العدد 65 - ثقافي
 

مراجعة: إريك ديفيدز*

يتوسع إسحق نقّاش في تحليله الذي ضمنه كتابه المهم «شيعة العراق »، في كتابه «الوصول إلى السلطة: الشيعة في العالم العربي الحديث »، ليشمل المملكة العربية السعودية، والبحرين، ولبنان، بعد إضافته مادة جديدة حول العراق. والنتيجة، أول دراسة مقارنة للمجتمعات الشيعية

المحلية في العالم العربي. يبدأ كتاب «الوصول إلى السلطة » بإلقاء نظرة شاملة على الاضطهاد وعدم الولاء الذي تحمله الشيعة في كثير من بلدان

العالم العربي، وهم ربما لم يعامَلوا في أي مكان أسوأ مما عوملوا في منطقتي القطيف والحسا في الجزء الشمالي من الجزيرة العربية، التي كانت أول منطقة يُخضعها آل سعود العام 1795 ، ويحولونها إلى جزء من الدولة السعودية الحديثة العام 1913 . وكما يوثق البروفيسور نقّاش، فإن الإسلام الوهابي لم يتعامل بأي تسامح مع السكان الشيعة في القطيف والحسا. ورغم الوعود بأن يعامَلوا معاملة حسنة، إذا لم يقاوموا آل سعود في العام 1913 ، فما إن سيطر السعوديون على المنطقة، حتى أُغلقت المؤسسات الشيعية وبدأت مسيرة المجتمع الشيعي المحلي في الانحدار. وحين اكتُشف النفط المنطقة في العام 1938 ، مَنع الحكم الملكي السعودي مواطنيه الشيعة من التمتع بمزاياه الاقتصادية. ولاسترضاء الوهابيين، بدأت حملة لتدنيس قبور علماء الشيعة في مكة.

تكرر الاضطهاد السعودي للشيعة في البحرين بعد وقوع الجزيرة تحت سيطرة آل خليفة العام 1783 ، فكما حدث مع آل سعود، بدأ آل خليفة بتجريد الشيعة من مزاياهم الوطنية والدينية. وبينما زعم النظام الملكي السعودي أن غزوهم للقطيف والحسا وحّد الإسلام، تبنى آل خليفة سردية تقول إنهم حرروا البحرين وجلبوا الهوية العربية للجزيرة. وفي واقع الأمر، فإن المؤلف يُظهر أن الشيعة كانوا يتمتعون بتقليد طويل ومتميز في كل من البحرين والقطيف والحسا، يتمثل في نظام الوقف الواسع، وهو نظام زراعي متطور، وكذلك في شبكات التجارة عبر منطقة الخليج. أما السردية الشيعية النقيضة، فإنها تركز على واقع مجتمعهم المحلي بوصفه ثقافة قديمة ومستقرة أخضعت للقبائل السنية المرتحلة.

في لبنان، كان الشيعة، تاريخيا، هم الأكثر تعرضا للاضطهاد، من بين سبع عشرة مجموعة طائفية تشكل الدولة الحديثة. ولأنهم موزَّعون جغرافيا بين وادي البقاع وجبل عامل، فإن شيعة لبنان لم يكونوا قادرين على ممارسة قوة سياسية ذات تأثير، وبخاصة تحت حكم عثماني معادٍ. وعلى أي حال، فبحلول العام 1975 ، أصبح الشيعة أكبر مجموعة إثنية تعيش في بيروت. وكانت حركة «أمل » تتحدى السيطرة الإسرائيلية في الجنوب، بعد أن كان الإمام الصدر ذو الشخصية الكاريزمية قد تسلم قيادة الطائفة. وفي أواخر الثمانينيات برز حزب الله بوصفه قوة ذات نفوذ في النظام السياسي اللبناني.

جدل البروفيسور نقّاش الخاص بتحرك الشيعة المنظم في البحرين ولبنان لتحدي وضعهم الدوني، يتصف بكونه يقدم قراءة مقنعة، فهو يتجاوز في تحليله الإضاءة الثقافية الضيقة، ويلقي الضوء على المشاكل الاقتصادية والسياسية التي واجهت المجتمعات المحلية العربية السنّية. ويشكل عقد التحالفات بين الشيعة والسنة في البحرين، وكذلك بين الشيعة وبين مجموعات طائفية أخرى في لبنان، بارقة أمل للمستقبل. يبدو المؤلف أقل إقناعا حين يتناول العراق، فأولاً، كان كثير من شيعة العراق علمانيين تماما خلال الفترة الحديثة، وبخاصة الطبقة الوسطى المتعلمة والعمال. كان ذلك واضحا تماما قبل الحرب العالمية الأولى حين سعى وجهاء السنة والشيعة إلى تأسيس نظام تعليم وطني علماني، وفي كثير من الاتحادات العمالية المختلطة التي شكلت في العشرينيات وما بعدها. وعلى أي حال، فإن الأصوات العلمانية لم تلق سوى قليل من الاهتمام، مثل: تاجر الأرز البارز وزعيم الحزب الوطني جعفر أبو التمن، وحامل لواء إصلاح التعليم فاضل الجمالي، وعميد المؤرخين العراقيين عبد الرزاق الحسني، والقائد البعثي عبد الخالق الركابي، وعلي صالح السعدي، وشعراء ومصلحون يساريون مثل: محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي. هذا الإهمال يثير قضية مفهومية مهمة: هل يمكن إهمال الشيعة من النشطين سياسيا - ولكن العلمانيين - واستثناؤهم من نموذج يركز على الجهود الشيعية للحصول على نفوذ سياسي في المجتمع العربي؟ أم إن أولئك الشيعة الذين يعرّفون عن أنفسهم بوعي ذاتي من خلال رباط ديني، ويقومون بممارسة أعمال من خلال تنظيمات ومؤسسات دينية، هم فقط الذين يجب أن يُدرجوا في إطار هذا النموذج؟ ثانيا، تركز مناقشات الوضع العراقي

على التقسيم الطائفي أكثر مما تركز على عمليات الاندماج السياسي، فمثلا، يركز البروفيسور نقّاش على تقليل الدولة ذات السيطرة السنّية، من شأن الدور الشيعي في حدث مركزي في التاريخ العراقي الحديث، هو ثورة العشرين. وبالنسبة للكاتب، فإن التأريخ للانتفاضة، وبخاصة في أعمال نُشرت خلال التسعينيات، في ذروة دعوة صدام حسين للعلمانية، لدعم دوره، إنما كان مؤشرا ليس فقط على تهميش الشيعة سياسيا، بل وعلى قوة التبعية الطائفية في العراق. على أي حال، فإن تأريخا بديلا للثورة، الذي يشدد على طبيعتها العامة والمختلطة إثنيا، لم يُطرح للنقّاش. هذا التأريخ يبدو واضحا في أعمال مثل كتاب محمد مهدي البشير «تاريخ القضية العراقية »، وكتاب عبد الرزاق الحسني «الثورة العراقية الكبرى ،» وكتاب عبد الحسين المبارك «ثورة العشرين في الشعر العراقي »، لكن أهم دراسة حول الانتفاضة، هو كتاب وميض عمر نظمي: «الجذور الاجتماعية والثقافية والسياسية لحركة الاستقلال العراقية، »1920 ، وهي رسالة دكتوراه قُدمت لجامعة درم ونُشرت بالعربية العام 1984 ، وتنظر إلى الانتفاضة من وجهة نظر قومية. إن احتفال الشيعة والسنة بأعيادهم الدينية الخاصة، والصلاة في مساجدهم الخاصة بهم، وتشجيعهم اليهود والمسيحيين على الانضمام إلى التظاهرات الوطنية، لأنهم هم أيضا مواطنون عراقيون كاملوا المواطنة، ينظر إليها العراقيون بوصفها مؤشرات على عراقية الثورة أكثر من كونها مؤشراً على الطبيعة الطائفية. في هذا التأريخ، لا يتم التركيز على دولة سنّية ساعية إلى قمع ذاكرة الانتفاضة الشيعية، بل على العراقيين شيعةً وسنة )وجماعات إثنية أخرى( المجتمعين في إطار مشروع قومي في العشرينيات للنضال ضد دولة إقصائية وأسيادها البريطانيين. بين 1920 واضطهاد حزب البعث لها في العام 1963 ، شدد جناح الأغلبية في الحركة الوطنية العراقية على التعاون الإثني المختلط ومعاداة الطائفية، فقد كانت ثورة العشرين تستحضر بوصفها نموذجا للأنشطة القومية، سواء كان ذلك في الإضراب العام في 1931 ، أو الوثبة في العام 1948 ، أو انتفاضتي 1952 و 1956 . وبالنسبة للعراقيين الساعين إلى استخدام الماضي لنشر تعددية سياسية، وتسامح ثقافي وديمقراطية، فإن تاريخ العلاقات السنية الشيعية ليس قضية أكاديمية فقط، بل هو تاريخ له مضامين سياسية مهمة لحقبة ما

بعد البعث في العراق. وكما يشير عنوانه فإن كتاب «الوصول إلى السلطة »، يرنو إلى المستقبل، والسؤال المركزي هو عما إذا كان الشيعة في البلدان العربية، سوف يسعون إلى السلطة بوصفهم جماعة إثنية موحدة، تحت قيادة دينية، أم سيتبعون استراتيجية لإبرام تحالف سياسي علماني واسع مختلط الإثنية، مثل البحرين التي يغطيها المؤلف بالتفصيل )وهو ما أجادل بأنه ميز كثيرا من السياسات العراقية الحديثة أيضا(. ويرى كثير من العراقيين بأن صدام حسين وحزب البعث لم يكونا قادرين على تدمير الحوزة، المؤسسة الدينية الرئيسية لشيعة العراق، بسبب مكانتها الجليلة واستقلالية مواردها، والتي تحصل عليها من الشيعة الخلص، وكذلك من حجاج أجانب يزورون العتبات المقدسة الشيعية في العراق. ويجادل العراقيون بأنه ما إن يشعر الشيعة العراقيون أنهم أكثر راحة في ممارسة السلطة السياسية، فإن اعتمادهم سوف يصبح أقل على رجال الدين، وسوف يتحولون أكثر إلى التنظيمات العلمانية التي كانت بطيئة في تنظيم نفسها منذ العام .2003 لقد وثق إسحق نقّاش نضال شيعة العالم العربي وحلله، ومع ذلك، فإن طريقا ما زالت أمام الشيعة ليقطعوها قبل أن يجدوا المساواة الاجتماعية والسياسية في العالم العربي. وسواء تابعوا هذه المساواة عبر شروط طائفية ضيقة، أو من خلال تحالفات أوسع مختلطة الإثنية، فإن هذا يحتاج كثيرا من البحث الإضافي.

* قسم العلوم السياسية، جامعة روتجرز، نيو برونزويك، نيوجيرسي. بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط

International Journal of Middle East Studies

المجتمعات الشيعية: التقسيم الطائفي والاندماج السياسي
 
26-Feb-2009
 
العدد 65