على استبدال مذهبهم السني بالشيعي.

معلوم أن ضجة واسعة أحدثها الداعية يوسف القرضاوي، قبل شهور، حين صرح أولا لصحيفة مصرية ثم لوسائل إعلام عربية مختلفة أن إيران

تقوم بذلك، وأنه يرفض هذا الأمر. والقرضاوي وثيق العلاقات مع القيادات الإيرانية الدينية والسياسية لعقود، ومن زوار طهران الدائمين، وقد

جدّد «تحذيراته » تلك بعد أيام من البيان المغربي، على هامش مشاركته في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة الأسبوع الماضي، في قوله إن «نشر إيران المذهب الشيعي ينبغي إدراك مخاطره الشديدة »، وأضاف «أيّدنا الثورة الإيرانية ضد الجبروت والاستبداد، غير أننا صُدمنا عندما كشفت الثورة عن وجهها الطائفي ومساعيها التمدد خارج الأراضي الإيرانية، والعمل على تشييع السنة في البلدان المجاورة ». وكانت تقارير نشرتها صحف عربية غير قليلة، تحدثت عن مثل هذا النشاط في الجزائر والسودان وغيرهما، وبين المغاربة الذين يعتنقون المذهب السني المالكي، تحدّث تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان في المغرب لسنة 2008 عن نحو ثلاثة آلاف بينهم يعتنقون المذهب الشيعي. وذكرت صحف مغربية أن نشاطاً إيرانياً في هذا الخصوص «يتوجه إلى الجاليات المغربية في المهاجر الأوروبية، وحقق بعض النجاح .»

وتوضيحاً لما جاء به البيان الرسمي، قال وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري أن «التحركات غير الودية » للبعثة الدبلوماسية

الإيرانية في الرباط كانت تتم تحت غطاء «دعم أنشطة سياسية ثقافية واجتماعية، بهدف مساندة تيارات دينية وسياسية ذات اتجاهات تناهض وحدة

العقيدة والمذهب ». على أن العلاقات المغربية الإيرانية منذ استئنافها رسميا في 1992 اتصفت بضعف «الود » وبسيادة قدر ملحوظ من الحذر عليها، لا سيما أنّ تحسنا مطردا وواسعا شهدته العلاقات الجزائرية الإيرانية في عهدي عبد العزيز بوتفليقة وأحمدي نجاد. وفي البال أن اندفاعة قوية شهدتها الصلات بين الرباط وطهران تحققت في زيارة، اعتبرت تاريخية في حينه، إلى إيران، قام بها الوزير الأول (رئيس الوزراء) الأسبق عبد الرحمن اليوسفي في 1998 ، وطلب في أثنائها المسؤول المغربي البارز إغلاق مكتب «بوليساريو » في طهران، وهو ما وعدت الحكومة الإيرانية في حينه بتلبيته، غير أن تقارير ذكرت في وقت لاحق أن الوعد تحقق لفترة وجيزة فقط.

مياه كثيرة عبرت فيها العلاقات المغربية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في 1978 ، منذ قطع هذه العلاقات مع إقامة شاه إيران المخلوع في المغرب بعض الوقت في ضيافة الراحل الملك الحسن، إلى استئنافها في مطالع التسعينيات وتوالي الزيارات المتبادلة لمسؤولين كبار من البلدين، وصولاً إلى طور القطيعة المتجدد، الذي سبقته قبل شهور تلميحات استخبارية مغربية لتورط إيران في دعم ما تعرف ب «خلية بلعريج » التي اتهم عناصرها بالتخطيط لأعمال إرهابية، والمعتقلون حالياً، وبينهم كوادر في حزب إسلامي تم حظره، أحدهم مراسل قناة «المنار » الفضائية التابعة لحزب الله في المغرب. وقبل شهرين من القرار المغربي، احتضنت مدن مغربية فعاليات «الأسبوع الثقافي الإيراني » وافتتحته وزيرة الثقافة ثريا جبران، بحضور السفير الإيراني في الرباط. كما شاركت إيران بشكل كبير في المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء شباط/ فبراير الماضي، وكان إقبال المغاربة عليه ملحوظاً. هي محطة جديدة، إذاً، في مسار علاقات عربية إيرانية مأزومة وملتبسة، ينقصها الكثير من الثقة المتبادلة، وتحتاج من الحكم في إيران، أياً كانت تلاوينه الإصلاحية أو المحافظة، أن يتبنى قراراً استراتيجياً بعلاقات حسنة وطيبة مع البلاد العربية، فيتخفف أداء طهران من التعالي البادي والواضح تجاه دول عربية غير قليلة، منها المغرب.

المغرب وإيران: قطع دابر الشكوك بالقطيعة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67