العدد 60 - أردني
 

مهند صالح

ميادين الحرب والعدو واحد، ففي موازاة الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، تدور على شبكة الإنترنت حرب أخرى يمكن أن نطلق عليها اسم الحرب الإلكترونية.

الحرب الإلكترونية لم تكن كلها ضد إسرائيل، بل كان هنالك جزء منها موجهاً ضد أطراف عربية، حيث راجت اتهامات وأثيرت انتقادات ووجهت دعوات للوحدة أمام العدوان الإسرائيلي المدمر على قطاع غزة، وأرسلت تحيات لقادة رأت الجماهير أن فيهم من العروبة أكثر مما في بعض العرب مثل: الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، والبوليفي أيفو موراليس، والتركي رجب طيب أردوغان.

فتحت جبهة الحرب الإلكترونية، فتطوع لها كل من لديه مهارات في هذا المجال، ليستخدمها في الدخول إلى المواقع المؤيدة لإسرائيل، وبدأ الناشطون الإلكترونيون في كشف وحشية الاحتلال وتقديمه للعالم واستقطاب الدعم المعنوي للقضية الفلسطينية، وفي المقابل هب الجانب الإسرائيلي؛ سواء على مستوى النشطاء أو على المستوى الرسمي، لشن حرب إلكترونية مضادة هدفها الأساسي تجميل الجرائم التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية.

امتدت نيران حريق غزة لتشعل غضب الشبكة الاجتماعية الأولى في العالم «الفيس بوك»، التي كانت إحدى أسخن جبهات هذه الحرب الإلكترونية الضروس؛ فقد أنشأ عدد من الإسرائيليين، بعد ساعتين من بدء القصف على غزة، مجموعة تحت اسم «أنا أساند جيش الدفاع الإسرائيلي في التصدي للإرهابيين في غزة»، وبلغ عدد المنضمين إليها نحو 50 ألف مشارك، وجعلت هذه المجموعة الفعالية الرئيسية لأعضائها رفع الأعلام الإسرائيلية على كل بيت أو مكتب، وفوق كل سيارة وكل شارع حتى 27 تموز / يوليو 2009؛ وذلك دعماً لرجال جيش الدفاع الإسرائيلي، وعمل أعضاؤها على تأسيس حركة «JIDF» وهو اختصار لعبارة «JEWISH INTERNET DEFENCE FORCE» لتقوم بمهاجمة المواقع المساندة لغزة أياً كانت جنسيتها أو انتماؤها.

ورداً على ذلك، أنشأ رواد الفيس بوك من الأردنيين والعرب على مدار الأيام العشرين الماضية ما يزيد على 20 مجموعة تتضامن مع أهالي القطاع، كان أبرزها مجموعة Let>s collect 500000 signatures to support the Palestinians in Gaza أي لنجمع 500 ألف توقيع لدعم الفلسطينيين في غزة، التي تجاوز عدد أعضائها 600 ألف عضو حتى الآن. وتدعو هذه المجموعة، بحسب أحد أعضائها، جيسيكا ديفيز، إلى دعم الشعب الفلسطيني في غزة ضد العدوان الإسرائيلي وتقديم يد العون للمدنيين المحاصرين. ويعمل أعضاؤها على إرسال صور الدمار والجرحى والقتلى من قلب غزة إلى أنحاء العالم كافة.

«نريد أكثر من 50 ألف مشارك عربي للمطالبة لإسقاط نظام مصر... لأجل غزة»، مجموعة أخرى أسسها شخص اختار لنفسه اسماً مستعاراً هو «أنصار المعارضة»، وانضم إلى المجموعة عدد من الشبان الأردنيين واللبنانيين الذين طالبوا بإسقاط الحكومة المصرية وبمحاكمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك وفتح معبر رفح فوراً. أعضاء أردنيون في المجموعة عبروا عن خيبة أملهم من «دور حكومتهم السلبي والمتخاذل» كما وصفه العضو إبراهيم الثلجي.

مجموعة «اعتصام الرابية من أجل غزة»، دعت إلى اعتصام يومي سلمي مفتوح للقوى الوطنية من التيارات السياسية والاجتماعية والطلابية والثقافية كافة لدعم غزة. ولخص مؤسس المجموعة عبدالله نواس، أهداف التجمع بعدة نقاط أبرزها: طرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب السفير الأردني من تل أبيب، وإنهاء العدوان والحصار الظالم على قطاع غزة. كما شدد المعتصمون على ضرورة مقاطعة البضائع والمنتجات الأميركية والإسرائيلية وحرقها وإطلاق سراح الجندي أحمد الدقامسة وجميع الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية.

يارا حدادين، إحدى المشاركات في هذه المجموعة، كانت لها وجهة نظر مختلفة في ما يجري، فهي عبرت عن تنديدها بالاعتصامات والتظاهرات التي دعا إليها مؤسسو المجموعة واصفة إياهم بأنهم «همجيون»، وذلك «لاستباحتهم للممتلكات وتخريبها وكأنها ليست للمواطنين، والاعتداء على رجال الأمن»، داعية المتظاهرين إلى «ضبط النفس والرقي في التعبير والتضامن مع أحداث غزة».

مجموعة «مليون توقيع لإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان»، تميزت بأنها دعت إلى توحيد الصور الشخصية للأعضاء بعبارة «كلنا غزة» ورفع صور الضحايا من الأطفال والنساء والمسنين وتنظيم الاعتصامات والتظاهرات في الأردن.

في مصر شدد كل من عادل ماكن، وياسر عيساوي المؤسسين لمجموعة «عفواً غزة أنا لست متضامن»، على التضامن مع حكومة مصر، والسلطة الفلسطينية والالتفاف حول الرئيسين المصري، والفلسطيني، بدلاً من الانجراف خلف الإخوان المسلمين الذين يعملون لمصلحة إيران، وسورية، وتأييد حركة حماس. وذكر أعضاء المجموعة أن على الشعب الفلسطيني تحمل تداعيات اختياره لحركة حماس ومراهنتهم عليها لحل قضيتهم، معللين ذلك بأن حماس جلبت الحرب والدمار والقتل لشعبها.

المدونون الأردنيون لم يكتفوا بالتعبير عن الرأي في مدوناتهم، بل حولها بعضهم إلى ما يشبه وكالات الأنباء الشعبية، يطلعون الآخرين عبرها على أهم مجريات الأحداث، ورفع الصور والأفلام التي تتعلق بقضية الشعب الفلسطيني، مطالبين برفع الحصار عن قطاع غزة وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي والإشادة ببسالة المقاومة الفلسطينية بفصائلها كافة، وأعربت هذه المدونات عن رفضها للصمت العربي على ما يحدث في غزة مطالبين الأنظمة العربية بالتحرك الايجابي لإيقاف محرقة غزة.

من أبرز فعاليات المدونات الأردنية قيام «رابطة المدونين الأردنيين» بإعلان الحداد العام والدعوة إلى اتخاذ موقف عربي وإقليمي ودولي واضح تجاه وقف العدوان، وفتح المعابر لإيصال المؤن والإسعافات وعلاج الجرحى ومعالجة آثار الحرب على غزة.

ميدان آخر فتحه الأردنيون والعرب على الموقعين «يوتيوب» و«بال تيوب» المخصصين لعرض تسجيلات الفيديو ليتم عبرهما إرسال عدد ضخم من مقاطع الفيديو التي تصور الضحايا من نساء وأطفال، وعندما ينطلق التعليق على الفيديو منددا بالسياسة الإسرائيلية ووصمها بالعنصرية، تتصاعد ردود الأفعال مستنكرة انتهاكات إسرائيل المستمرة، وبعضهم يقدم أمثلة من التاريخ حول معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة.

وزارة الدفاع الإسرائيلية أطلقت قناة خاصة بها على موقع «يوتيوب» تبث من خلالها أشرطة عن الضربات التي توجهها إلى قطاع غزة، وأظهر شريط دعائي بث عبر تلك القناة صواريخ تخترق «برج إيفل» في فرنسا وساعة «بيغ بن» في بريطانيا، مع تعليق يقول «كيف ترون ذلك؟ المواطنون في «سديروت» يعيشون هكذا منذ ما يزيد على ثماني سنوات»! وجاء ذلك الشريط في محاولة لجذب التعاطف العالمي مع الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة. ويبدو أن القناة أثارت بعض الجدل، حيث أزيلت بعض الأفلام عن الموقع بعد شكاوى من مواطنين عرب رأوا فيها دليلاً على تحيز لإسرائيل، فنشرت إدارة «يوتيوب» بياناً أشارت فيه إلى أنها قامت بإزالة بعض الصور، لكنها أعادت جزءاً منها بسبب «دعم المشاهدين».

رداً على ذلك واصل الشبان الأردنيون والعرب رفع الأشرطة المسجلة من الفضائيات العربية مثل: «الجزيرة»، و«الأقصى»، و«المنار» وغيرها، أو من أفلام سجلها أشخاص يعيشون في غزة، في محاولة لنقل صور من الوضع الإنساني المأساوي الذي عاشه القطاع تحت الحصار، إضافة إلى الفظائع التي ترتكبها إسرائيل، وكانت عمليات المقاومة الفلسطينية من أكثر الأفلام إرسالاً، إذ ضمت عمليات قنص للجنود الإسرائيليين ولقطات أخرى توضح كمائن أعدها رجال المقاومة للجيش الإسرائيلي، وعمل آخرون على رفع أفلام باللغة الإنجليزية لتوجيه رسالة إلى الغرب، مرفقة بلقطات وصور للشهداء والجرحى الفلسطينيين.

في المواقع والمنتديات الأردنية اختلفت التعليقات والآراء على بعض الأخبار والمقالات بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة، فعلق أحد زوار موقع وكالة عمون الإلكترونية للأخبار على خبر «اعتصام حاشد في الرابية ومسيرتان في الدوار الرابع وصويلح»، قائلاً: «أين علم الأردن، ولماذا لا يرفع خلال التظاهرات؟» ودعا آخر إلى «ضرورة رفع علم الدولة التي يقطن بها المتظاهرين، لأنها سمحت لهم بالتظاهر». أما ردود الزوار الآخرين كانت معتدلة متحاشية النقاش في هذا الموضوع خوفا من بث الفرقة بين أبناء الشعب الأردني.

ورداً على موضوع نشرته وكالة «سرايا» بعنوان «عباس بياع الدم» ذكر قراء الموضوع أن هذا الزمن هو زمن الخيانة والذل وزمن كشف العملاء على حقيقتهم بحسب شخص يكنى باسم مستعار هو «الدم الفلسطيني المباح»، ورد عليه آخر يدعى «أرخميدس» بقوله إن على العرب محاكمة حماس لاعتلاء السلطة على أشلاء الشعب الفلسطيني. وفي الموقع ذاته نشر مقال حول اعتصامات أمام مطاعم: برغر كينغ، وماكدونالز، وبوبايز في عمان لمقاطعة المنتجات والبضائع الأميركية الداعمة لإسرائيل، واختلفت تعليقات الزوار عليه، فمنهم من كان مع الاعتصام والمطالبة باستمراره، ومنهم من رفض هذا النوع من التعبير قائلاً: «لا أحد يستطيع إرغام الشعب الأردني على المقاطعة» و«هذه المطاعم أردنية يعمل بها أردنيون، فلماذا نضر باقتصادنا الوطني»؟

حرب غزة الإلكترونية: مواجهة المواقع الإسرائيلية وجدل حول المواقف العربية
 
22-Jan-2009
 
العدد 60