العدد 62 - حريات
 

ميسون برهومة

إذا كان تمتع الإنسان بحقه في العيش الكريم، مرهوناً بوجود إدارات حكومية تضع الخطط وتشرف على تطبيقها، فإنه أيضاً مرهون بثقافة المجتمع ومدى إدراكه لضرورة توفير المستوى اللائق من العيش للجميع. سعت الحكومات المتعاقبة، لتحديد «الحد الأدنى للأجور » في المملكة، بما يشمل القطاعين العام والخاص، معتبرة ذلك جزءاً من مساعيها لخفض مستويات الفقر والبطالة، وقد قررت الحكومة مؤخراً رفع الحد الأدنى للأجور من 110 دنانير إلى 150 ديناراً شهرياً، مراعاة للارتفاع الذي أصاب أسعار البضائع والخدمات، وانعكس بوضوح على واقع الحياة المعيشية للأردنيين في الشهور الأخيرة.

لكن هذه الدنانير الأربعين، رغم عدم كفايتها حسبما يجادل البعض، لم تلاق التزاماً لدى بعض أصحاب العمل، كما لم تجد جدية من قبل أصحاب عمل آخرين، أعطوها لعمالهم بيد، وأخذوها منهم بالأخرى!. السبب الرئيسي وراء ذلك يتمثل في ضعف الرقابة الحكومية على تطبيق قرار

رفع الحد الأدنى للأجور، حسبما قال عمّال استطلعت"السجل" آراءهم، وطالبوا أيضاً بأن يراعي الحد الأدنى للأجور الذي تقرره الحكومة، حاجة عائلات العمال لقليل من الرفاء، كونها تنعكس إيجابياً على راحتهم النفسية وسعادة عائلاتهم. أحمد سليمان ) 26 سنة(، عامل في مجال

التحميل والتنزيل، قال إن ارتفاع الأجور لا يتناسب مع ارتفاع الأسعار، لذلك يتمنى لو لم يرتفع أجره في العمل، وبقيت الأسعار على حالها. أما زميله خالد دعسان ) 32 سنة(، فيشير إلى أن «معظم » أصحاب العمل لم يلتزموا برفع الحد الأدنى لأجور، وبعضهم رفع الأجر اسمياً، لكنه وضع شروطاً في عقد العمل الموقع مع العامل، تنص على خصم جزء من الأجر، ناهيك عن أن القرار لم يشمل العاملين بالأجور اليومية.

ثائر القرالة ) 30 سنة(، عامل في ورشة بناء بعمّان، يرى أن أصحاب العمل يستغلون حاجة العمال للعمل، بخاصة الوافدون منهم، فيجبرونهم على العمل مقابل أجر أقل بكثير من الحد الأدنى المفترض، ويطالب في هذا السياق بفرض رقابة حكومية مشددة على أصحاب العمل. أما سامر الراعوش ) 31 سنة(، الذي يشتغل في محل لصيانة الأجهزة الكهربائية، فيؤكد أن ارتفاع الدخل وارتفاع الأسعار لم يكونا متناسبين، ويقترح أن يكون رفع الأجر مرتبطاً بنوعية الحرفة، لا أن يُعمم الأجر ذاته على كل الحرف.

ماذا إذن عن الرقابة الحكومية المطلوبة لضمان تطبيق قرار رفع الحد الأدنى للأجور، والحيلولة دون التلاعب به، وبخس العمّال حقوقهم؟.

هشام الرواشدة، مدير مشروع التدريب والتشغيل الوطني التابع لوزارة العمل، يشرح ما يجري في مجاله بشأن الحد الأدنى للأجور، فيوضح أن مشروع التدريب والتشغيل قُصد منه أن يكون جزءاً من المساعي الحكومية للحد من مشكلتي الفقر والبطالة، بخاصة بين فئات الشباب ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 – 35 عاماً. كما هدف المشروع لتدريب وتشغيل الباحثين عن عمل، ورفع كفاءاتهم وفقاً لمتطلبات واحتياجات الشركات ومواقع العمل. لهذا، تكون البرامج التدريبية موجهة بحسب طلب الشركات، إذ تحدد اتفاقيات التدريب والتشغيل الموقعة بين مشروع التدريب والشركات احتياجاتها من العمالة المطلوبة، وتخصصات تلك العمالة، وخطط التدريب ونمطيته، والالتزامات المترتبة على أصحاب العمل بما يشمل تشغيل الخريجين لمدة عام واحد على الأقل، ومنحهم الرواتب والضمان الاجتماعي والامتيازات الأخرى. وتجري متابعة ما يجري مع العمال بعد توظيفهم، مباشرة على أرض الواقع، إذ يتم إرسال منسقين من برامج المشروع إلى مواقع العمل، للتأكد من التزام أصحاب العمل

بحقوق العمال، على اختلافها، والمتضمنة في الاتفاقيات المبرمة معهم.

الأمر ذاته، بحسب الرواشدة، يجري في المصانع ومواقع العمل الأخرى، إذ تنفذ الوزارة كشفاً دورياً للتأكد من نيل العمال لحقوقهم. ويعتبر الرواشدة أن في الرقابة مصلحة للعمال وأصحاب العمل معاً، لمواجهة الفقر والبطالة من جهة، والتأكد من سلامة العلاقة بين طرفي العملية الإنتاجية من جهة أخرى. أحد أصحاب المصانع قال لـ"السجل" طالباً عدم الكشف عن هويته، إن رفع الحد الأدنى للأجور هو قرار طبيعي وواقعي، بسبب ارتفاع الأسعار عالمياً، لكنه اعتبر أن في الأمر قدر من الاستغلال لأصحاب العمل، إذ لا بد من التمييز بين الأجور بحسب المهنة والحرفة، وهو الأمر المعمول به في معظم دول العالم، لكنه غير قائم في الأردن، فعندها يكون صاحب العمل قادراً على التفريق بين ما يحتاجه وما لا يحتاجه من عمّال وموظفين، حين يتقرر رفع الحد الأدنى للأجور. لأسباب مثل هذه، يتابع صاحب المصنع، فإن صاحب العمل يفضل توظيف العامل الوافد، لأنه أقل كلفة ومطالب، لكنه رغم ذلك يتمنى أن يلاقي أصحاب العمل دعماً كافياً لتوظيف الأردنيين، ذلك أنهم يحوزون ثقة أكبر لدى أصحاب العمل، بحسب تعبيره. أخيراً، يرفض صاحب المصنع مقولة الحاجة لتشديد الرقابة الحكومية، قائلاً «إن وزارة العمل تنفذ رقابة

مشددة، تقوم فيها بتوجيه المخالفات للمصانع والشركات التي لا تلتزم القرارات والإجراءات الحكومية، بما فيها الخاصة بحقوق العمال .»

هكذا، فإن لدى كل طرف من أطراف العلاقة الثلاثة بموضوع الحد الأدنى للأجور، تبريره لما يجري، ويبقى العمال هم «الحلقة الأضعف » في هذه المسألة!.

الحد الأدنى للأجور: عدم الكفاية وعدم الالتزام
 
05-Feb-2009
 
العدد 62