العدد 68 - أردني
 

نور جمعة

«إعادة الهيكلة »، هو المسمى الذي اتفق عليه أصحاب شركات وبنوك كغطاء لتسريح عدد من العاملين لديها، تحسباً لمواجهة آثار

الأزمة المالية العالمية التي بدأت تتسلل إلى الأردن من جهاته الأربع. فما زال شبح الأزمة المالية العالمية يلقي بظلاله عالمياً وعربياً ومحلياً، فالأزمة وتداعياتها أصبحت حديث المجالس لما تركته من أثر في عمل بعض المؤسسات والبنوك التي بدأت باتخاذ إجراءات احترازية لحماية

نفسها من الوقوع في شباك الأزمة.

وعمدت شركات محلية على إجبار موظفيها على تقديم استقالاتهم بحجة «إعادة الهيكلة » وضبط النفقات المالية لهذه الشركات، فيما استخدمت شركات أخرى أساليب «ترغيبية » للموظفين، لحثهم على تقديم استقالاتهم من خلال عرض ما يعادل راتب سنة أو مكافأة مجزية، لتحفيزهم على تقديم استقالاتهم بإرادتهم.

ضحايا الأزمة

موظف في بنك كبير، رفض ذكر اسمه، وكان يعمل في قسم تسهيلات الأفراد، يرى نفسه ضحية من ضحايا الأزمة المالية العالمية التي عصفت به وبزملاء له في القسم ذاته. لم يمض على تعيينه في البنك سوى ثلاثة أشهر كانت كفيلة بتقييمه وإنهاء عقده، بحجة أنه لم «يحقق الهدف المطلوب أثناء عمله » رغم خبرته الممتدة لعامين في هذا المجال في بنك كبير آخر وفقاً لما قاله. وأضاف: «قبل تسريحي كنت دائماً أتعرض من قبل المسؤولين «للتلميح والغمز » بطريقة غير مباشرة بأن الأزمة المالية أثرت على البنك، ثم عمدوا لاستخدام أسلوب الضغط النفسي، فبدأت أسمع باستمرار أن فريقي لم يحقق هدفه المطلوب منه، رغم أن جميع الفرق في هذا القسم لم تحقق هدفها المطلوب في ظل الأزمة، التي أدت إلى إغلاق باب القروض من قبل البنك في وجه العملاء، فكان من الطبيعي أن يتراجع عمل الفريق نوعاً ما .» بعد تعرضه لهذا الضغط النفسي، قدّم له

البنك «كتاب استغناء » لإنهاء خدماته بالكامل وهو ما يجيزه قانون العمل الأردني الذي يسمح لرب العمل إنهاء العقد مع الموظف خلال ثلاثة أشهر من تعيينه دون إبداء أسباب ودون أن يعتبر ذلك أحد أشكال الفصل التعسفي، بدعوى أن الأشهر الثلاثة هي فترة تجربة نص عليها قانون العمل. « بعد ذلك تقدمت بالاستقالة وخرجت بكل هدوء كوني غير مثبت بعد بالبنك، ومازلت حتى هذه اللحظة لم أحصل على حقوقي المادية بالكامل بحجة أن الوضع المالي متأزم، والآن أبحث عن عمل، لكن الوضع سيء جداً في ظل الأزمة .»

ضحية أخرى...

موظف في بنك كبير آخر رفض ذكر اسمه، كان أحد الذين تضرروا من زوبعة الأزمة المالية، حيث فقد عمله وقد تم إنهاء خدماته

بأسلوب توافقي بين الطرفين، والعنوان العريض للحل التوافقي «أخرج من وظيفتك مقابل مبلغ مجز! »، وإذا كانت هذه هي الجزرة، فالعصا هي «من يرفض العرض إذ يتم إجباره على القبول به، أو طرده من العمل » على حد قوله.

يضيف الضحية: «منذ بدء الأزمة المالية، بدأت إدارة البنك تشير إلى أنه لا بد من وضع آلية عمل جديدة وضرورة الاقتصاد بالنفقات الجارية حتى لا يتم الوقوع بشباك الأزمة، فوجدوا أن أجدى أسلوب هو تسريح العاملين من خلال تقديم عروض مغرية. أنا قبلت بهذا العرض لكن للأسف بعدما قبلت به بدأوا بخصم المستحقات المالية رغم أننا اتفقنا على عدم خصمها، فضلاً عن تخفيض قيمة المبالغ المتفق عليها لي ولزملائي .» الموظف بيّن أن عدد الموظفين الذين أبقت إدارة البنك على خدماتهم وصل إلى 20 موظفاً في قسم الخدمات المصرفية الذي عمل به لمدة سنتين، في حين كان عددهم قبل عمليات التسريح ثمانين موظفاً.. تأكيد بنكي.

البنك العربي، وفي تصريحات صحفية، أكد أن عمليات خروج الموظفين من الخدمة هي في الحدود الطبيعية في أي مؤسسة، في ظل كادر بشري يقارب سبعة آلاف موظف في مجموعة البنك منهم في البنك العربي نحو 4500 موظف.

وقال مصدر مقرب من البنك: «إن عدد الموظفين الذين خرجوا من الخدمة في البنك منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بلغ 118 موظفاً غالبيتهم ممن بلغوا السن القانونية للتقاعد » مضيفاً: «مقابل ذلك التحق بالبنك عدد كبير من الموظفين .» الأساس القانوني لعمليات التسريح

أجازت المادة 31 من قانون العمل تحت بند إعادة الهيكلة لصاحب العمل، إنهاء عقود العمل غير محددة المدة، إذا اقتضت ظروف اقتصادية أو فنية هذا الإنهاء أو التعليق، كتقليص حجم العمل أو استبدال نظام الإنتاج بآخر، أو التوقف نهائياً عن العمل شريطة إشعار وزارة العمل بذلك.

8 شركات أنهت خدمات عامليها رئيس قسم علاقات العمل في وزارة العمل ومقرر لجنة إنهاء أو توقيع العقود جهاد جاد الله، بيّن أن عدد الشركات التي تقدمت بطلب تسريح موظفيها وصل إلى ثماني شركات تعمل في مجالات مختلفة: قطاع الفنادق، صناعة المجوهرات، وكالات تجارية، ووكالة سيارات، إضافة إلى شركتين في قطاع الإنشاءات، وشراء الأراضي، وبيع العقارات. أوضح جاد الله: «يعود إنهاء هذه الشركات لخدمات عامليها إلى أسباب اقتصادية وفنية، ويتم إنهاء خدماتهم وفقاً للمادة 31 من قانون العمل، التي تتعلق بإعادة الهيكلة في المؤسسة، ويتم الموافقة على الطلب بعد التأكد من مطابقتها القانون من خلال لجنة مشكلة من أصحاب العمل، وممثل عن العمال/ الاتحاد العام لنقابات العمال، وغرفة صناعة الأردن وممثل عن الحكومة/ وزارة العمل .» وبيّن جاد الله أن شركة واحدة فقط تقدمت في شهر شباط/فبراير بتسريح عامليها » هذه الشركة تعمل في مجال صناعة المطابخ قامت بتسريح 31 موظفاً من أصل 95 موظفاً، أما الشركات الأخرى، فقد قامت بتسريح 167

موظفاً .» في العام 2008 تقدمت 19 شركة لوزارة العمل بطلب إنهاء خدمات لموظفيها، إذ تم إنهاء خدمات 489 موظفاً وفقاً لما صرح به جاد الله ل «عمان نت. » وأكد جاد الله أن أي مصنع من مصانع المناطق الصناعية المؤهلة لم يتقدم بطلب إنهاء خدمات العمال لديه. أين دور الحكومة؟ «الحكومة مطالبة بالتدخل فوراً لدى إدارة تلك الشركات التي على ما يبدو تتنصل من مسؤولياتها الاجتماعية تجاه الوطن الذي هيأ لها فرصة النجاح وتحقيق الأرباح، من خلال الحوافز، والتسهيلات، والتشريعات المشجعة على الإنتاج والنمو الاقتصادي ». وفقاً لما أورده المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي، في مقالته في صحيفة «العرب اليوم .» الدرعاوي، بيّن في مقالته أن الحكومة «مطالبة بالتدخل لوقف حالات التسريح التي بدأت تنتشر بين الشركات، وهذا يتم من خلال إيجاد قناة اتصال مباشرة تشرف عليها وزارة العمل التي تلجأ إليها الشركات لأخذ الموافقة على إعادة هيكلة أوضاعها وتسريح عمال لديها تحت غطاء المادة 31 من قانون العمل. إلا أن تجاهل القضية ضرب الجهود الحكومية التنموية من جهة وبعث برسالة خاطئة للشارع العام مغزاها أن أصحاب النفوذ الاقتصادي وأرباب العمل باتوا يتسللون للقرار الحكومي، ويوجهون المسؤولين نحو اتخاذ قرارات وسياسات تصب في صالحهم لا في صالح المواطنين.

المحلل الاقتصادي فائق حجازين، بيّن أن الطريقة المثلى لمواجهة الأزمة المالية العالمية هي «زيادة إنتاجية الشركات لا تسريح العاملين لديها، وأوضح: «لا بد أن تعمل هذه الشركات على تحسين وسائل الإنتاج وزيادة إيراداتها وإنتاجيتها من خلال زيادة عدد الموظفين وزيادة إنتاجيتهم وكفاءة التشغيل، وهذا أفضل من إنهاء خدمات الموظف الذي يضر بمصلحة الموظف والمجتمع »

وبيّن حجازين أنه «إذا لم تستطع الشركات زيادة إنتاجيتها، فهذا دليل على ضعف إدارات هذه الشركات، التي لا يجوز أن يدفع ثمنها الموظف، وما يحدث الآن هو تسريح الموظفين ذوي الرواتب المنخفضة، وهذا يتناقض مع ما تسعى إليه الشركات بتخفيض كلفة النفقات العامة فيها عن طريق إنهاء خدمات موظفيها .» وأوضح حجازين أن إنهاء خدمات عدد كبير من الموظفين «سوف يؤثر في الاقتصاد، وبالتالي تراجع قدرة المواطن على الإنفاق والتعايش مع متطلبات الحياة اليومية، «إذا توسعت هذه الدائرة سوف تؤثر في حركة الأسواق، وسوف يؤثر في الطلب والإنتاجية، كون الحكومة تسعى إلى تحفيز الطلب الذي لا يمكن أن يتأتى من خلال تقليل عدد الموظفين بل يتم من خلال زيادة عددهم وزيادة رواتبهم، واستمرار الحال على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة نسب البطالة في المجتمع ». وهذا ما يوافق عليه المحلل الاقتصادي فهد الفانك،

في مقالته التي جاءت بعنوان: «لا لتسريح الموظفين .» بيّن الفانك «أن معدلات البطالة المرتفعة في أي بلد تشكل تهديداً للاستقرار والأمن

الاجتماعي. وتسريح الموظفين يعني الإسهام في رفع معدل البطالة لدرجة خطرة تبرر التدخل الرسمي، ولا يجوز أن يستمر التعامل بالسكوت مع الجهات التي تهدد إجراءاتها التعسفية استقرار البلد وأمنه الاجتماعي .» ووفق حجازين، «فإن الكرة الآن في مرمى القطاع الخاص الذي عليه مسؤولية فتح فرص العمل، في ظل تمتعه بامتيازات وتسهيلات وبيئة مناسبة من قبل الحكومة .» السؤال الذي يطرحه من انتهت خدماتهم والذين أصبحوا في عداد الباحثين عن عمل خلف الأبواب الموصدة بإحكام في وجوهم، «من سيقدم على تعيين موظف جديد في ظل الأزمة ا لمالية؟.

إعادة الهيكلة غطاء لتسريح الموظفين حتى لا تُستغل الأزمة المالية لتهديد الأمن الوظيفي
 
19-Mar-2009
 
العدد 68