العدد 67 - حريات
 

بثينة جويحات

يفترض أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، مجد الدين خمش، أن مناخ الحريات «السلبي » في العالم العربي، أحد الأسباب التي تدفع العرب إلى الهجرة، بحثاً عن «الحريات الشخصية والحريات السياسية .» لكن خمش يوضح أن البحث عن مستوى معيشي أفضل، وفرص عمل أكثر تميّزاً، يُعدّ السبب الرئيسي للهجرة، وهو أمر ينطبق على مجمل العالم العربي، باستثناء دول الخليج. كذلك، بحسب خمش، فإن البحث عن «التقدير » له دوره في الدفع إلى الهجرة، بخاصة لأصحاب «الأدمغة »، ومعه البحث عن التطور المهني، إذ يجد المهاجر في الغرب مراكز أبحاث متقدمة، وأدوات للبحث العلمي، نظراً لما تتمتع به تلك الدول من تطور علمي وتكنولوجي، ما زال العالم العربي بعيداً عنه. خمش، يستدرك بشأن الهجرة من أجل الحرية، بالقول إن الحال في الأردن بالنسبة لهذه المسألة، ليست مما يدفع إلى الهجرة موضوعياً، ف « الأوضاع المعيشية والحريات السياسية والشخصية مُرْضية مقارنة بكثير من الدول العربية .»

أما أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأردنية، عبد الباسط العثامنة، فيرى في «البحث عن الحريات » دافعاً غير حقيقي للهجرة من العالم العربي، معتقداً أن الأمر إنما ينحصر في بعدِه الاقتصادي والمعيشي. يقول: «الكساد الاقتصادي الذي يعيشه العالم يجعل الهجرة إلى الدول الغربية ذات الاقتصاد القوي مرغوبة، مما يدل على أن أول دافع للهجرة هو العامل الاقتصادي »، لكنه لا ينكر وجود دوافع أخرى، منها الاجتماعية، والمذهبية، والسياسية، والبحث عن مناخ علمي ملائم، لكنه لا يجد لهذه الدوافع مكاناً عند الأردنيين.

العثامنة يمتدح الهجرة ذات الدوافع الاقتصادية، ملاحظاً ما لها من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، من خلال تحويلات المغتربين المالية، مؤكداً في هذا السياق أن «ما يدخل للأردن من تحويلات يفوق كثيراً ما تُخرجه العمالة الوافدة »، ويذكر تحديداً أنه في العام 2008 بلغت حوالات العمالة الوافدة إلى خارج الأردن نحو 300 مليون دينار، فيما بلغت حوالات الأردنيين العاملين في الخارج نحو 2.1 مليار دينار، ما يعني أن الحوالات الداخلة للأردن تمثل سبعة أضعاف الحوالات الخارجة.

" السجل" بحثت بين الأردنيين المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة عن شخص هاجر بحثاً عن الحرية، فوجدت أن مبررات معظم المهاجرين دارت حول الدوافع الاقتصادية والمهنية. أكرم عثمان (طبيب، 58 عاماً)، هاجر إلى ألمانيا قبل ثلاثين سنة، بدافع تحسين وضعه المهني وحالته المعيشية، مؤكداً أن «الحياة المعيشية والوظيفية في الغرب أفضل لمن هم في مثل وضعي، فالرواتب هناك مجزية ومغرية، وهي مصحوبة بامتيازات وظيفية كثيرة »، أما في البلاد العربية، يتابع عثمان: «يعدّ الطبيب من الفئات الكادحة، فالراتب الذي يحصل عليه بالكاد يكفي حاجاته، وأحياناً تعاني المستشفيات من نقص المعدات والأجهزة، وهذا وضع لا يناسب ذوي الطموح .» عثمان يضفي بعداً مهنياً على وجهة نظره: «المستشفيات في البلاد العربية تقدم خدمة فقط، ومقابلها تحصل على مردود مالي، وهذا يقلّص عطاء الطبيب، لأنه يحتاج أيضاً للبحث العلمي كي يتقدم ويواكب المستجدات، وأن ينخرط في عملية تعلّم مستمرة، ما يستوجب حضور مؤتمر كل شهر تقريباً، وتقديم أبحاث علمية، وهذا يتوافر في الغرب، لكنه غير موجود في العالم العربي، لأنه يستلزم السفر المستمر إلى الخارج، ومن ثم دفع تكاليف مالية باهظة لا يقدر عليها الطبيب عادة .»

ماهر نجيب (محاسب، 47 عاماً)، هاجر إلى الولايات المتحدة في مطلع التسعينيات، لتحسين ظرف عائلته الاقتصادي. يروي أنه درس الرياضيات في جامعة اليرموك، لكنه لم يجد عملاً مناسباً ولم يستطع إكمال دراسته العليا لضيق ذات اليد، ما اضطره للتفكير بالهجرة. لم يكن الأمر سهلاً كما يشرح. «عملت في البداية في محطات البنزين والمطاعم والمحلات التجارية، وكنت أقضي الليالي باكياً لرغبتي في العودة إلى الأردن، إلا أنني مع الوقت رأيت الفرص المتاحة أمام الشباب هناك لتحسين أوضاعهم المادية والمهنية، وأكملت دراستي العليا في مجال المحاسبة، والآن باتت حالتي المالية ممتازة، وكذلك بالنسبة لوالديّ حيث ساعدتهم مادياً، وتزوجت من أميركية ذات أصول عربية، ولم أعد أفكر بالعودة نهائياً إلا للزيارة .»

وائل عيد (مترجم، 39 عاماً)، تردد كثيراً قبل اتخاذ قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة، لخوفه من عدم التأقلم مع المجتمعات الغربية، لكنه أخيراً وافق على ما ليس منه بُدّ! يقول: «كنت أعمل في إحدى دور النشر مترجماً، وكانت تأتيني فرص عمل عديدة بأجور مرتفعة، لكني كنت أرفضها بسبب عدم رغبتي في مغادرة الأردن، لكن أجور العمل كانت متدنية ولا تكفي لتأمين متطلبات الحياة الأساسية، يضاف إليها الضغوط النفسية التي يمارسها أرباب العمل على الموظفين، أما الآن فأعمل ضمن قدراتي في إحدى الشركات، وأوضاعي المالية أفضل بكثير مما كانت .»

الحريات السياسية والاجتماعية لا تمر في خاطر عيد. يؤكد ذلك بقوله: «لو كان هناك دخل مالي يساعدني على تأسيس حياة كريمة في بلدي، ويضمن مستقبل أبنائي، لتحمّلت الضغوط، ولما تركت وطني أبداً .»

ليث سليم (مهندس، 35 عاماً)، قاوم هو الآخر الهجرة إلى أستراليا طويلاً، لكنه تأكد أن «الغربة هي الحل »، بعد أن لم يجد فرصة عمل يحقق طموحه، لأن «الواسطة والمحسوبية هي الأساس في بلادنا، ومن لا يمتلكها فلا أمل له بعمل يرضيه ». ظل سليم خمس سنوات بعد تخرجه ينتقل من عمل لآخر في مشاريع البناء، غير قادر على الاستقرار وتكوين أسرة، أما الآن فيقول: «لدي كل ما حلمت به، لكن حنيني إلى وطني يفوق كل ذلك »، ويجد عزاءه في غيابه عن أهله بأن هجرته «وفّرت فرصة عمل لزميل آخر في الوطن .!»

وحدها ركاد الحديد )صحفية في قناة «روسيا اليوم »( تشير إلى الحرية كعامل يدفع الصحفيين الأردنيين للهجرة إلى الخارج، قائلة إنها عملت في غير مؤسسة إعلامية، لكن «السقف دائماً كان محدوداً، ولا مكان للحرية، وكلٌّ له ذريعته ». الحديد ترى أن «لكل شيء إيجابياته وسلبياته، فرغم المردود المالي الجيد في الخارج، إلا أن صعوبة الغربة تفقد ذلك قيمته بالنسبة لي .» هذه الخلاصات التي لا تضع البحث عن الحرية بين دوافع الهجرة الرئيسية بالنسبة للأردنيين، يتفهمها الناشط الحقوقي ومؤسس الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان، سليمان صويص. يقسّم صويص دوافع الهجرة إلى أربعة: البطالة، الدخول المتدنية، هضم حقوق الأفراد من حيث تقدير الكفاءات بسبب الواسطة والمحسوبية، وعدم توافر أجواء ديمقراطية حقيقية تسمح بالتنافس الحر لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

وهكذا، فإن البحث عن الحرية قد لا يكون أولوية عند أكثر المهاجرين، لكنه دافع حقيقي وموضوعي عند بعضهم. صويص، يدعو لصياغة استراتيجيات «تعيد النظر في السياسات الاقتصادية في بلادنا، باتجاه تحسين مستوى معيشة المواطن بشكل يمكنه من العيش بكرامة، وتحقيق درجة أعلى من تكافؤ الفرص والعدالة، والتعامل مع توفير فرص العمل للشباب بوصفها أولوية، إلى جانب توفير أجواء ديمقراطية حقيقية في البلاد، تفعّل القوانين وتمنع تجاوزها، وتسمح للشبان مناقشةَ قضاياهم بحرية، وتتيح لهم فرص تنظيم أنفسهم عن طريق بناء منظمات شبابية ديمقراطية .» هذا المنهج يوافق عليه خمش أيضاً، إذ يُطالب بالحفاظ على الكفاءات البشرية العربية، وزيادة دخلها المالي، فضلاً عن دعم البحث العلمي، بحيث تجذب هذه العوامل «أبناء الوطن المهاجرين، وتدفعهم للعودة إلى بلادهم للمساهمة في تطوير مجتمعاتهم وأوطانهم .» الحريات حاضرة غائبة، إذاً، يتذكرها بعضهم، وينساها بعضهم الآخر، رغم أن غيابها هو الأساس الذي يصنع المشكلات،

ولو كانت مالية بحتة!.

الأردنيون المهاجرون إلى الخارج: هل يبحثون عن الحرية؟
 
12-Mar-2009
 
العدد 67