العدد 65 - الملف
 

نهاد الجريري

في تموز 2004 عرض الفيلم الأردني "ما خِلِص"، في إحدى أكبر صالات العرض في

عمان،واستمر العرض عشرة أيام متواصلة. "كان الناس يتهافتون على حضور هذا الفيلم الذي صنع في الأردن من ألفه إلى يائه"، تقول مخرجة ومنتجة الفيلم غادة سابا، فالفيلم شكل "هاجسا" لديها ولأصدقائها ممن ساهموا في هذا العمل، من دون أن يتوافر لديهم "دينار واحد" كتمويل، فقد كان العمل تطوعيا بالكامل.

من هذا الجهد التطوعي خرجت سابا بشركة "أفلام بلا ميزانية"،التي انبثق عنها مشروع "المسيرة" The Walk لتدريب الشباب على العمل السينمائي ولرعاية أعمالهم. سابا أطلقت "مسيرتها" في عمان والعقبة، والآن تطلقها في مادبا.

مثل هذه الجهود والمبادرات الفردية شكلت الخطوط الأولى لوجه السينما الأردنية في هذه الألفية. إذ كنا قد شهدنا أفلاما أردنية تنافس على مستوى إقليمي وعالمي، مثل "إعادة خلق" لمحمود مساد، ابن الزرقاء الذي وثق فيه لحياة رجل من المدينة اسمه "أبو عامر" عاد للتو من أفغانستان، وفيلم "الكابتن أبو الرائد" لأمين مطالقة، وفيلم "المشهد" لحازم البيطار ورفقي عساف. التجربة والتطوع ما يزالان السمة الأبرز في العمل السينمائي الأردني، وهو ما يتجلى في الأفلام القصيرة التي يجري العمل على إنتاجها برعايات من مؤسسات مثل: الهيئة الملكية للأفلام، وشركة الخط الرمادي، وتعاونية عمان للأفلام.

تكلفة إنتاج فيلم قصير مثل "فراشة" لا تتجاوز مدته 15 دقيقة تبلغ من 10 إلى 15 ألف دينار، إلا أن الفيلم أنجز بنفقات لا تتجاوز 300 دينار دفعها المخرج الشاب محمد حشكي من جيبه الخاص لتأمين نفقات التنقل، الطعام والماء، بعد أن تبرع الطاقم والممثلون بالعمل. لم يكن حشكي لينجز هذا العمل وليعده باكورة أعماله لولا مساعدة الهيئة الملكية

للأفلام، التي وفرت معدات من كاميرات وإضاءة يكلف استئجارها ما بين 300 و 400 دينار في اليوم الواحد.

على خطى حشكي سارت عزة الحوراني، التي أخرجت وأنتجت فيلمها الجدلي القصير

«رمادي ». تدور أحداث الفيلم حول فتاة تصلها رسالة إعجاب من فتاة أخرى. بلغت تلكفة الفيلم 200 دينار فقط، تبرع بها طاقم العمل، بمن فيهم طالبات المدارس والجامعات اللواتي تطوعن للتمثيل. أما سعيد نجمي، فيتحدث بكثير من الفخر عن فيلمه "الجانب الآخر من حينا" The Other

Side of my Neighbourhood المعروض على موقع babelgum.com ، ضمن مسابقة تصويت إلكترونية تشارك فيها عشرات الأفلام القصيرة من مختلف أنحاء العالم. بالرغم من أن الهيئة الملكية للأفلام التي تأسست 2003 ، تُعتبر حكومية، فإنها تتمتع باستقلال مالي وإداري يسمح لها بوضع معداتها من دون أي مقابل تحت تصرف الشباب المقبلين على صناعة السينما.

ديما حمد الله، المسؤولة في العلاقات العامة في الهيئة، تقول: "إن هذا الدعم

اللوجستي يشكل حافزا أكيدا للمستقلين الراغبين في إنتاج وإخراج الأفلام". وتضيف أن الهيئة تعمل على الترويج للأردن كبيئة مناسبة لاستقطاب عمليات إنتاج أفلام عالمية، مثل فيلم "المتحولون"Transformersالذي صُور في صحراء رم. الشاب عامر، الذي عمل في هذه الصناعة من خلف الكاميرا، يقول إن الهيئة توفر قاعدة بيانات بالشباب الراغبين في العمل السينمائي. وبالتالي، فإذا رغبت جهات خارجية أجنبية في التصوير في الأردن، فستجد دائما من يتعاون معها، الأمر الذي يمنح الشباب التجربة والخبرة المناسبة، "فبدلا من أن تذهب إلى هوليود، هوليود تأتي إليك".

ويرى محمد حشكي، أن شركات الإنتاج التي تصور في الأردن تنفق ملايين الدنانير هنا، الأمر الذي يُعد في حد ذاته مكسبا للبلد وللشباب العاملين في هذه الصناعة. لكن حشكي يميز بين صناعة السينما وثقافة السينما. ويقول إن صناعة السينما تحتاج رؤوس أموال قادرة على الإنتاج مثل

هوليود في أميركا، وبوليود في الهند، ومدينة الإنتاج في مصر. أما الثقافة فتحتاج إلى تعزيز، بما يحمل الناس على ارتياد دور السينما ومشاهدة فيلم أردني. هذا الأمر سيعود بمردود ربحي على المنتج ويشجع على إنتاج المزيد من الأفلام. وهنا يلحظ أن دور السينما تتركز في عمان، "هذا لا يكفي لصنع فيلم سينمائي أردني يمكن أن يشاهده 100 ألف شخص على

الأقل ليأتي بربح معقول".

في هذا الإطار تعمل الهيئة الملكية للأفلام على تعزيز الثقافة السينمائية في المملكة من خلال إقامة عروشض أفلام متنوعة في المحافظات كافة، إلى جانب عروض الأفلام المقامة في مقرها في مدرج خارجي يتسع لأكثر من 150 متفرجاً. وتنظم هذه العروض بشكل دوري لأفلام عربية وأجنبية بحضور مخرجيها وفي أحيان أخرى بالتعاون مع مراكز ثقافية أو مع سفارات أجنبية مختلفة. كما وضعت الهيئة مشروعا بالشراكة مع المجلس الأعلى للشباب لإقامة عروض أفلام بانتظام في 12 محافظة. قيس إلياس، أحد شريكين أسسا شركة "الخط الرمادي"Gray Scale التي ترعى الشباب السينمائيين، يعتبر أن الهيئة من خلال هذه النوادي "خلقت جمهورا" للسينما. ويلحظ قيس أن المخرجين والمنتجين الأردنيين استغرقوا عشرين عاما تقريبا من 1980 وحتى 2000 ، وهم "يدورون" بين وزارة الثقافة وأمانة عمان والسفارات بحثا عن تمويل لمشاريعهم. ويتابع «بينما مضت بعض الدول العربية في هذا الركب، فشهدنا نتاجا سينمائيا معتبرا في لبنان وسورية وتونس، تجمدت صناعة السينما الأردنية بانتظار دعم حكومي". كان هذا دافعا لإلياس وشريكه عبدالسلام العقاد، لتأسيس الشركة التي لم يمض عليها سوى عامين. الهدف منها إنتاج تلفزيوني تجاري.

لكنهما في الوقت نفسه ينتجان أفلاما قصيرة "بآلية تصوير الفيديو"، وليس باستخدام فيلم خاص يمكن عرضه في السينما. إضافة إلى ذلك، تضع الشركة في حسبانها تقديم الدعم للشباب من صناع السينما. ويقول إلياس إن

الشركة، في نهاية الأمر، تبحث عن الموهبة، "فمتى نمت هذه الموهبة، ترعرعت، عادت بالنفع والفائدة والمردود على الشركة". من النماذج التي ساعدت فيها الشركة فنانين مستقلين، ما رواه عامر الدويك عن شاب أتى من الضفة الغربية وصودرت كل معداته على الجسر، فقدمت له "الخط الرمادي" كل التسهيلات وأنتج فيلما قصيرا عن فتاة وشاب فلسطينيين "ينتظران الموت

بآلة الحرب الإسرائيلية"، فكان الفيلم واسمه: "رقم".

أما تعاونية عمان للأفلام، فقام على تأسيسها حازم البيطار، العام 2003 . يقول البيطار في موقع التعاونية الإلكتروني إنها بدأت ناديا للسينما في 2002 ، وتطورت لتصبح "شبكة" مجتمعية من محبي السينما. لاحقا، بدأت التعاونية في تنظيم ورشات عمل لتدريب الشباب على إنتاج الأفلام السينمائية القصيرة. وهكذا، كان مهرجان الأردن الأول للأفلام القصيرة العام 2004 . الدورة الرابعة للمهرجان عقدت في تشرين الثاني/نوفمبر

الماضي في عمان ومخيم جرش، وتضمنت أعمالا عربية وأجنبية: مثل الوثائقي السويدي «أهلا في الخليل » لتيري كارلسون، والفيلم المتحرك الإيراني «زاوية الصفر » لأوميد خوشنزر، وبالطبع، الفيلم الأردني «المشهد ،» الذي أنتجته التعاونية. يتحدث هذا الفيلم عن

قناص إسرائيلي مُكلف بمراقبة أحد الناشطين الفلسطينيين بغرض تصفيته، لكنه ينشغل بمتابعة إمرأة ورجل فلسطينيين في العمارة المقابلة له، تدور بينهما قصة حياتية اعتيادية. وقد تم تصوير الفيلم الذي يمتد ربع ساعة،

باستخدام كاميرا واحدة مثبتة من جهة القناص. هذه المبادرات الفردية والخاصة باتت تؤسس لحراك سينمائي على مستوى الإنتاج والمشاهدة، الأمر الذي سيدعم الثقافة السينمائية في الأردن. وربما كان خطوة على الطريق إنشاء معهد البحر الأحمر في العقبة ليكون الأول من نوعه في الأردن والشرق

الأوسط الذي يمنح درجة الماجستير في الفنون الجميلة لتخصص صناعة السينما. المعهد استقبل فوجه الأول العام الماضي، ومن المتوقع أن يتم تخريجهم العام 2010.

"أفلام بلا ميزانية" السينما الأردنية: جهد تطوعي للتغلب على نقص التمويل
 
26-Feb-2009
 
العدد 65