العدد 65 - اقليمي
 

معن البياري

ربما هي المصادفة زامنت إعلان قائد القوات البحرية الإيرانية العميد حبيب الله ساري، عن «حضور مقتدر » بدأه أسطول بلاده البحري في المياه الدولية الحرّة، للحفاظ على مصالح إيران، مع إطلاق حجة الإسلام علي أكبر ناطق نوري، رئيس مجلس الشورى )البرلمان( السابق والمفتش الخاص في مكتب المرشد كلامه أن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة لإيران، ما قد يحيل إلى البديهية المؤكدة، وهي أن تعاظم قوة الجمهورية الإسلامية المطرد يوقظ لدى بعض نخب المؤسسة الحاكمة في طهران ذلك النزوع الإيراني القديم نحو التوسع والمزيد من بسط النفوذ، وتعكس الإحالة إلى محطات من التاريخ الفارسي أشواقاً إليه. واللافت أن ما جهر الشيخ نوري به كان في معرض مقارنته بين إنجازات الثورة الإسلامية، وعهد الملكية التي قال إنها فرطت بمقدرات إيران وبأراضيها. كما حسين شريعتمداري، المستشار الإعلامي للمرشد، لما كتّب في يوليو/تموز 2007 في صحيفة «كيهان » أن للبحرين حسابا منفصلا عن دول مجلس التعاون في الخليج، لأنها جزء من الأراضي الإيرانية، تناسى ناطق نوري أن أهل البحرين اختاروا بأكثرية عالية في استفتاء أشرفت عليه الأمم المتحدة العام 1970 الاستقلال عن الحكم البريطاني،

ورفضوا خيار التبعية لإيران، وبذلك صار لبلدهم كيانه السياسي، وسيادته، وعروبته، وعضويته الكاملة في الأمم المتحدة، وبذلك أكدوا عدم صلتهم، جميعا شيعة وسنة، بالأمة الفارسية وبإيران. وامتنع الشاه محمد رضا بهلوي بداية عن الموافقة على إجراء الاستفتاء، بحجة خضوع جزيرة البحرين لحكم الدولة الصفوية بشكل مباشر أو بالوكالة، لنحو قرنين من العام 1602 إلى 1783 ، وعمل الراحل الملك الحسين على إقناع الشاه بقبول إجراء الاستفتاء. وإذ يقول ناطق نوري إن مقعدين كانا للبحرين في برلمان بلاده في تلك العقود، فقد كان الشاه الذي أسقطته الثورة من خصصهما، وظلا فارغين، إلى أن تم انسحاب بريطانيا من شرق قناة السويس بعد حرب 1956 .

وفي وسع من تستهويه من ملالي الحكم في إيران نزعات التفوق والاستقواء، أن يستدعي من التاريخ أن أذربيجان الراهنة التي كانت إلى القرن التاسع عشر أراضي إيرانية باعتها الدولة القاجارية إلى روسيا، وأن مملكة إيران امتدت أحياناً إلى أجزاء كبيرة من أفغانستان ودول أخرى في آسيا الوسطى. غير أن ذلك كله وغيره يستحيل أن تتوافر له مسوّغات لإطلاق الدعاوى التي من قبيل ما رماه ناطق نوري، وكذلك حسين شريعتمداري، الذي قفز عن الحقائق الراهنة وبديهيات التاريخ والجغرافيا، وكتب «أن المطلب الأساسي للشعب البحريني حالياً إعادة المحافظة الرابعة عشرة إلى الوطن الأم ». والمدهش أن الحكم في إيران عمد في واقعتي نوري قبل أيام وشريعتمداري قبل عامين إلى التوضيح أنهما عبرّا عن رأييهما، وأن الحكومة الإيرانية ملتزمة تماماً باستقلال البحرين وسيادتها وكيانها، من دون أن يتراجع الإثنان عما قالاه، وهما من المقربين إلى المرشد الأعلى وكبار مستشاريه. تداعت الخارجية الإيرانية والمستشار البارز علي لاريجاني )هاتف عمرو موسى في هذا الخصوص(، ومسؤولون آخرون، لتوضيح عدم صلة الحكم في طهران بما قاله نوري، وأكدوا الاحترام الكامل للبحرين وسيادتها واستقلالها، والحرص على دوام التعاون وأفضل العلاقات وحسن الجوار، وتسلمت المنامة رسالة رسمية، أكدت على مضامين زيارة وزير الخارجية منوشهر متقي للبحرين بعد مقالة شريعتمداري قبل نحو عامين، وجاءت التصريحات الإيرانية الجديدة على الزيارة المهمة التي بادر إليها الرئيس محمود أحمدي نجاد للبحرين العام 2008 . يذكر أن بين طهران والمنامة اتفاقية أمنية مشتركة وقعت في كانون الأول/ديسمبر الماضي، واتفاقاً على صفقة ضخمة لبيع الغاز الإيراني للبحرين، وإنْ علّقت المنامة قبل أيام المحادثات بشأنها احتجاجاً على تصريحات ناطق نوري. واللافت أن الحكومة

البحرينية تلقت التوضيحات الإيرانية بمقادير من التفهم، وإن لم تخف غضبها، وبلغةٍ بدت هادئة نسبياً وأقل حدّة من البيان السعودي الرسمي الذي دان الزعم «المتكرر » بتبعية مملكة البحرين لإيران.

الاستقواء على البحرين باستدعاء التاريخ إلى الخدمة
 
26-Feb-2009
 
العدد 65