العدد 65 - الملف
 

هاشم غرايبة

في ربيع عام 1980 ، انطلقت مسيرة “فرقة المحطة 80 للتمثيل المسرحي” من ساحة سجن المحطة بكادر بسيط محدود الإمكانات. ما كنا نعرف وقتها أننا سنخلق من مثل هذه الإمكانات المتواضعة والكادر المسرحي صفر التجربة في معظمه، عاصفة كالتي أثارتها الأعمال المسرحية التالية: كان وما يزال، الباشا باشّاً، غريب الدار، الباب المسحور، مصرع مقبول ابن مقبول، لف الدنيا وارجع هون!

هل كانت تلك عاصفة في فنجان؟ لا، بل كانت تجربة مميزة أثرت بكل من ساهم في نجاحها سواء من الممثلين أو المشاهدين أو إدارة السجن. كما شكلت ظاهرة جديدة في المسرح الأردني.

لا ادري كم عدد رواد المسرحيات الناجحة في عمان آن ذاك، لكن رواد مسرح المحطة 80 لم يكن يقل عن 3000 متفرج هم نزلاء السجن وكوادر إدارته. طبعا هذا ليس تفاخرا، فنزلاء السجن – ولهم حبي واحترامي أيا كانت أسباب سجنهم - كانوا هم الرواد والنقاد وكان لديهم الحافز والوقت للفرجة على مسرحياتنا بغض النظر عن جودتها. لكنهم كانوا جمهورا متفاعلا ومنضبطا دوما.. حتى يوم فشل العرض الأول لمسرحية غريب الدار- وهي المسرحية الثالثة في سلسلة أعمالنا- صفقوا لنا طويلا وتفهموا ارتباكنا. لقد ساهمت فرقة المحطة 80 في خلق أفق أوسع لنزلاء السجن وأرست حالة تضامن ايجابي بين النزلاء وتفهم وتعاون لحل المشاكل والإشكاليات المعيشية العالقة بين إدارة السجن بقيادة العميد غالب الضمور من جهة، و”نقيب المساجين” الرفيق نبيل جعنيني رئيس اللجنة الثقافية المنتخب، أدام الله عافيتهما ومدّ في عمرهما. الإمكانات المتوافرة لإنتاج عمل مسرحي كانت بسيطة وعادية، ولكن الأفكار كانت مذهلة في تطويع الصعاب؛ والحلول الفنية كانت عملية وناجحة: مجموعة من الطاولات والخزائن والمقاعد الخشبية والبلاستيكية وشراشف عادية جدا وبطانيات زينت بلوحات من إبداع النزلاء، بالإضافة للاستفادة من أجساد الممثلين وسهولة تشكيلها وتلوينها، كان ذلك كل عدتنا في خلق مناخ مسرحي يتبدل بسرعة ومرونة ودقة ليلائم المشهد المسرحي! جمعت هذه الأعمال المتناقضات: الجد والهزل، البعد الخاص للسجن والبعد العام للحياة، الأغنية الخفيفة والسؤال الفلسفي، الايجابي والسلبي. واستطعنا الاستفادة إلى أبعد حد من خلق التجانس والانسجام بين المواهب المختلفة والأفكار المتناقضة، وظلت الصلابة المرنة التي كان يتمتع بها قائدنا نبيل

جعنيني هي الأساس الذي كان يقودنا جميعا إلى التماسك والاستمرار من نجاح إلى آخر.

في عام 1983 شاركت فرقتنا في مسابقة مهرجان المسرح الأردني بمسرحية مصرع مقبول ابن مقبول المقتبسة عن قصة الشاعر عرار، وحضرت لجنة التحكيم إلى السجن: سهيل الياس، احمد شقم، نجدت أنزور وحاتم السيد. وفازت مسرحيتنا بالمركز الأول. اعتمادا على الذاكرة سأذكر أسماء بعض نجوم فرقة المحطة 80 : مهندس الديكور الفنان مروان العلان ويساعده خضر )..( وكان خضر شابا أخرس ولكن كانت لديه حلول مذهلة لمشاكل الديكور والحركة على المسرح، والمطرب محمد عاشور الذي كان مقعدا لكن صوته كان ساحرا، يسانده عدد من الموسيقيين المحترفين نسيت أسماءهم منهم شاب مصري كان يعلمنا العزف على العود. كنت أنا المؤلف والمخرج وكان عماد ملحم يتولى الإنتاج والمتابعة ويساعد في الإخراج، اللوحات الراقصة والدبكات: باسم بلعاوي، وأمين المرايات. الممثلون:علي الطويسي وسلمان النقرش وحسن ذياب ومحمد فضيلات. عذرا، أكاد استحضر وجوه كل من شاركونا التجربة، ولكن الأسماء تغيب عن ذاكرتي الآن. أرجو من كل من ساهم معنا في هذه التجربة أن يكتب لي عن ذكرياته مع فرقة المحطة 80 على بريدي الإلكتروني المدرج أدناه لغايات توثيق التجربة.

لقد استطاعت فرقة المحطة 80 أن تقدم مسرحا تنويريا بسيطا بلا كلفة ولا تمويلات، لكنه أسعد بشرا كانوا بحاجة لفضاء أوسع من قضبان السجن بكل صفاء وصدق.

فرقة المحطة 80: فضاء في سجن
 
26-Feb-2009
 
العدد 65