العدد 61 - أردني
 

عطاف الروضان

قرار وزير الشؤون البلدية والقروية شحادة أبو هديب بوقف التعيينات نهائياً، يعيد إلى الواجهة جدلية الترهل في هذه المؤسسات وضعف أدائها، بعد أن تحولت من حاضنات تنموية إلى هيئات توظيف عامة.

الوزير الذي تولى منصبه أواخر العام الماضي، عزا قراره لما أسماه بالحمولة الزائدة التي ساهمت بتراجع أداء المجالس المحلية. فالأصل، بحسب أبوهديب، أن لا تشكل الرواتب «ما يزيد على 35 في المئة من إجمالي الإيرادات الخاصة بكل بلدية » وهي نسبة لم تلتزم بها غالبية البلديات ال ،»99« أقلها بلدية الخالدية شمال المملكة التي تبلغ نسبة رواتب موظفيها 28 في المئة من موازنتها.

رئيس بلدية إربد السابق وليد المصري، يتفق مع الوزير أبو هديب ويقول: «النسبة العالمية للرواتب من ميزانية البلديات تتراوح ما بين 25 - 35 في المئة، وهو بعيد عن الواقع لدينا فنسبة الرواتب إلى ميزانيات عدد من البلديات تتراوح بين 50 - 70 في المئة .» يعيد المصري الإشكالية في التعيينات إلى شخص رئيس البلدية وطريقة إدارته، ويرى أنه «يستطيع أن يقاوم الضغوط ويرفض التعيين إذا لم يكن هناك شاغر في جدول التشكيلات، أو لا تتوافق كفاءة الشخص مع معايير الشاغر المطلوب .»

ويتابع المصري بأن الدوائر الخدمية وتحديثها يتطلب استحداث شواغر بشكل مستمر وفقاً للمشاريع التي تحددها البلدية في ميزانيتها، ما يفتح في المجال للضغوط من مواطنين ونواب ومتنفذين لإشغالها، وبالتالي إذا تجاوزت التعيينات النسبة المطلوبة يحدث خلل في الهيكل الإداري،

الأمر الذي يسبب عجزاً للميزانية، ناهيك عن مساهمة نقص إيرادات للبلديات في هذا العجز .»قرار وقف التعيين هذا لم يكن الأول، بحسب ياسر موظف في بلدية المفرق الذي رفض نشر كنيته،امتثالاً لتعميم وزع عليهم بعدم التصريح للإعلام، يقول ياسر: «كلما تغير وزير يبعث لنا بقرار مشابه ويمكن التحقق من ذلك بتفقد البريد الوارد خلال السنوات السابقة، لكن لا يتم الالتزام به فعلاً .»وعندما نقلت » للوزير ذلك الجدال أكد أن الأمر مختلف هذه المرة «نعمل بشكل مؤسسي بعيد عن الفزعة وهذا توجه غير

مرتبط بأشخاص .»مشكلة التعيينات في البلديات تتفاقم لاتساع صلاحيات رئيس البلدية، ما يجعله عرضة لضغوط مواطنين، أصحاب مصالح ونواب لسداد استحقاقات انتخابية سابقة أو لاحقة، بحسب رئيس بلدية الخالدية سالم الرومي الذي يضيف «هناك حمولة زائدة من

الموظفين وعدد كبير منهم غير مؤهل بسبب الواسطة والمحسوبية » مؤكداً أن «البلدية ليست ملجأ لمن ليس له عمل، ولا يمكن لأي

بلدية أن تستوعب كل المتعطلين عن العمل في منطقتها ». عدد موظفي بلدية الخالدية 54 وعدد سكانها 30 ألفاً. بلدية الحلابات، يبلغ عدد موظفيها 33تستهلك رواتبهم 30 في المئة من موازنة البلدية، وعدد سكانها 8 آلاف نسمة، تعرض رئيس بلديتها محمد مذيب كغيره لضغوطات من أجل التعيينات في البلدية، لكنه كما يقول «لم يتجاوب معها ». يعزو أحد الحاضرين في اجتماع في منتصف الأسبوع جمع رؤساء بلديات في الزرقاء ومواطنين بحضور وزير البلديات، إلى «أن رئيس البلدية نفسه شيخ عشيرة متنفذ يستطيع الوقوف بوجه ضغوط

كهذه » على حد تعبيره. النائب مفلح الرحيمي، يرى أن من حق النائب أن يضغط على رئيس البلدية للتعيين «بل هو المفوض بذلك » كما يقول، لكنه في الوقت ذاته يحمل رئيس البلدية المسؤولية في الموافقة على التعيين، في حال عدم وجود ميزانية ويتساءل الرحيمي «القرار له

بالنهاية ولماذا يوافق .»الرحيمي عضو كتلة التيار الوطني التي تتبنى مذكرة لإعادة النظر بقرار دمج البلديات.

يبرر الرحيمي هذا التوجه بأنه «بعد تجربة 10 سنوات تبين أن الدمج لا يخدم مصلحة الوطن أو المواطنين، وكل المجلس متفق على إعا دة حال البلديات قبل الدمج حتى تحقق دورها في الخدمة العامة .»يجادل عبدالرزاق طبيشات، وزير الشؤون البلدية والقروية الأسبق «أن للنواب رغبة بالعودة إلى بلدياتهم الصغيرة للاستفادة من التعيينات » طبيشات كان وزيراً للبلديات في خمس حكومات ورئيس بلدية إربد الكبرى الأسبق لمدة 12 سنة. تبنى طبيشات قرار تعيين نصف أعضاء المجلس البلدي، ومشروع دمج البلديات العام 2003 دمج 328 بلدية في 99 بلدية وبكلفة إجمالية 26 مليون دينار، ومن أهدافه التصدي لعجز ميزانية البلديات. الدمج والتعيين نفذ كلاهما رغم معارضة إسلامية شديدة آنذاك وبخاصة للتعيين، عبر عنها حزب جبهة العمل الإسلامي باستقالة جماعية لأعضائه رؤساء وأعضاء مجالس بلدية اربد والزرقاء والرصيفة والطفيلة والشجرة ، معلناً في ذلك الوقت «عزمه على إسقاط هذا المشروع بالوسائل المتاحة كافة .»

تراجعت الحكومة عن قرار تعيين نصف الأعضاء في الانتخابات البلدية الأخيرة آب/ أغسطس 2007 ، التي وصفت بأنها الأسوأ في

تاريخ المملكة بسبب التزوير، بحسب تقرير للمركز الوطني لحقوق الإنسان، مفرزة 929عضو مجلس بلدي 211 منها نساء، بعد إقرار 20 في المئة كوتا لهن في قانون البلديات المعدل.

ورغم اتفاقه مع ما ذهب إليه النواب بأن المناطق الصغرى تعرضت لإهمال في الخدمات بعكس المراكز، يؤكد طبيشات على عدم «معالجة الخطأ بالخطأ » فالأصل مطالبة رؤساء البلديات بالاهتمام بجميع المناطق، ويجب أن تتحمل لجان المناطق الثلاثية: مدير المنطقة، العضو الممثل للمنطقة، رئيس البلدية، مسؤولية التقصير. ويؤشر طبيشات على مشكلة لم ينتبه لها النواب في مذكرتهم، كما يقول «سر نجاح

المشروع هو متابعة المواطن لمعاملاته الرسمية في منطقته وليس في المراكز وهو الأمر الذي لم يتحقق » كما يقول طبيشات،

ويتابع «كلما أزور قرية صغيرة يعاتبني السكان هناك بالقول «أتعبتنا بالدمج .»

وعودة إلى قرار وقف التعيينات في البلديات، يرى وزير البلديات شحادة أبو هديب أن من الأهداف المأمولة لهذا القرار «توظيف

واردات البلديات لإقامة المشاريع التنموية التي تخدم المواطنين بدلاً من استنزافها للرواتب .»

تحقيقاً لهذا الهدف وضعت الوزارة استراتيجية لأربع سنوات للعمل البلدي بشكل قابل للتطبيق يراعي ظروف كل بلدية، ويستند، بشكل أساسي، على مشاركة المجتمع المحلي. هذا التوجه يمكن أن يساهم في تقليل الضغوط للتعيينات في البلديات، يقول أبو هديب «سننفذ مشاريع أهلية بمبادرات حكومية وبالتعاون مع الشركاء المانحين نوفر فرص عمل ونضعها أمامهم وعليهم الاستفادة منها »

سجى الزيود، التي تطوعت في وحدة التنمية المحلية في بلدية الهاشمية محافظة الزرقاء بعد تخرجها من الجامعة بانتظار فرصة عمل تقول: «نحن نعيش في مجتمع عشائري يفضّل عمل الفتيات في القطاع الحكومي ». الوزير ابو هديب يرد عليها دون التراجع عن قرار وقف التعيينات «سنوفر فرص عمل مناسبة للفتيات في المشاريع الأهلية .»

بلدة الهاشمية يبلغ عدد سكانها 46 ألف نسمه وعدد موظفيها 269 منهم خمسين زائد عن الحاجة يستهلكون 70 في المئة من ميزانية البلدية، بحسب عقلة الزيود رئيس بلديتها. يطالب الزيود القطاع الخاص بالقيام «بدوره التنموي وتقاسم عبء التعيينات مع البلدية وبخاصة أن الشركات والمؤسسات الخاصة تعتمد على عمالة من خارج البلدة ،» أبرز المنشآت الصناعية في الهاشمية مصفاة البترول ومحطة الحسين الحرارية. بينما تشكو المهندسة فتحية النمراوي، صاحبة مصنع في المنطقة الصناعية المؤهلة في بلدية الحلابات محافظة الزرقاء،

من نقص الكفاءات المدربة في المنطقة، تقول فتحية «لا توجد مهارات كافية لدى أبناء المنطقة للعمل في القطاع الخاص، وهناك

عوائق اجتماعية أمامهم بخاصة الفتيات .»وهو ما ينفيه فرحان نويران، مواطن من منطقة الحلابات قال: «لسنا مجتمعاً منغلقاً،

لكن الرواتب غير المجزية سبب لعدم الإقبال على العمل » يتابع نويران: «هذا لا يناسب الشباب الذين يقع عليهم عبء إعالة أسرة »

معدل الرواتب في 100 QIZ دينار بالإضافة إلى المواصلات، والحد الأدنى للأجور 150ديناراً.

خلال زيارة لسفير الاتحاد الأوروبي الممول لمشروع مكافحة الفقر من تنمية البلديات باتريك رينو إلى بلديات في محافظة الزرقاء التي تبلغ نسبة الفقر فيها 17.2 في المئة، خاطب السفير أهالي المناطق «لن نمول أي مشروع لا يكافح الفقر و البطالة، ويجب أن يتم بمشاركتكم « وقال لهم «ساعدونا لتمويل مشاريع تنموية مستقبلية تخلق فرص عمل مناسبة ودائمة .» ويبدو أن الوزير ابو هديب يتشارك مع المانحين الأوروبيين في هذه الرؤية لغايات الاستفادة من قيمة المنح بالشكل الأمثل.

نواب يصورة على "محاصصة" التعيينات المجالس البلدية: الوفاء للتنمية بحمولة زائدة ..
 
29-Jan-2009
 
العدد 61