العدد 60 - أردني
 

حسين أبورمّان

عبّر النواب في مواقفهم من العدوان الإسرائيلي على غزة عن مشاعرهم كمواطنين، صدمهم هول جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل ضد المدنيين والبنية التحتية في القطاع المحاصر.

الأنشطة التضامنية مع الأهل في القطاع، وفرت للنواب الفرصة لتحسين صورتهم ورصيدهم الشعبي، لكنها لم تغط على مظاهر الضعف في عمل المجلس وكتله، بل سلطت الضوء على بعض منها وعلى بعض سمات الأداء النيابي.

فقد نجح رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي في المرة الأولى، ورئيس الحكومة نادر الذهبي في المرة الثانية في احتواء رد الفعل النيابي على مجازر غزة، بطرح موضوع إعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل. النواب أبدوا ارتياحهم لذلك، لكن دون أن ينضبطوا إلى حدود الموقف الرسمي، فتجاوزوه من خلال خطاب جعلهم أكثر قرباً من حركة الشارع وشعاراته.

فقد تبنى المجلس بياناً (28/12) كان وقعه 88 نائباً، دعا الحكومة إلى «إعادة النظر في العلاقات الأردنية الإسرائيلية، بما في ذلك استدعاء السفير الأردني من إسرائيل، والطلب من السفير الإسرائيلي في عمان مغادرة أرض المملكة»، إذا ما واصلت إسرائيل عدوانها الغاشم، تاركين للحكومة تقدير الوقت المناسب لتنفيذ المطلب النيابي.

وفي الجلسة المنعقدة يوم 4/ا، شدّد رئيس الوزراء على أن الحكومة «تحتفظ بكافة الخيارات المتاحة أمامها لاتخاذ أي إجراء لتقييم العلاقات مع أي كان وخاصة إسرائيل وإعادة النظر فيها من منطلق الحرص على خدمة مصلحة الوطن العليا».

أما مظاهر الخروج النيابية عن حدود الموقف الرسمي، فقد اشتملت على حرق العلم الإسرائيلي، ورفع يافطات تطالب بطرد السفير الإسرائيلي، كما اتسمت كلمات كتل نيابية ومداخلات النواب الشخصية، بلغة حازمة، وحددت مطالب مباشرة، جاء في مقدمتها تجميد العلاقات مع إسرائيل ووقف التطبيع وطرد سفير إسرائيل واستدعاء السفير الأردني.

خلال الجلسات التي أتيح للنواب الإعراب فيها عن مواقفهم تحت القبة، اتسم الأداء النيابي بعدة سمات: الأولى، هي كشف ميل الغالبية الساحقة من النواب نحو التساوق مع حالة الغضب الشعبي ضد الحرب على غزة. وهذا منحى مشروع يعكس واجب النواب في تمثيل تطلعات المواطنين الذين انتخبوهم. وبدا هذا واضحاً في بعض خطاباتهم التي اكتست طابعاً شعبوياً.

«الفوضى» أيضاً كانت سمة أخرى بارزة من سمات الأداء النيابي. فقد كان هم الغالبية الساحقة من النواب الإفضاء بما لديهم، أكثر من محاولة الإسهام في بلورة موقف موحد من قضايا مطروحة. وفي النتيجة لم يتم حوار حقيقي بين النواب، إلى درجة أن كثيراً من النواب كانوا يغادرون القبة بعد إلقاء كلماتهم، ما هدد غير مرة بفقدان نصاب الجلسات.

في قضية مثل التبرعات طرحت مبادرات جيدة، كالتبرع بالإعفاء الجمركي أو براتب شهر، وتبرع عدد من المقاولين النواب بمبالغ جيدة. وأعلن رئيس المجلس أن باب التبرعات مفتوح لمن يرغب من النواب، لكن فات النواب أن بإمكانهم جمع التبرعات بغرض سياسي محدد هو الإسهام، على سبيل المثال، في إعادة بناء مقر المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة. في هذه الحالة كان يمكن تحفيز مزيد من المقاولين ورجال الأعمال للتبرع لمشروع كهذا.

لم يتصرف معظم النواب، كما هو مفترض، كسياسيين، بقدر ما تصرفوا كنشطاء متحمسين. يتضح ذلك في المجاملة التي أبداها النواب في التوقيع على مذكرات لأغراض دعائية، أو دون أن تعبر بالضرورة عن مواقفهم، كالمطالبة بإطلاق سراح الجندي أحمد الدقامسة دون بيان الأسباب (وقعها 30 نائباً)، أو المطالبة بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل (وقعها 21 نائباً)، علماً أن عدم الجدية في متابعة هذه المذكرات سرعان ما ينكشف سريعاً، ما يبهّت وظيفتها، ويجعل منها عملاً روتينياً.

أما الأمر غير المفهوم ، فهو «تهريب» نصاب جلسة يوم 14/1، إثر الشروع في مناقشة بند ما يستجد من أعمال، في وقت كان الظرف السياسي دقيقاً للغاية، ويحتاج إلى حوار حقيقي مع الحكومة عشية انعقاد اجتماع غزة الطارئ في الدوحة. فقد برزت وجهات نظر عبّر عنها خليل عطية ترى أن مصلحة الأردن كانت تتمثل في حضور اجتماع الدوحة.

وفي شتى الأحوال، فلا مصلحة للأردن أن يكون جزءاً من سياسة المحاور العربية، وعليه بالتالي أن يتصرف على هذا الأساس. على هذه الخلفية قال ممدوح العبادي في جلسة 18/1، «كنت أبحث خلال العشرين يوماً الماضية عن دور سياسي للأردن». العبادي أشاد بدور الأردن في دعم الأشقاء في غزة، مستدركاً «لكن الدور السياسي للأردن كان غير موجود»، مستخلصاً أن على الحكومة أن تكون موجودة على الطاولة سواء «في الدوحة أو في الكويت أو في شرم الشيخ».

موضوع آخر على جانب كبير من الأهمية يتعلق بموضوع المصالحة الفلسطينية، تنبهت له الأغلبية الساحقة من النواب، وأعطته ما يستحق من اهتمام، داعية إلى إجراء مصالحة ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن غاب عن النواب دعوة الحكومة لاتخاذ خطوات ولو أولية في هذا الاتجاه لمساعدة الأشقاء في استعادة وحدتهم، لأن في ذلك مصلحة فلسطين ومصلحة الأردن في الوقت نفسه. هذا ما أكد عليه أيضاً ممدوح العبادي أيضاً حين دعا «أن نكون بادئين في قضية المصالحة الوطنية الفلسطينية».

إن التنبه لدور المجلس النيابي في رقابة الأداء السياسي للحكومة باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الدور الرقابي المنوط به، أهم من انشغال بعض النواب في إعطاء دروس للأمن العام «ليضرب بيد من حديد على من يعمل على الفرقة»، بحسب تيسير شديفات، أو «محاسبة كل من يبلغ به الحقد والوقاحة» في إشارة إلى «الاعتداء على ضابط من قوات معالي وزير الداخلية»، بحسب محمد الزريقات، برغم أن أحداً لم يقل أن الأجهزة الأمنية مقصرة في أدائها. وهو ما اشار إليه وزير الداخلية في تعقيبه على مداخلة الزريقات «التعبير السلمي والتظاهر هو جق من حقوق المواطن، وهو أعلى درجات الديمقراطية»، مشيراً إلى توجيهات ملكية بإجازة التظاهر السلمي لكل شرائح الشعب . وتحدث عن استفزازات غير منضبطة، لكنه ختم بأنه أقيمت «600 مظاهرة دون حدوث أي شأن يذكر».

لم تخل مداخلات النواب من محاولات بعضهم تسجيل نقاط لصالحه بتصعيد انتقاداته للحكومة، كما فعل طارق خوري عضو كتلة الإخاء الوطني، والذي على خلفية مطالبته بطرد «سفير صهيون» (جلسة 11/1)، خاطب رئيس الوزراء بقوله «أنت أمام محكمة التاريخ فانتصر لدينك وقوميتك وشعبك أو فارحل».

مطالبة رئيس الحكومة بالرحيل مجرد صرخة في واد لا تستند إلى ميزان قوى. وربما كان مقنعاً أكثر لو لوّح بسحب الثقة كما فعل زميله عضو كتلة الإخاء رسمي الملاح، «إذا لم يتلق المجلس جواباً على العريضة التي تطالب بطرد السفير الإسرائيلي»، أو كما فعل حمزة منصور «متسللاً» في جلسة 18/11، إذ استغل التعليق على جواب وزير الزراعة عن سؤال له يخص التطبيع، فهدد باللجوء إلى طرح الثقة بالحكومة إذا لم تقطع الحكومة العلاقات مع اسرائيل.

يحتاج عقد جلسة ثقة بالوزارة أو بأي وزير، بحسب الدستور، إلى طلب يحمل تواقيع من عدد لا يقل عن عشرة نواب، أو بناء على طلب رئيس الوزراء.

ليس واضحاً إلى أي مدى سيخلخل الموقف الذي عبّر عنه خوري تماسك كتلة الإخاء وبدرجة أقل موقف رسمي الملاح، لا سيما أن كلمة الكتلة الوطنية، ركّزت على هذه الحادثة، ما يوحي أنها تتقرب أكثر من الحكومة بتوجيه انتقادات ضمنية لطارق خوري دون أن تسميه. فقد جاء في كلمة الكتلة في جلسة يوم 18/1، «إن من السهل جداً مطالبة الحكومة بالرحيل إن هي لم تتخذ هذا الموقف أو ذاك»، وانتقدت ما اسمته «الاستعراض من خلال توجيه النقد والملامة إلى الحكومة»، وأكدت رفضها لأية محاولة للتذاكي المكشوف «طلباً للنجومية وحب الظهور».

إن من أهم المقترحات التي أوردها النواب تضامناً مع غزة إقامة دعوى لدى المحكمة الجنائية الدولية من أجل محاكمة القيادات الإسرائيلية على جرائمها ضد المدنيين والمؤسسات المدنية كمجرمي حرب، وفق المذكرة التي وقعها 29 نائباً واقترحت تكليف اللجنة القانونية بذلك. وكذلك المذكرة التي دعت رئيس مجلس النواب لمخاطبة مؤسسة نوبل النرويجية لسحب جائزة نوبل للسلام المقدمة لشمعون بيرس باعتباره رئيس دولة الاحتلال التي اقترفت جرائم ضد المدنيين، وبخاصة الأطفال والنساء في قطاع غزة والضفة الغربية.

اللجنة القانونية في المجلس تتابع هذا التكليف، وينبغي توفير الدعم لها حتى تتبين طبيعة الخطوات اللازمة للتحرك قانونياً في هذا الاتجاه، لا سيما أن الأردن عضو في المحكمة الجنائية الدولية.

“غزة” رفعت التناغم مع حركة الشارع إلى أولوية نيابية
 
22-Jan-2009
 
العدد 60