العدد 65 - الملف
 

عزيز حنا

ما زال يدور الجدل، حول التمويل الأجنبي لقطاع الثقافة في الأردن وبعض الدول العربية. ورغم مضي أكثر من عقدين من الزمن على بدايته في الأردن، فقد بقي التمويل حالة استثنائية في البلاد. وتشير تجربة منظمات المجتمع المدني ومراكز الدراسات السياسية والاجتماعية إلى أن التمويل الأجنبي يتركز على فعاليات، وأنشطة محددة كالفنون البصرية، والموسيقى ويبتعد عن دعم مشاريع ثقافية طويلة الأمد. بشار الخطيب، مستشار إعلامي لعدد من المشروعات الممولة أجنبيا، يشير إلى أن المنظمات الأجنبية التي موّلت مشاريع في عقد التسعينيات كانت قد تلقت مخاطبات من مؤسسات أردنية واكتفت بتمويل عدد قليل من العروض المسرحية.

بعد ذلك، أصبح التمويل يتم عبر مراكز ثقافية أجنبية لها فروع في الأردن كمعهد ثربانتيس ومعهد غوته، لكن أبرز جهات التمويل كان المركز الثقافي الفرنسي والمعهد الثقافي البريطاني والاتحاد الأوروبي واليونسكو، وتركز تمويل هذه المراكز على قطاع المسرح والموسيقى وبعض الأفلام الوثائقية.

التمويل ينحصر، في الغالب، في الفعاليات الفنية وليس في مشاريع كاملة، كما في يوم الموسيقى العالمي -على سبيل المثال- إذ يدعم الاتحاد لأوروبي فرقا موسيقية للقيام بحفلات معينة، وفي قطاع المسرح كان التمويل لبعض الأعمال التي تتبنى نصوصاً لكتاب أوروبيين، فكان المخرجون الأردنيون يخاطبون السفارة التي ينتمي لها هذا الكاتب ويحصلون على دعم جزئي إلاّ في حالات نادرة.

ينبه الخطيب، الذي عمل مديراً لإنتاج العديد من العروض المسرحية المموَّلة، إلى أن المموِّل كان يهتم فقط بالنص، ولم يلحظ تدخله في القضايا الإخراجية أو حتى طبيعة المعالجة الفنية للنصوص، فليس هناك أي متابعة للبروفات والتجهيز للعمل المسرحي قبل عرضه. واقتصر تمويل السينما أو الأفلام الوثائقية، بحسب الخطيب، على تبني قضايا ذات علاقة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والعنف الذي تتعرض له، أو تلك التي تنتقد الجوانب السلبية لظاهرة ما في المجتمع الأردني، ما يعني قبول فكرة العمل أو رفضها بدايةً. الخطيب يرى أن المخرجين المسرحيين

استطاعوا – إلى حد بعيد- الابتعاد عن الالتزام باشتراطات معينة تترتب على التمويل، بينما يطلب من مخرجي الأفلام الوثائقية، في كثير من الأحيان تعديلات معينة عندما يقدمون تلخيصاً لأفلامهم، وأحياناً يكون مصيرها الرفض.

في بعض الحالات يتوقف التمويل في مرحلة من مراحل العمل لأسباب لها علاقة بمضمون العمل أو سير الإنتاج، والخطأ يتحمله الجانبان، بحسب الخطيب، الذي يؤكد أن «التمويل الأجنبي للثقافة في الأردن لم يصبح حالة ناضجة كما في قطاعات حقوق الإنسان والمشاريع السياسية، لذلك بقيت

العلاقة ملتبسة بين المموِل والمموَل، ولم يتكاشفا يوماً حول طبيعة العلاقة التي تجمعهما .»الروائية فيروز التميمي، مديرة الصندوق العربي للثقافة والفنون، ترى أن «التمويل هو دائماً العائق أمام أي مبدع أو مؤسسة تعمل في قطاع الفن أو الثقافة، لتنفيذ فكرته أو تحويل شغفه إلى منتج فني/ثقافي قابل للتداول خارج رأس صاحبه »، وتضيف: «لذلك، فإن محرّكنا كمؤسسة وكأفراد هو إيجاد صندوق عربي ومستقل يعيد الأولوية

للكفاءة ولمبدأ الإبداع، وليس لأي اعتبارات أخرى .»

ترفض التميمي أي شكوك تتناول آلية تقديم الدعم، مؤكدة أن «الصندوق يتعامل بجدية متناهية في ما يتعلق بعملية الدعم، من خلال إنشاء لجان تحكيم مستقلة من دون تدخل من أي نو ع .» وفي ما يتعلق بالتمويل الخارجي الذي يتلقاه الصندوق العربي، تشير التميمي إلى عدم رفض التمويل الخارجي غير المشروط، الذي يحترم وسائل تقييمنا الموضوعية المستقلة والذي يعطي الأفضلية للمشاريع ذات الطابع العربي، مع العمل بجهد أكبر ليكون الإسهام العربي المؤسسي والفردي أكبر. وحول التدقيق في طبيعة التمويل، ترى التميمي أنه «ليس هناك أجانب في لجان التحكيم وليس هناك أي تدخل لأي جهة رسمية عربية أو أجنبية في عمل لجان التحكيم ومجلس الإدارة لأننا لا نقبل بأية شروط من الداعمين، فالصندوق العربي لا يفرض أية شروط على أصحاب المشاريع التي يدعمها »، وتستدرك التميمي قائلة: "باستثناء شرط وحيد هو ألا يتلقى المشروع دعماً من أية جهة إسرائيلية وهذا الشرط بالذات يوضع على المشاريع المقدمة من فلسطين المحتلة".

تبقى مساحة الالتباس قائمة حول طبيعة التمويل الأجنبي وآلياته وأهدافه في الأردن، ما لم يتم الإعداد للقاء مفتوح بين الجهات الممولة والمبدعين – القابلين للفكرة والرافضين لها- كما حدث في بيروت قبل ثلاث سنوات، حيث استطاع المجتمعون الخروج عن صمتهم ومناقشة جميع الأمور التي تثير الشك أو تجلب الشبهة.

التمويل الأجنبي: التباس مصدره سوء الفهم
 
26-Feb-2009
 
العدد 65