العدد 65 - دولي
 

ستيفن غلين

هنالك على الأقل، تجارة واحدة لا تبور: بيع الأسلحة للعرب. معرض ومؤتمر الدفاع الدولي التاسع الذي عقد الأسبوع الماضي، وهو أكبر معرض

للأسلحة في الشرق الأوسط، كان الأكبر الذي يعقد على الإطلاق. حيث توجه آلاف من منتجي الأسلحة والباحثين عن شرائها، إلى مدينة أبو ظبي للتمتع ب”الحلول الدفاعية”- سك التعابير الملطفة هو أحد فنون صناعة السلاح المعروضة. ويعتبر المعرض المعروف باسم آيدكس IDEX القبلة المقدسة لبيع السلاح هذه الأيام؛ فشهية الحكومات العربية للأسلحة الجديدة لا تهدأ، على الرغم من الركود العالمي وتدهور أسعار النفط، والعراق الهش الذي تمزقه الحرب أصبح سوقا نامية في هذا البازار.

وسرعان ما ستتسلم بغداد أسلحة بنحو 11 بليون دولار هي قيمة الصفقة الجديدة، بما في ذلك طائرات نقل من طراز سي 130 ، وطائرات هليكوبتر هجومية مزودة بصواريخ مضادة للدبابات. وحجر الزاوية في هذه الصفقة هي دبابة إم آي، التي سيشتري العراق 140 منها، هي التي يوجد بعض أنواعها، وبأعداد أكبر بكثير، في مصر والمملكة العربية السعودية والكويت. وعلى أي حال، فحتى طلب عدد إضافي من دبابات

إم آي، سوف يكون كافيا لإعطاء فسحة لجار العراق ومنافسه القديم إيران. ولا شك أن الإيرانيين يتذكرون جيدا الرعب الذي سببته لهم جيوش صدام حسين في حربهم معه، والتي استمرت طوال عقد الثمانينيات بأكمله تقريبا، وتسببت في مقتل نحو نصف مليون شخص، كثير منهم من المدنيين.

ليس لدى إيران سوى القليل مما تخشاه، على الأقل الآن، فمئات من دبابات إم آي، أو نحو ذلك، بالكاد تمثل تهديدا لإيران الجبلية الشاسعة المساحة. )إلى جانب ذلك، فإن المتفجرات التي صممتها إيران للمسلحين العراقيين تمكنت من اختراق دروع دبابات إم آي.( وفي الحقيقة، فإن ثمة احتمالا بأن ترسانة الأسلحة التي يفاوض العراق الولايات المتحدة على شرائها، ستنشر ضد التحديات المحلية التي تهدد السلطة في بغداد – استيلاء كردي على كركوك المتنازع عليها، مثلا – أكثر منها ضد أي تهديدات خارجية. وعلى أي حال، فإن المدرعات ذات المحركات والنقل الجوي، يعطي بغداد القدرة على عرض للقوة يزيد على نصف قطر مداه 200 كيلو متر، وهو المدى الذي حدده البنتاغون للجيش العراقي. إضافة إلى ذلك، فإن شراء بغداد لدبابات إم آي وأسلحة أخرى أميركية الصنع، سوف يخلق حبلا سريا وثيقا يربط بين البلدين، ويستمر طويلا بعد انسحاب الجزء الأكبر من القوات الأميركية من البلاد. وقبل زيارة لواشنطن قبل نحو أسبوعين، أبلغ وزير الدفاع العراقي المراسلين الصحفيين بأن العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، يمكن أن تكون نموذجا للعلاقات العراقية الأميركية. )ملاحظة للعراقيين: وصلت القوات الأميركية إلى شبه الجزيرة الكورية في العام 1951 ، وهي لا تظهر أي بادرة لانسحاب قريب في أي وقت.(

“مع كل هذه المعدات، تأتي الحاجة إلى الصيانة وقطع الغيار من الولايات المتحدة”، يقول ناثان هيوز، المحلل السياسي في شركة الاستخبارات العالمية، ستراتفور. “فهي تقيم أسسا للتعاون والتدريب والتطوير وكذلك للروابط العقيدية. وهذا ما يعطي الولايات المتحدة موطيء قدم في العراق.” الولايات المتحدة ليست وحيدة، ففرنسا، مثلا، التي كانت هي وروسيا، مزودا رئيسيا لصدام حسين، أرسلت إشارات موافقة لمساعدة بغداد على إعادة تسليح نفسها، ولا يبدو أنه لم يكن هناك كثير من التجارة في كل أرجاء المنطقة. ففي العام 2007 ، وفرت إدارة بوش وغيرها من الحكومات أكثر أنواع الأسلحة تطورا لدول الخليج بأسعار مخفضة لموازنة الخطر الإيراني المحدق. وردت الحكومات العربية بإظهار شغفها، وخصصت ما يناهز 20 بليون دولار لطلبات الأسلحة “بدافع الخشية”، بحسب صحيفة واشنطن بوست، “من أن المواقع العسكرية الأميركية على أراضيها سوف تجعل منها أهدافا في أي حرب أميركية مع إيران. وما الذي يمكنه أن يكون أكثر “أورويللية” من ذلك؟ شراء أسلحة

لحماية نفسك من خطر محدق بك لوجود أسلحة أخرى.

لكل بلد مسؤولية حماية نفسه، وبخاصة في منطقة خطرة مثل الشرق الأوسط، ولكن مع كل هذا الفرك للأيادي حول طهران بوصفها “قوة إقليمية” والتهويمات المشوشة لرئيسها محمود أحمدي نجاد، فإن من الجدير ملاحظة أن إيران واحدة من أكثر البلدان هشاشة في العالم، فاقتصادها “مبلقن” من جانب الباسدران الحرس الثوري الإيراني، الذي أقام لنفسه إمبراطورية تجارية خاصة به والبونياد، أي الجمعيات الخيرية التي يديرها وزراء سابقون يغذون أنفسهم حتى التخمة على برامج خصخصة غارقة بالفساد. ويعاني الشباب من وباء الأيدز ومن نسب مرتفعة من حالات الإدمان على المخدرات، ومستوى من البطالة يناهز 20 في المئة. ويتزايد عدد البالغين المنخرطين في سوق العمل بنسبة 4 في المئة في العام، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم. وتتضاعف نسب التضخم، في ظل معونات يتم الإنفاق عليها من عائدات النفط. وفي الوقع أن إيران لا تستطيع حتى اعتبار ثرواتها النفطية أمرا مسلما به، فبسبب انخفاض مزمن في حقول الطاقة في البلاد، فإن من المتوقع أن تصبح طهران مستوردا للنفط

بحلول العام 2020 . وبعيدا من أن تكون أوتوقراطية متماسكة وعملاقا جيوسياسيا، فإن إيران منخورة اقتصاديا، بل إنها عمليا، غير قابلة للحكم.

كل هذا يقع موقعا طيبا على إسرائيل والمؤسسة الحاكمة في العالم العربي، والذين يجلسون مع وكلاء إيران: حماس وحزب الله. ولكن هذه أخطار متفاوتة تصبح معها الدبابات وطائرات الهليكوبتر الهجومية مشكوك في جدواها، كما أثبتت حرب إسرائيل على غزة التي لم تكن حاسمة، وحربها الفاشلة على جنوب لينان عام 2006 . والقول نفسه ينطبق على طموحات إيران النووية، التي هي نتاج الأنا الفارسية، والشعور بعدم الطمأنينة، مع غياب إعلان منطقة الشرق الأوسط بوصفها منطقة غير نووية، وهو أمر لا يتجاوز احتمال حدوثه احتمال إقامة جناح في آيدكس. )من المفارق أنه توجد مقاتلات نفاثة سعودية وإماراتية بتكنولوجيا ومعدات إسرائيلية(. مع التخفيضات التي أجريت على ميزانية صفقة الأسلحة التي أجراها البنتاغون، والتي تناهز 100 مليون دولار، يبقى الشرق الأوسط منطقة إثراء كبير بالنسبة لمتعهدي الدفاع الأميركيين، وهم يشكرون على ذلك بوجود شخص في المنطقة مثل أحمدي نجاد. وقد يكون “منفذ السلاح في فترة ما بعد 9/ 11 ” كما وصفه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، قريبا من الإغلاق، ولكن يبقى هناك فيض من الصفقات التي يجب إبرامها في العالم العربي. وبالطبع، فمع عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، يصبح ممكنا أن الأسلحة التي بيعت لنظام ما اليوم، أن تنتهي إلى أيدي ظام آخر مختلف تماما بعد سنوات.

يطلق الصينيون على هذا عبارة “نثر بذور التنين".

الأسلحة تجارة لا تبور في العالم العربي
 
26-Feb-2009
 
العدد 65