العدد 61 - كتاب
 

محمود الريماوي

كما هي العادة، فإن الإسرائيليين ما إن يخرجوا من حرب يشعلونها هم، حتى يبادروا إلى المراجعة وتفحص النتائج بضورة علنية على صفحات صحف. فظهرت آراء تثني على تحقيق الأهداف المعلنة في الحرب على غزة، وأخرى تنكر ذلك علماً أن المستوى السياسي لدولتهم قد أعلن على لسان عصابة الأربعة :أولمرت، وليفني، وباراك، وبيريس.. أن الأهداف تم بلوغها، دون أن يمنع ذلك من فتح باب الرأي على مصراعيه. المشهد على الجانب الآخر: الفلسطيني والعربي، يبدو شديد الاختلاف. فقد ترافق مع الإعلان بأن النتيجة هي نصر وليس أقل من ذلك، ظهور حالة من الانفعالات الهائجة لدى العديد من المنابر، تنكر حق مناقشة ما جرى وما بعده، تحت طائلة توجيه اتهامات أقلها الوصم بالخيانة. مع استخدام مقولة: الخيانة ليست وجهة نظر لابتزاز المعترضين وإسكاتهم، وهي عبارة يسهل قلبها في التطبيق فتصبح: وجهة النظر خيانة. ومن الطبيعي مع اتهامات مسبقة من هذا النوع أن تتعطل ملكة التفكير، ومعها حاستا السمع والبصر. لا تنم هذه الحالة، في جميع الأحوال، عن نزوع إلى الإرهاب الفكري: فهناك قصر النظر والضيق بأي خلاف، وهناك الانفعالات التي تشتد وطأتها على أصحابها، فيفقدون القدرة على التفكير، وحيث تودي العصبية بصاحبها إلى الجهالة كما سبق أن قالت العرب. إلى جانب ذلك هناك النزوع الواعي والمتعمد إلى الابتزاز، سعياً لتمهيد الطريق أمام بلوغ

غايات سياسية دون عوائق أو اعتراض من أحد، بعد حرمان الجمهور من الإصغاء لوجهات نظر متعددة. شيء من ذلك، بات يحدث بعد وقف إطلاق النار. فكرة المراجعة وتفحّص ظروف الحرب، ليست مطروحة في الأساس.

هناك تنظيم بعينه أعلن الانتصار ونسبه إلى نفسه، رغم أن تنظيمات شتى خاضت مواجهة باسلة، لكن أياً منها لم ينسب تقييماً محدداً لتنظيمه. من زاوية الصمود، حقق الجانب الفلسطيني مجتمعاً لا تنظيماً دون سواه، حقق نصراً في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية. وسياسياً ارتفع مطلب رفع الحصار، وفتح المعابر، وبات مدرجاً على جدول الأعمال الإقليمية والدولية. وسياسياً أيضاً أخفق الجانب الفلسطيني، حين اندفع تنظيم بعينه لرفض التهدئة قبل الحرب، بما شكل غطاء وذريعة للحرب في أنظار شطر كبير من دول عالمنا.

أخفق الإسرائيليون في إسكات الصواريخ، وأظهر المقاتل الفلسطيني كفاءة في إخفاء واستخدام المنصات بينما كانت مقاتلات العدو تصب حممها.

وأخفق الطرف الفلسطيني إخفاقاً مروعاً، في أمرين. الأول والأعظم أهمية في الاستخفاف بمحنة المدنيين واعتبار هذه المحنة مجرد نتيجة جانبية ومتوقعة للحرب، ولا قيمة لها مقارنة بالنتائج السياسية والعسكرية. والإخفاق الثاني تمثل في رفض المضي في نهج الوحدة الوطنية واستكمال الوحدة الميدانية التي تحققت في مواجهة الحرب. على العكس، فقد استخلص من استخلص أن الوحدة الوطنية لا ضرورة لها، وأن هناك فرقة ناجية واحدة ينبغي السير في ركابها، والتسليم بما تقرره نيابة عن الشعب كله بمختلف مكوناته وتياراته وشرائحه، بمن في ذلك ذوي الشهداء والمصابين. قديماً قيل: «الحقيقة الضحية الأولى للحروب .

محمود الريماوي: ضعوا العقل جانباً ..
 
29-Jan-2009
 
العدد 61