العدد 62 - كاتب / قارئ
 

ليس هناك سلطة، لا في الولايات المتحدة فحسب وإنما على وجه الأرض، أعظم من تلك السلطة التي يتمتع بها حفنة من المتنفذين في

وسائل الإعلام في الولايات المتحدة. قد لا تصل السلطة الأمنية إلى بعض المواطنين في بعض الحالات، لكن أحداً لا يستطيع الفرار من سلطة

الإعلام، فهي تدخل كل بيت وعلى مدار الساعة. وسائل الإعلام من صحف ومجلات ومحطات تلفزيونية وإذاعية، ترسم الصورة المراد تقديمها للعالم، ثم تقول للناس كيف ينبغي أن يتعاملوا مع تلك الصورة. كل ما يعرفه المواطن الأميركي -أو يعتقد أنه يعرفه– عن العالم من حوله، يأتي بشكل أساس من وسائل الإعلام تلك. مجلة «الطليعة الوطنية » الأميركية،

تقول في تقرير كتبه كيفن ستورم، ونُشر في العام « :2004 تتعاطى وسائل الإعلام الأميركية مع أخبار الشرق الأوسط وقضاياه على سبيل المثال، بطريقة منحازة وبشكل فاضح. حيث يقوم بعض المحررين أو المعلقين، بزجّ عبارات التأييد لإسرائيل في | سياق كلامهم بشكل سخيف وممجوج، في حين نراهم يلتزمون الحياد عند ذكر الأطراف الأخرى. إنني أجزم أنه ليس هناك شخص لديه الجرأة الكافية ليقول للناس إن حكومة الولايات المتحدة تقف في الجانب الخطأ في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وليس هناك من لديه الجرأة على البوح بأن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 خدمت المصالح الإسرئيلية واليهودية في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى بعض المصالح الأميركية، لذلك تم إرسال قوات إلى العراق لحماية مصالح إسرائيل الحيوية في الشرق الأوسط. جميع وسائل الإعلام تلك تتحدث بصوت واحد وبسياسة واحدة، وكل واحدة تساند الأخرى في صناعة الرأي العام في الولايات المتحدة وتوجيهه .» ملخص تجربتي في الولايات المتحدة الأميركية أنني بتُّ على قناعة تامة بأمرين في هذا السياق: أولهما أن الإعلام الأميركي ومواقف الساسة الأميركان، وبما يُعرف عنهما، هما المصدران، وربما الوحيدان، اللذان يسهمان في تكوين الرأي العام في الولايات المتحدة؛ وثانيهما أن الشعب الأميركي يفتقد إلى الدراية والوعي بحقيقة ما يدور في العالم من حوله.

يقول البروفيسور آرثر شلزنجر، من جامعة نيويورك، في هذا الصدد: «لم تكن الولايات المتحدة نظاماً انعزالياً في ما يتعلق بالاقتصاد والتجارة، فالسفن التجارية كانت وما زالت تذرع عرض البحور السبعة في العالم، ولم تكن نظاماً انعزالياً في الميدان الثقافي والمعرفي، فالكتّاب والفنانون والمفكرون يجوبون أنحاء الأرض منذ القدم، لكن التاريخ يؤكد أنها مارست دوراً انعزالياً في ما يخص السياسة الخارجية عبر تاريخها،

منذ حقبة التأسيس وحتى اليوم .» لا نريد أن نحمّل ما قاله آرثر أكثر مما يحتمل، لكن من المؤكد أن أي دور انعزالي يمارسه أي نظام سياسي، ينسحب بالضرورة على الإعلام ووسائله المختلفة، وهذا ما أظنه يحدث في الولايات المتحدة على وجه الخصوص.

شريف سالم

وسائل الإعلام الأميركية: سلطة رابعة أم أكثر ؟
 
05-Feb-2009
 
العدد 62