العدد 67 - الملف
 

محمد علاونة

أوقفت مخاوف تسريح عمالة وطنية في الخارج واحتمال عودتهم إلى البلاد، احتفالات مسؤولين بوصول البطالة أدنى مستوى لها في 16 عاماً، بحسب بيانات رسمية أكدت انخفاضها إلى 12.7 في المئة. شكّلت البطالة، على الدوام، تحديات للحكومات المتعاقبة، ولا شك أن وصولها إلى هذه النسبة إنجاز يجدر تقديره، ولكن الخشية مما هو قادم أمر قائم على أسس وليس مجرد حديث عابر. فبحسب قادمين من الخليج العربي، فإن من يعملون هناك بدأوا فعلاً في البحث عن وظائف في الأردن، وبعضهم عبر اتصالات هاتفية مع ذويه ومعارفه ليستطيع أن يجد موطئ قدم في سوق محلية مكتظة، وبعضهم الآخر عاد فعلاً ليبدأ رحلة البحث عن عمل في سوق صغيرة قليلة الوعد.

إياد شطارة العائد من الكويت، كان يعمل في شركة كبرى تنظم الأفراح والمناسبات الاجتماعية، يحاول افتتاح صالون للحلاقة بعد أن طلبت منه شركته هناك تقديم استقالته بسبب تراجع أعمالها. وحال شطارة هو حال كثيرين عادوا ليعملوا في مهن سابقة أتقنوها قبل حصولهم على فرص عمل في الخليج. يقول شطارة: «لا يمكنني البقاء عاطلا عن العمل مع وجود عدة آلاف من الدنانير ادخرتها بعد عمل امتد عشر سنوات هناك .» مخاوف تسريح عمالة هو أول مؤشر لتداعيات أزمة مالية عالمية تكشفت خيوطها في الولايات المتحدة الأميركية في أيلول/ سبتمبر العام 2008 ، امتدت لتشمل دولا خليجية تعاني من شُحّ في السيولة وضربت أسواق الأسهم العالمية والإقليمية والمحلية. ورغم عدم وجود دراسات تفصيلية حول عدد الذين تم تسريحهم من العمال في دول الخليج، فإن قادمين من هناك يتحدثون عن آلاف المسرّحين، وهو ما تؤكده البيانات التي أوردتها الشركات الخليجية لهيئات سوق المال، وأفصحت فيها عن تسريح عمالة محلية وأجنبية.

دول الخليج تضم القسم الأكبر من المغتربين الأردنيين، إذ يتجاوز عددهم 600 ألف أردني، وفقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية. ومن بين الدول الخليجية، تعتبر السعودية البلد الذي يعيش فيه أكبر عدد من الأردنيين، حيث يصل عددهم 260 ألفاً، فيما يبلغ عددهم في الإمارات 250 ألف مغترب، مقابل 42 ألفاً في الكويت. ويتساءل الخبير الاقتصادي هاني الخليلي عما إذا كانت عودة هؤلاء لتقاسم الرواتب مع من يعملون، في حال حصلوا على وظائف، فذلك سوف ينعكس على رواتب المشتغلين، أم أنه سيتم من خلال عمليات إحلال تحكمها الخبرات والمؤشرات العملية، أم أنهم سينضمون إلى طابور المتعطلين عن العمل. تأثيرات تسريح عمالة أردنية في الخليج، لن تقتصر على ذلك فقط، بل تتعداه إلى تأثر تحويلاتهم المالية إلى البلاد، وهي مصدر أساسي من مصادر الدخل القومي، فالتحويلات تساهم في تشكل سيولة تحرك الأسواق، وضخ جزء منها في البنوك في صورة ودائع، يجعلها أساسا لعمل مصرفي ناجح، فضلا عن أنها بذلك تشكل رافدا قويا للعملة المحلية، وفقدها أو نقصانها يمكن أن يؤثر على الدينار وسعر صرفه الذي قد يتراجع في تلك الحال.

وفقاً للبيانات الأولية للبنك المركزي الأردني، شهد إجمالي تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي تراجعاً نسبته 13.1 في المئة، وخلال الأحد عشر شهراً الأولى من العام 2008 ، ارتفع إجمالي تلك التحويلات بنسبة 11.3 في المئة لتبلغ 2.478 بليون دينار. وبحسب البيانات، فإن تحويلات هؤلاء المغتربين حققت نمواً مطرداً خلال السنوات الأخيرة؛ إذ كانت تبلغ قيمتها 1.28 بليون دينار العام 2001 ، قبل أن ترتفع إلى 1.36 بليون دينار العام 2002 ، ثم زادت إلى 1.4 بليون دينار العام 2003 وبلغت 1.46 العام 2004 ، ثم ارتفعت إلى 1.54 بليون دينار العام 2005 ، ثم زادت العام 2006 إلى 1.78 بليون دينار، بينما قفزت بعد ذلك إلى 2.1 بليون دينار العام 2007 .

في العام 1991 ، وبعد حرب الخليج الأولى التي تمخضت عن عودة مئات آلاف المغتربين الأردنيين في الكويت ودول الخليج الأخرى، انخفضت قيمة تحويلات المغتربين الأردنيين في الخليج من 700 مليون دولار إلى 300 مليون دولار سنويّاً، بحسب بيانات «المركزي .» لكن الخليلي، يرى وجها آخر في تذكره لعودة أكثر من 250 ألفاً إبان حرب تلك الأزمة، هو ما وصفه بالإضافة النوعية للوطن، عندما عاد الخبراء ومن يمتلكون المؤهلات المتقدمة في إدارة الشركات ويمتلكون الخبرة في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. كان ذلك قبل أزمة الخليج الثانية، عندما اجتاح العراق الكويت العام 1990 ، وحين نشبت حرب تحرير الكويت جاءت لتضيف مصاعب أخرى تمثلت في عودة مئات آلاف المغتربين وتعرض البلاد لحصار اقتصادي خليجي عقابا للأردن الذي اعتبر موقفه مؤيدا للعراق آنذاك.

وتضاربت الأرقام حول العدد الحقيقي للذين عادوا بسبب تلك الحرب، ففي حين يرى بعض المراقبين أن هنالك 300 ألف عادوا ليستقروا في البلاد، ومنهم من رفع ذلك الرقم إلى 450 ألفا. الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، يمكن أن تحسم الأمر كون الزيادة في

عدد السكان، بحسب الأرقام، ارتفعت بنسبة 14 في المئة دفعة واحدة ليبلغ عدد سكان الأردن 3.285 مليون نسمة العام 1991 ،

بزيادة 452 ألفاً مقارنة مع العام 1990 بما في ذلك الزيادة الطبيعية التي تقدر بنحو 3- 3.5 سنويا، وارتفع عدد السكان إلى 4.139 بليون نسمة العام 1994 . العاملون في الخليج يشغلون الوظائف المتوسطة، ومنها الفنية والهندسية ومجالات الإدارة وصناعة الاستثمار، ويراوح متوسط

رواتبهم بين 600 و 1200 دينار، باستثناء أعداد قليلة من كبار الموظفين والتجار وأصحاب الأعمال، ومتوسط الرواتب المشار إليه لم يعد يشكل إضافة نوعية، كون المستويات القياسية التي سجلتها معدلات التضخم في الخليج أتت على جزء كبير من إيراداتهم، بحسب الخبير الاقتصادي منير الحمارنة، الذي حذر من ارتفاع مستويات البطالة لمستويات قياسية. التحدي المقبل الذي يمكن أن تواجهه الحكومة له عدة حلول يمكن أن تقلل من وطأة الحدث. فبينما ينصح الحمارنة بإحداث تغييرات في قطاعات الاستثمار وتوجيهها نحو مشاريع إنتاجية يمكن أن توظف عمالة،

يرى الخليلي أن البنوك يمكن أن تقلص من تداعيات عودة القادمين من خلال إعطاء مزيد من التسهيلات لمشاريع صغيرة ومتوسطة يمكن أن تشغل هؤلاء. شركة «أدفانتج » العالمية للاستشارات، أكدت في تقرير أصدرته الشهر الماضي أن شركات في دول مجلس التعاون الخليجي تتهاوى تحت وطأة عدم الاستقرار المالي. ويرى التقرير «أن تلك الشركات تتخذ تدابير تهدف إلى تخفيض التكاليف وإعداد نفسها للأوقات الصعبة مقدماً، فهي لجأت وفي خطوة ذعر مفاجئة إلى إنهاء خدمات موظفيها وتخفيض الرواتب كجزء من مبادرات تخفيض التكاليف نظراً لاضطرارها إلى البقاء على قيد الحياة .» وتقرير «أدفانتج »، الذي حصلت "السجل" على نسخة منه، جاء بعد تقرير سابق أصدرته الشركة نهاية العام الماضي 2008 وأثار جدلاً واسعاً في الخليج، وزاد من ذعر الموظفين أن التقرير كشف عن تسريح أكثر من 30 ألف عامل في دول الخليج خلال شهر واحد. التقرير يفيد أن «الشركات استحدثت الآن مصطلحات جديدة لمسايرة الأزمة الحالية، بعضهم يسميها «التوظيف الاستراتيجي» »Strategic Employment« ، بينما يشير إليه بعض آخر على أنها «إعادة تنظيم ،» .»Reshuffling« وفي أية حالة، وبحسب التقرير «فإنه يمثل في جوهره تخفيضا للتكلفة يؤثر مباشرةً على الأنشطة المعتادة للموظف العادي أو ما يسمى وما نشهده حالياً «استراتيجية إعادة التوازن Re-alignment Strategy

تسريح عاملين وعودة مغتربين تحديات اقتصادية جديدة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67