العدد 67 - أردني
 

حسين أبو رمان

حين أعلن الرجل الثاني في جبهة العمل الإسلامي رحيل غرايبة، في 19 كانون الثاني/ يناير الماضي مبادرة يشارك فيها لتأسيس ما وصف ب «جبهة وطنية موسعة لتحويل الأردن إلى ملكية دستورية »، لم يثر إلاّ القليل من ردود الفعل. لكنه حين طرح المبادرة في ندوة بواشنطن يوم الرابع من آذار/مارس الجاري، بحضور باحثين وممثلين عن منظمات أهلية أميركية، استثار ردوداً غاضبة، ذهب بعضها حدّ وصف ما جرى ب «الخيانة »، كما فعل أحد كتّاب «عمون » الذي اعتبر موقف جماعة الإخوان المسلمين بمثابة انقلاب على الدستور «لا تقل خطورته عن محاولة انقلاب عسكري .» بيان صادر عن جبهة العمل الإسلامي، أوضح أن رحيل غرايبة، شارك في ندوة نظمها مركز بحثي في واشنطن يعنى بدراسة الديمقراطية في الشرق الأوسط، بعنوان «الإسلاميون والمشاركة في الإصلاح السياسي بالشرق الأوسط .»

في ورقته المقدمة للندوة، استعرض غرايبة «رؤية الحركة الإسلامية للإصلاح الشامل »، وموقفها من التعددية والمرأة والأقليات ومعاهدة وادي عربة، والموقف من إيران والعلاقة معها، وطبيعة تقييم الحركة الإسلامية للعلاقة مع مجلس النواب والحكومة. كما تطرق إلى وجهة نظر الحركة الإسلامية في القوانين الناظمة للعمل السياسي وموقفه من التطرف والإرهاب. في الندوة التي شارك فيها متخصصون من عدد كبير من المراكز البحثية وأساتذة الجامعات وأعضاء المؤسسات الأهلية الأميركية، أوضح غرايبة، بحسب البيان، البرنامج السياسي لحزب جبهة العمل الإسلامي وهيكليته ونظامه الأساسي ورؤيته المستقبلية وعلاقته بحماس.

الأمين العام لحزب «الجبهة الأردنية الموحدة » أمجد المجالي، استهجن من جهته لقاء واشنطن، مشدداً على أن ما يتعرض له العالم العربي عامة، والأردن كجزء منه من مخاطر المخططات الإقليمية والدولية «يجعلنا شديدي الحساسية تجاه كل حراك سياسي .» «الحساسية » التي تحدّث عنها المجالي، مفهومة، لكنها لا تبرر المبالغة في تركيز نقد سياسيين وأحزاب لمبادرة غرايبة من منطلق مكان عرضها في واشنطن، متجاهلين الأسئلة الأكثر أهمية، حول مغزى المبادرة، الهدف منها، توقيتها، الشركاء فيها، وطريقة إطلاقها. هذا فضلاً عن أن الأردن دولة منفتحة على العالم، والولايات المتحدة بمعايير العلاقات الدولية، دولة صديقة للأردن برغم انحيازها إلى إسرائيل، وسخط الشارع الأردني والعربي على سياستها الخارجية تجاه المنطقة. فهل مجرد مناقشة حزب سياسي لأطروحاته في «عاصمة القرار العالمي، دليل على اقتراف خطيئة وطنية؟.

من مصلحة الأردن الرسمي، أن يفتح حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين قنوات حوار مع الولايات المتحدة، لأن من شأن ذلك أن يخفف الانتقادات التي يوجهها الإسلاميون للسياسة الأردنية الرسمية على خلفية العلاقة مع الولايات المتحدة.

وربما لهذا السبب، أكد الناطق الرسمي باسم الجماعة جميل أبو بكر لـ"السجل"، بأنهم لم يغيروا موقفهم تجاه الولايات المتحدة، وأنهم لم يستجيبوا لدعوات الحوار التي تقدم بها أكثر من مرّة دبلوماسيون أميركيون في عمّان، موضحاً أنهم لا يغلقون باب الحوار مع إعلاميين وباحثين من الولايات المتحدة. ومن باب الصدفة، كان فهد الخيطان المحلل السياسي في صحيفة «العرب اليوم 3/3( » (، قد أشار إلى حديث لرئيس الوزراء نادر الذهبي عن «ارتباط بين تسريع مسار الإصلاحات في الأردن ووصول إدارة ديمقراطية إلى البيت الأبيض، لن تتوانى عن ربط المساعدات بمدى التقدم في مجالات الإصلاح كافة ». ما يعني أن الحكومات التي تعطل الإصلاح، هي التي تتحمل مسؤولية الضغوط الخارجية على البلاد.

الخيطان دعا إلى «صياغة مشروع وطني للإصلاح يضع حداً لسياسة الرضوخ للخارج ،» لكنه لم يشر إلى أن هناك مشاريع إصلاح رسمية وحزبية، تملأ الخزائن، والمهم أن تجد طريقها إلى التنفيذ، علماً بأن الدوائر الغربية لا تريد الإصلاح لنا لذاته، بل تسعى لحماية أمنها

الاستراتيجي. الأمين العام للحزب الشيوعي منير الحمارنة، الذي ما زال حزبه يحتفظ بشعار «يا عمال العالم اتحدوا »، استخدم في التعليق على زيارة واشنطن لغة كان خصوم الشيوعيين يستخدمونها ضد حزبه، فقد أكد «أنه ليس من حق أحد اللجوء لقوى أجنبية لبحث مسائل الوطن الداخلية حتى لو كانت هذه الجهة مراكز بحثية، لوقوف جهات غير مرئية خلفها «منتقداً ما قام به نائب الأمين العام للعمل الإسلامي ،» بحسب ما جاء في موقع «مرايا » الإلكتروني، ولم يوضح، وهو الرئيس الحالي للجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة التي ينضوي تحت لوائها سبعة أحزاب سياسية من بينها حزبا الشيوعي وجبهة العمل الإسلامي، ما الذي يجمع أحزاب المعارضة، إذا كانت المبادرة التي تتعلق بطبيعة بنية الحكم، تناقش بعيداً عن هذا الإطار التحالفي؟.

«التيار الإسلامي لا يطرح قضية بمثل هذه الأهمية بطريقة عشوائية، وعندما يختار التوقيت، فلا بد أن يكون لذلك دلالته »، بحسب محمد خروب الكاتب السياسي في صحيفة «الرأي » الذي رجّح أن تكون الوجهة المقصودة بمبادرة الإسلاميين «إقليمية بالدرجة الأولى ،» وليس من باب رد الفعل على فتور العلاقة مع الحكومة، بل باتجاه تكريس حضورهم كلاعب رئيسي في العلاقة مع «القوس السياسي » الموالي لإيران، الذي يبدأ من غزة بالنفوذ الحمساوي فيها، بحيث يكون هناك نوع من التأهيل الذاتي للانتقال من معادلة تحالفات إلى أخرى، لا سيما بعد الاستعصاءات في ملف تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. لا يستبعد خرّوب، أن يكون الإخوان المسلمون قصدوا من خلال التحرك نحو واشنطن غداة تسلم أوباما مقاليد الحكم، توجيه خطاب يستجيب لدعوات الرئيس الأميركي بشأن عدم معاداة الإسلام وتشجيع الإسلام المعتدل، بخاصة أنه نقل عن غرايبة إعجابه بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي.

لكن خرّوب يشكك بجدية ذهاب الإخوان المسلمين في أطروحاتهم بشأن «الملكية الدستورية » حتى نهاية المطاف، مستنداً إلى تقييم أدائهم على امتداد الفترة الماضية بشأن ملف الإصلاح. يتفق ما تقدم مع حقيقة أن المضي نحو حكومة منتخبة يتطلب بداية وجود أحزاب سياسية، فاعلة ومؤثرة وقادرة على تداول السلطة التنفيذية. وبما أن هذا غير متوافر، إلإ إذا ترك المجال لجبهة العمل الإسلامي أن تحكم منفردة، فإن الجهود الوطنية في ميدان الإصلاح السياسي، توافقت على أن الأولوية هي لقانون انتخاب )مختلط( وفق صيغة الأجندة الوطنية، بما يسهم في النهوض بالحياة السياسية. يحتفظ الإسلاميون في الجماعة والحزب بمسافة ما عن مبادرة رحّيل، فلم يتبنوها بشكل كامل، ولم يتنصلوا منها كلياً، ما يعزز الطابع التكتيكي للمبادرة التي قد تستهدف داخلياً الضغط على الحكومة، كي تتراجع عن استهداف مواقع نفوذهم في الحياة السياسية وفي أطر العمل الاجتماعي، كما قد تحسن مكانة تيار الاعتدال في الجماعة والحزب الذي يعدّ غرايبة أحد رموزه. الكاتب المتخصص في الحركات الإسلامية محمد أبورمان، ذكر أن الجماعة منحت رحيل غرايبة ونبيل الكوفحي «تفويضاً لإدارة الحوار والنقاش مع التيارات الأخرى، وصولاً إلى بناء قاعدة متينة تتبناها لتحقيق إصلاح حقيقي .» لكن الناطق الرسمي باسم الجماعة أبو بكر، دافع عن التوجه للإصلاح لافتاً إلى أن هناك جهات عديدة تدعو إليه، وتطالب بالتعديلات الدستورية التي تُؤمِّن الاستقرار للمؤسسات، لكنه نفى أن تكون الجماعة تبنت موضوع «الملكية الدستورية »، موجهاً انتقاداته إلى غياب إرادة الإصلاح، وفشل كل محاولات الإصلاح حتى الآن. بسؤاله عن هوية المئة شخصية أصحاب مبادرة الإصلاح الدستوري، قال إنه لا يعرف سوى أربعة أو خمسة منهم. في الاتجاه ذاته، ذكر غرايبة، بحسب بيان لجبهة العمل الإسلامي حول زيارة واشنطن، أنه التقى بطلبة الدراسات العليا المختصين في شأن الديمقراطية بالشرق الأوسط في جامعتي جورج واشنطن وجورج تاون، و «أجاب عن استفساراتهم، ومن بينها سؤال حول الملكية الدستورية التي تتبناها شخصيات سياسية أردنية .» تعود بدايات طرح هذه المبادرة إلى كانون الثاني/ يناير الماضي، إذ «قررت نحو مئة شخصية وطنية تأسيس جبهة وطنية موسعة تعمل بشكل متكامل لتحويل الأردن إلى ملكية دستورية بوسائل سلمية وديمقراطية »، بحسب تصريح رحيّل غرايبة بصفته رئيس لجنة «المتابعة للمبادرة الوطنية للإصلاح .» وأشار غرايبة في تصريحه آنذاك إلى أنه «بعد سلسلة من الحوارات المعمقة بين عدد من رجالات الأردن موزعين على طيف اجتماعي واسع، اتفق المشاركون على ضرورة التجمع والمشاركة من أجل حماية الأردن وتأمين مستقبل أبنائه في هذه الأوقات العصيبة واللحظات الحرجة، التي تفوح منها رائحة المؤامرة الكبرى التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وتغيير خارطة المنطقة .» وذكر أن المشاركين في اللقاءات التحضيرية اتفقوا على ضرورة البدء بإصلاح سياسي حقيقي وجدّي ينتقل بالأردن نحو «أفق ديمقراطي متقدم يشكل مفتاحاً لتغيير المنطقة بأكملها »، كما أنها تمثل الخطوة الأولى لحماية الأردن وتحقيق أمنه واستقراره وبناء قوته ومنعته.

ورأى المشاركون، بحسب غرايبة، أنّ الإصلاح السياسي الحقيقي في الأردن يقوم على ركنين أساسيين؛ يتمثل الأول في «الشروع بإصلاحات دستورية ضرورية تعيد توزيع الصلاحيات على المؤسسات الدستورية، من أجل السعي لإيجاد ملكية دستورية وحكومة منتخبة تتحمل كامل المسؤولية الدستورية، وخاضعة للرقابة الشعبية ». فيما يتمثل الثاني في إعادة تأسيس الشراكة الأردنية الفلسطينية على أربعة أسس، هي: رفض الوطن البديل، التمسك بحق العودة، دعم كفاح الشعب الفلسطيني حتى يحرر أرضه من الاحتلال ويقيم دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني، وبناء الأردن القوي الديمقراطي المزدهر.

تعرضت لانتقادات وتأويلات شتى مبادرة غرايبة: غياب الشفافية أربك المشهد السياسي
 
12-Mar-2009
 
العدد 67