العدد 67 - بلا حدود
 

كانوا أربعة شبان ذهبوا إلى الجنوب اللبناني مع آخرين، بينهم أطباء، ومعهم كمية من المواد الطبية والأدوية للقيام بعمل تطوعي تضامناً مع الأشقاء اللبنانيين في أعقاب الحرب الإسرائيلية ضد لبنان في تموز/يوليو 2006 . تعرفوا إلى بعضهم بعضاً أثناء هذه الرحلة التي استغرقت عشرة أيام، واكتشفوا أن هناك عنصراً إضافياً يجمعهم، هو الموسيقى. وفي طريق العودة إلى عمّان، شاركوا معاً في بيروت في إحياء أمسية فنيّة “تحية للشهداء”. في عمّان، أنضجوا فكرة تشكيل فرقة موسيقية بمشاركة صداقات جديدة، واختاروا لفرقتهم اسم “شو هالأيام”، الأغنية المعروفة لزياد الرحباني. تحاور “السّجل” في هذه الحلقة من “بلا حدود” رئيس الفرقة إيهاب أبو حمّاد، بمشاركة عضوة الفرقة “غناء”، إيناس السعيد

"السّجل”: متى وكيف فكرتم بتشكيل فرقتكم الموسيقية؟

- إيهاب: تعود بداية فكرة تشكيل الفرقة إلى رحلة تطوعية شاركنا بها مع آخرين إلى بلدة صريفا في الجنوب اللبناني بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان صيف العام 2006 ، فاكتشفنا أن هناك أربعة من الموسيقيين، هم: طارق الجندي، ومعن السيد، وبهاء عثمان، وأنا، تعرفنا إلى بعضنا بعضاً عملنا في تنظيف الشوارع والأماكن العامة من آثار الدمار، وكنا في المساء نروّح عن زملائنا بتأدية مقطوعات موسيقية وغناء. وشاءت الصدف أن يتعطل الباص بنا في بيروت أثناء العودة إلى عمّان، فأتاح لنا ذلك المشاركة في حفل موسيقي منظم، بتجهيزات كاملة في ساحة الشهداء بيروت،بدعوة من اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، لإحياء أمسية لتحية الشهداء. وهكذا اكتشفنا اهتماماتنا الموسيقية والاجتماعية المشتركة، وفوجئنا بأن لدينا مقومات تشكيل فرقة موسيقية متينة.

- إيناس: تعرفت إلى مشروع إيهاب بتشكيل فرقة موسيقية عن طريق أصدقاء سألوني إن كان لدي استعداد للغناء، فقلت لهم إن هذا حلم حياتي، لكن لم يكن لدي تصور كيف أبدأ. في الفترة نفسها التحقت بنا غيداء حمودة. بدأت فكرة الفرقة تتبلور أكثر فأكثر، ونفذنا أول بروفة عمل موسيقي في الشارع في جبل اللويبدة. لكن الانطلاقة الرسمية للفرقة كانت في أمسية رمضانية أقيمت في تشرين الأول/أكتوبر 2006 في “محترف رمال”، وبعدها انضم إلينا علاء إبراهيم ومروة السيد، ثم غادرتنا غيداء، وتابعنا نحن السبعة.

“السّجل” من أين جئتم باسم الفرقة؟

- إيهاب: حين اختتمنا فعاليات رمضان في “محترف رمال”، أقمنا الحفلة بعنوان “شو هالأيام”، واستعملنا هذه التسمية في حفلات لاحقة، واحدة في “ذكرى أكتوبر”، وأخرى في مقهى “جفرا”، وثالثة في افتتاح ملتقى طلابي بعمّان، ورابعة على مسرح كلية تراسانطة، إلى أن سمّينا الفرقة بهذا الاسم عندما تقدمنا إلى المسابقة التي نظمها المركز الثقافي الفرنسي للفرق الموسيقية الأردنية الشابة في آذار/مارس 2007 . واسم الفرقة “شو هالأيام” مستمد من أغنية لزياد الرحباني تحمل هذا الاسم، ولها دلالات اجتماعية راقية، بخاصة أن المنطلقات الفكرية لأعضاء الفرقة تلتقي عند موضوع العدالة الاجتماعية، ومناهضة الظلم بكل أشكاله، وهذا يعني أننا كأردنيين، معنيون بما يجري في فلسطين وفي لبنان، مثلما نحن

معنيون بقضايانا الحياتية المحلّية.

“السّجل” تصنفون موسيقاكم ضمن “الموسيقى البديلة”، فما معنى ذلك؟

- إيناس: أيْ بديلة لما هو سائد. هذه موسيقى ملتزمة لها رسالة ولها هدف. نحن مثلاً نعيد إحياء أغانٍ جيدة أُهملت مع الزمن ومع انتشار الأغاني الخفيفة. هذا يشجع جزءاً من جمهورنا عندما يسمع من خلالنا أغنية مثلاً لخالد الهبر أو زياد سحاب، للبحث عن أغان أخرى لهما في الأسواق أو الإنترنت، بخاصة أنه قد يكون لهما أغان لا نعرفها أو لا نستطيع تأديتها بسبب ضعف إمكانياتنا الموسيقية.

- إيهاب: الموسيقى البديلة نوع من الموسيقى الحديثة جداً والمختلفة عمّا هو موجود. ونفضّل مصطلح “الموسيقى البديلة” على مصطلح “الموسيقى أو الأغنية الوطنية أو الملتزمة”. لأن “الوطنية” تعبير فضفاض، ويشتمل على أمور يصعب حصرها، وكذا “ملتزمة”، بماذا، وكيف؟ علاوة على ذلك فإن مصطلح الموسيقى الوطنية أو الملتزمة، يستثني مثلاً أغاني فيروز التي إذا أخذناها بمقاييس المستوى الموسيقي والكلمات والأفكار، فهي ليست تقليدية، ويهمنا أن نقدم هذه الأغاني التي يمكن عدّها “بديلة” قياساً بما هو موجود.

“السّجل”: كيف تتدبرون أوضاعكم المالية؟

- إيهاب: نحن نحصل حتى الآن على مبالغ مالية رمزية، أهمها كان مكافأة بدل المشاركة التي حصلنا عليها من المركز الثقافي الفرنسي في عيد الموسيقى، فالأساس هو أن كل أعضاء الفرقة منتجون، يعملون في أنشطة أو وظائف خاصة بهم توفر لهم مداخيل شخصية. لكن بما يتعلق باحتياجات أعضاء الفرقة من الآلات، فنحن نسعى لإدارة أمورنا بطريقة تعاونية، بحيث نؤمن شراء الآلة لمن هو بحاجة إليها. ونحن نتصرف كفرقة هواة رغم وجود موسيقيين محترفين فينا.

- إيناس: نحن فرقة غير تجارية، لا نسعى لتحقيق مردود مالي، وبالكاد يغطي ما حصلنا عليه حتى الآن من مكافآت، تكاليف المواصلات و”الخلوي”. وليس هناك أحد يموّلنا منذ أن بدأنا قبل حوالي سنتين. لذلك فإن عملنا بشكل أساسي هو من أجل الموسيقى والمجتمع.

وعندما تطلب منّا جهة ما تقديم حفل موسيقي بمناسبة ما، نقوم بدراسة هذه الدعوة للتأكد من مدى انسجامها مع أهدافنا، لذا يمكن تلبية

الدعوة، أو رفضها. وهذا بمعزل عن الجانب المالي، لأننا لا نتقاضى أجرة لقاء حفلاتنا، ما يساعد على تكريس أن للموسيقى هدفاً ورسالة.

“السّجل”: إلى أي مدى تكفل لكم الفرقة مساحة من الحرية والتنوع؟

- إيهاب: الموسيقى البديلة بحد ذاتها مفتاح للتنوع، هذا يجعل فيروز، ومحمد منير، مثلاً ضمن اختياراتنا. فالموسيقى البديلة أوسع من مفهوم الموسيقى الملتزمة. ومن الزاوية العملية، كل فنان يسعى للتعبير عن نفسه بالطريقة التي هي أقرب إلى نفسه وقدراته، لكن دون تجاوز حد معيّن، كذلك، فإن للآلات الموسيقية سيطرة معينة على الأداء. لكن نحن نتمسك بمساحة الحرية حتى نعبّر عن أنفسنا. ضمن هذا الإطار، فإن عازف العود يحرص على أن يكون له حضوره المؤثر في الأغنية. إيناس مثلاً تحاول أن تقترح قطعة يكون الإيقاع فيها أقرب إلى “الروك”. الآخرون أيضاً، يسعى كل منهم أن يكون موجوداً، هذه الخلفيات تثري التنوع. بهاء مثلاً ينحو باتجاه “الجاز” و”البلوز”، غربية الطابع التي لا تناسبني أنا مثلاً، لكننا نتعاون، ولا يؤدي “الصراع” في ما بيننا إلى مشاكل، بل يطور أداءنا، ويعلّمنا كيف نقدم تنازلات متبادلة.

- إيناس: أود أن أؤكد على أنه يوجد في إطار الفرقة توجهات موسيقية مختلفة، أي أن هناك تنوعاً في ما بيننا، وهذا جيد لأنه نقيض الروتين الذي قد يُحدث الضجر لنا ولجمهورنا، ويحدث أحياناً أن زملائي يصرّون عليّ أن أغنّي أغنية لا تنسجم مع طبقة صوتي، لكن الأمور تمشي، وأحياناً تكون هناك أغنية أحبّ أن أغنيها، لكنهم يعاندونني، فيكتشفون أن هذا المقترح جدير بالاهتمام مثلما حدث مع أغنية “بلا منْسمّيه” ل تانيا صالح التي تميل إلى “الروك”، والتي لم يكونوا يرغبون باعتمادها، لكنها الآن من أغاني الفرقة المفضّلة. وبما أننا نمتلك إرادتنا بأنفسنا، فهذا يعطينا فعلاً مساحة جيدة لنعبّر عن أنفسنا. صداقتنا تساعدنا في التغلب على اختلافاتنا بكل تأكيد، لكن أيضاً، لدينا إحساس قوي أننا أصحاب رسالة.

“السّجل”: إلى أي مدى هناك توازن في الموسيقى والأغاني التي تقدمونها بين الهمَّين القومي والمعيشي؟

- إيهاب: لدينا مشاركات مهمة في المناسبات الوطنية والتضامنية، وهذا يعود من ناحية إلى حجم التحدّيات التي تواجه المنطقة، إذ تتوالى الأحداث في فلسطين ولبنان والعراق والسودان، وهذا يقود إلى حجم لا يستهان به من الأنشطة. من ناحية ثانية لسنا نحن الذين نقرر الأنشطة، فالأحزاب والنقابات هي التي تنظمها، وهذه المؤسسات تبدي اهتماماً أكبر بالشأن القومي، بخاصة في ظل تقييد حرية الحركة في شأن القضايا المطلبية المحلية. ونحن شاركنا في أنشطة ذات طابع معيشي، في حملة “لا” مثلاً لرفع الأسعار، ونلت حصتي من الضرب من الشرطة، وفي مناسبة أخرى شاركت بنشاط أمام مجلس النواب وكنت أحمل غيثارتي. بشكل عام، لدينا رصيد من الموسيقى والأغاني التي تلبي هذه الاحتياجات.

- إيناس: نحن قدمنا أغاني في هذا الاتجاه، مثل “شد الحزام على وسطك” لسيد درويش، “شو هالأيام” أيضاً، “الغني والفقير”، “بلا منْسمّيه” التي تتحدث عن مشاكل اجتماعية، “عيش يا كديش”، “مثقفون”. بالتالي، فإن الهم الاجتماعي والإنساني في أعمالنا موجود، ونحن نرحب بقوة أن يكون هناك اشتغال على القضايا التي تهمّ البلد أيضاً. لذلك نبحث عن الجديد دائماً، وهذا يظهر من خلال ليس فقط إعادة إنتاج أغان جديدة للرواد مثل: فيروز، زياد الرحباني، سيد درويش، الشيخ إمام، محمد منير، مارسيل خليفة، وخالد الهبر، وإنما كذلك لجيل جديد مثل تانيا صالح، شربل روحانا، زياد سحاب، وفِرَق مثل “صابرين” الفلسطينية، ”الطريق” العراقية.

إيهاب أبو حمّاد

مدير العلاقات العامة في “أورانج ريد”. بدأ رحلته مع الموسيقى إبان دراسة الهندسة الكيماوية في الاتحاد السوفييتي السابق الذي غادره العام 1986 . تلقى دورات في الموسيقى في جامعة اليرموك خلال فصول دراسية متباعدة في التسعينيات. وكان حصل على التوجيهي في مدرسة سحاب الثانوية العام .1983

إيناس السعيد

مدرّبة في مركز الأميرة بسمة )الهاشمي(. نالت شهادة البكالوريوس في الهندسة الوراثية من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية العام 2004 . وكانت أنهت دراسة المرحلة الثانوية في مدرسة رابطة الجامعيين في الخليل العام 2000 ، بعد أن درست خلال المرحلة الأساسية في مدارس النمو التربوي بعمّان.

فرقة "شو هالأيام" الشابة: السياسة والموسيقى البديلة على إيقاع واحد
 
12-Mar-2009
 
العدد 67