العدد 67 - الملف
 

سعد حتر

ينظر الأردن بريبة إلى مخططات إسرائيل الممعنة في تهويد القدس، وقضم الضفّة الغربية، بينما تتواصل عملية سلام مفرغة من محتواها، تبعد فرص إقامة دولة فلسطينية ما قد يقوّض، في المحصلة النهائية، أسس الدولة الأردنية.

قبل أن يبرم الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل العام 1994 ، كان هناك من يصف الجانبين بأنهما «أفضل الأعداء »، وسط صراعات ظلت تلقي حممها على مدى يقرب من خمسين عاماً.

رغم ادعاء إسرائيل بوجود نظرة خاصة للأردن قبل المعاهدة وبعدها، تعرض هذا البلد لاستهداف إسرائيلي وصل ذروته بانتزاع الضفة الغربية العام 1967 ومن ضمنها القدس. في الإطار نفسه، يمكن وضع معركة الكرامة التي شهدت في العام التالي تقهقر الجيش الإسرائيلي من غور الأردن، فقد كان سبب المعركة أساسا هو اجتياح إسرائيل للأراضي الأردنية في آذار من العام 1968 . على أن التحرشات الإسرائيلية كانت قد سبقت تلك التداعيات بسنوات،

ففي خريف 1953 ، دخلت وحدة عسكرية بقيادة الرائد، آنذاك، آريئيل شارون قرية قبية قرب الخليل، وهدمت منازل على رؤوس أصحابها، ما أودى بحياة 69 مدنياً ثلثاهم من النساء والأطفال. وقد خَلّفت العملية الإسرائيلية موجات من الغضب لدى القيادة الأردنية. وقد شكلت تلك المجزرة نقطة تحول في مقاربة الملك الشاب، آنذاك، حيال جارته الغربية صاحبة النفوذ القوي في الولايات المتحدة. بعد ذلك بعشر سنوات تم ترتيب أول اللقاءات السرية، عبر خط التماس، بين الملك الحسين ومسؤولين إسرائيليين، حسبما يورد المؤرخ البريطاني آفي شلايم، في كتابه «أسد الأردن ». على أن تواتر اللقاءات بعيداً عن الأضواء لم ينجح في درء إسرائيل عن احتلالها للضفة الغربية العام 1967 ، وقضمها بعد ذلك، هي التي كانت جزءاً من الأردن بين العامين 1950 و 1967 . اليوم يطغى عامل الشك على العلاقة بين البلدين، بحسب مسؤولين سابقين، وهو ما أدى إلى تحّول «السلام الحار » إلى فضاء بارد بفعل سياسات إسرائيل اليمينية تارة، والمعارضة الشعبية - النقابية - الحزبية هنا، ضد السلام مع إسرائيل تارة أخرى. مع ذلك تستمر قناة التنسيق الأمني مع تراجع التواصل السياسي على مستوى القيادات.

بخلاف الثقة المتبادلة التي نمت بين الملك الراحل الحسين ورئيس وزراء إسرائيل الراحل إسحق رابين، مهندس معاهدة السلام مع الأردن، تولدت خيبة أمل كبيرة لدى الملك الراحل حيال تصرفات خليفته بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود اليميني. فقد انحدرت العلاقات بين البلدين إلى أدنى نقطة في النصف الثاني من العقد الماضي، بعد أن شرعت حكومة نتنياهو في فتح نفق عتيق بالقرب من المسجد الأقصى.

عندما وصل التوتر ذروته بعث الحسين رسالة شخصية غير معهودة شديدة اللهجة قرّع بها نتنياهو، وقال له: «أفعالك تبدو ممعنة في تدمير ما آمنت به أو جاهدت لتحقيقه .» وحين حاول عميلان للموساد اغتيال رئيس المكتب السياسي الحالي لحركة حماس خالد مشعل في عمان سبتمبر/أيلول 1997 ، استشاط الملك الحسين غضباً، وأرسل وحدة من العمليات الخاصة ل «تزنير » السفارة الإسرائيلية بقيادة نجله الأمير عبدالله، الذي اعتلى العرش العام 1999 ، على ما يؤكد أحد أقرب مساعدي الحسين في تلك الفترة. وصدرت الأوامر باقتحام السفارة، إن رفضت إسرائيل تزويد الأردن بترياق لإنقاذ حياة مشعل. رئيس الوزراء الأسبق عبدالسلام المجالي، الذي وقع معاهدة السلام مع إسرائيل، يؤكد أن المعاهدة أعادت «الأرض والمياه وانعكست إيجاباً على الاقتصاد »، كما ساهمت في رفع الحصار الغربي عن الأردن. ويستذكر المجالي كيف كانت «صوفتنا حمرا » بعد أن وقف الأردن ضد التحالف الدولي بقيادة أميركا لطرد الجيش العراقي من الكويت العام 1991 .على أن الأرقام الرسمية تتحدث عن تواضع حجم التبادل السلعي بين البلدين، وتشير إلى محاولات إسرائيل الحؤول دون تعزيز العلاقات التجارية مع الضفة الغربية. إذ وصل حجم الصادرات الأردنية إلى إسرائيل العام 2007 إلى 54 مليون دولار، مقابل مستوردات من جارته الغربية بقيمة 251 مليون دولار. كذلك بات الأردن «أقوى في خدمة الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم ،»

مستذكراً المستشفيات الميدانية في رام الله العام 2002 ، وأخيراً غزّة، حيث شهد القطاع معالجة 20 ألف غزّي منذ أرسلها الملك عبدالله الثاني إلى هناك قبل شهرين، حسبما يضيف المجالي. في المقابل، يرى سياسيون سابقون أن نفوذ الأردن لم ينجح دائماً في صد الهجمات الإسرائيلية أو منع وقوعها على الفلسطينيين، فيما انحصرت دائرة حراكه المعلنة بالبعد الإنساني - الإغاثي.

فإسرائيل ترفض أي تدخل بما يتعلق بالسجناء الذين تصمهم بأن «أيديهم ملطخة بالدماء اليهودية ». حتى إنها ماطلت لمدة عشر سنوات، على الأقل، قبل أن تطلق العام 2007 أربعة أسرى أردنيين بعد 17 عاما خلف القضبان الإسرائيلية.

يلاحظ سياسيون أن الملك عبدالله الثاني ظل يتحاشى زيارة تل أبيب منذ صعود اليميني آريئيل شارون إلى الحكم العام 2001 . حتى كانت أول زيارة قام بها لإسرائيل في آذار/ مارس 2004 وأجرى خلالها مباحثات مع شارون في النقب، وكانت تلك آخر زيارة له لإسرائيل.

ففي العام 2007 ، تلقى الملك عبد الله الثاني دعوة لزيارة إسرائيل ومخاطبة الكنيست إلا أن تلك الدعوة لم تتم. في الإجمال سعى الأردن إلى تأطير حجم العلاقة وتقليل الزيارات المتبادلة. لذلك تعطلت مراراً خطط تبادل الزيارات بسبب العنف الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. لسنتين على التوالي فضّل الأردن إرجاء استقبال وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم، الذي ينتمي لحزب الليكود، بسبب تفاوت في وجهات النظر حول مضامين تلك الزيارة وأبعادها. في العام 2001 ، أحجم الأردن عن إيفاد سفيره المعين لدى إسرائيل عبد الإله الكردي، احتجاجاً على الإفراط في استخدام القوة العسكرية ضد الفلسطينيين عقب اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول/سبتمبر 2000 .

خلال العقد الماضي، كانت الأحزاب الإسرائيلية تتسابق لتوظيف علاقاتها مع الملك الراحل في إطار حملاتها الانتخابية، مستفيدة من حظوته لدى الناخب الإسرائيلي. رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري (1991) يلحظ أن جنوح إسرائيل لخلق «أمر واقع » على الأرض ينسف أسس بناء دولة فلسطينية، ويهدد بنقل المشكلة إلى الأردن. ويجادل المصري بأن «الأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل منذ عشرات السنين، وآخره مشاريع بناء 72 ألف وحدة في مستوطنات الضفة الغربية، يسير ضد المصلحة الوطنية الأردنية »، لذلك فإن السياسة «التوسعية تشكّل خطراً كبيراً على الأردن، لأنها تغلق الباب أمام حل الدولتين وتحيي المشروع الصهيوني في كل فلسطين بوصفها أرض الميعاد »، حسبما يضيف. ببناء 72 ألف وحدة سيقفز بعدد المستوطنين في الضفة الغربية من نصف مليون إلى 900 ألف، وبذلك تستكمل الاستيلاء على الأرض، من خلال «بناء المستوطنات والجدار فضلاً عن إحاطة القدس بسوار من المستوطنات .»وزير وسفير سابق يستذكر «موقف الأردن الحازم ضد إقدام إسرائيل على بناء جدار عازل بحجة الأمن، يستهدف تقطيع أوصال الضفة الغربية »، وذلك رغم عدم ارتياح الولايات المتحدة- المفترض أن تكون شريكه الاستراتيجي. وقد نقل الأردن قضيته إلى محكمة العدل الدولية العام 2004 ، التي أصدرت قراراً بعدم شرعية بناء الجدار على أرض محتلة.

مروان المعشر، السياسي والمفاوض الذي قاد بعثتي بلاده الدبلوماسية في تل أبيب وواشنطن، يرى أن أكبر تهديد للأردن يكمن في محاولة إسرائيل الخروج من النزاع مع الفلسطينيين على حساب المملكة. من هنا يأتي إصرار الأردن على مبدأ حل الدولتين.

على خلفية الشك الدائم حيال سياسات إسرائيل، انتزع الأردن من الإدارة الأميركية تعهداً بأنها «ستعارض أي ترتيبات في المنطقة من شأنها تعريض مصالح المملكة للخطر .» في كتابه «الوسط العربي؛ وعد الاعتدال ،» يتساءل السياسي - الدبلوماسي الأردني مروان المعشر، عما إذا كان الجدار قد «قضى على حل الدولتين .» وبينما يستشهد بمقولة روبرت فروست: «الجدار الجيد يصنع جيراناً جيدين »، يطور المعشر الموقف الأردني من هذه المسألة بإضافة المعادل لها «.. فقط حين تقام الجدران داخل حدود الجهة التي تبنيها، وليس داخل أرض الجيران .»

في ظل عامل الشك، يتحول «السلام الدافئ » الذي طمح إليه موقعو المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، إلى علاقة باهتة وسط تباطؤ في العلاقات الثنائية؛ الإنسانية والاقتصادية والسياسية.

إسرائيل: أكبر التحديات رغم توقيع المعاهدة
 
12-Mar-2009
 
العدد 67