العدد 67 - احتباس حراري
 

في كتابه «عندما تجف الأنهار »، يقول الكاتب (Fred Pearce) إن الخرائط الموجودة في الأطلس، لم تعد تتفق مع الواقع، وإن الحديث في دروس الجغرافيا عن الأنهار التي تنبع من الجبال، وتجمع المياه من الروافد، لتصب في النهاية في المحيطات، أصبح الآن خرافة. هذا ما تؤكده تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تتحدث عما يسمى «موت الأنهار » في العالم، آخرها التقرير الذي يقيّم حال المياه في العالم خلال القرن العشرين، وكشف أن أكثر من نصف أنهار العالم يعاني من حالة تلوث واستنزاف خطير. في حين يؤكد علماء أن الاحتباس الحراري وبناء السدود، هما العاملان الرئيسيان في جفاف الأنهار.

نهر الأردن الذي يصبّ في بحيرة طبريا، وكان في وقت من الأوقات يحمل إلى وادي الأردن مليار متر مكعب من المياه، يحمل الآن كل عام أقل من عُشر هذه الكمية. إضافة إلى معاناة النهر من التلوث بسبب مياه الصرف الصحي، فإن إسرائيل منعت مياهه من التدفق، وأقامت شبكة أنابيب لريّ الحقول، وضخ المياه إلى القدس وتل أبيب، الروافد الدنيا لنهر النيل، الذي كانت تتدفق ب 32مليار متر مكعب من المياه سنويا، لا تتعدى الكمية التي تتدفق بها الآن المليارين. نهر إندوس في الباكستان، أطول نهر في جنوب آسيا، فقدَ خلال العقود الستّة الأخيرة، 90 في المئة من مياهه، والنهر الأصفر في الصين، خامس أطول الأنهار في العالم، مهدَّد بالخطر، فمنبعه في هضبة التبت يجف، ومنذ 35 عاماً، لم يفلح النهر في الوصول إلى مصبه في البحر، ويشبهه في ذلك نهر موراي في أستراليا، الذي لا يفلح دائما في الوصول إلى مصبه في البحر. دلتا نهر كولورادو العظيم الذي اجتاح في وقت من الأوقات خليج كاليفورنيا، في أميركا الشمالية، كانت موطنا لأكثر من 400 نوع من النباتات والحيوانات، بما فيها النمور والقنادس، ونوع من الدلافين يعدّ هو الأصغر في العالم.

كل هذه الأنواع عاشت في دائرة مساحتها 3000 ميل مربع من البحيرات والبرك والأراضي الرطبة، تحولت الآن إلى صحراء مالحة مشققة، تعلوها أكوام من أصداف المحار الميت، وغادرته منذ زمن بعيد قوارب الصيادين الذين رحلوا للعمل في حقول القمح.

حتى في أوروبا، فإن نهر إلبي يشهد حالة من الجفاف، أثّرت، بشكل كبير، في حالة النقل النهري، التي لم يعد بالإمكان تسييرها دائما حسب الجدول الزمني المحدد. وفي العالم 2003 ، توقف النقل النهري تماما في نهر الراين الذي يعدّ أحد أهم الأنهار وأطولها في أوروبا، ويمر عبر سويسرا وفرنسا وألمانيا وهولندا. في إنجلترا، تصدر وكالة البيئة إنذارات دورية بخصوص الأنهار والجداول التي يجف منها العشرات كل صيف، وهناك 40 من أصل 160 منها مهددة رسميا بخطر الجفاف. العلماء يحددون سببين لدمار الأنهار، هما: السدود والاحتباس الحراري.

في العالم الآن 45 ألف سد تمتد على الأنهار، وهناك سدّ على كل واحد من أطول الأنهار العشرين في العالم. وفي المتوسط فإن العالم بنى سدَّين عملاقين كل يوم خلال النصف قرن الأخير، وهذه السدود تحتجز ما مقداره ثلث إنتاج العالم من المياه العذبة.

تقرير الأمم المتحدة الذي يصدر كل ثلاث سنوات، والمتعلق بتنمية المياه في العالم، يذكر أن «السدود غيّرت النظام الطبيعي للأنهار في العالم ». المفارقة أن هذه السدود التي أنشئت لتحفظ المياه تسهم هي نفسها في إهدارها، لأن ما نسبته 10 في المئة من المياه المحتجزة، تضيع بفعل التبخر، في الأجواء الحارة والجافة. الاحتباس الحراري جعل الأمور أسوأ، فالنهر الأصفر يجفّ لأنه يفقد مصدره بسبب تراجع الأنهار الجليدية، وساهمت ظاهرة الاحتباس الحراري في موجات جفاف في جنوب غرب الولايات المتحدة، سبَّبت الذبول، حتى لأشجار الصبار. الاحتباس أثر أيضا حتى في الأنهار التي تبدو في وضع جيد، مثل نهر الأمازون الذي لم يُبْنَ عليه أي سدّ- ضربته موجة جفاف سيئة في العام 2005 ، جعلت مستوى المياه ينخفض بمقدار 10 أمتار ، بحيث تعذَّرت الملاحة على القوارب.

والأزهار تموت أيضاً
 
12-Mar-2009
 
العدد 67