العدد 60 - دولي
 

ستيفن غلين*

في الوقت الذي تجمع فيه الأميركيون الأسبوع الماضي للاحتفال بأكثر تقاليدهم السياسية قداسة – انتقال سلمي مبرمج للسلطة الرئاسية – كان هنالك طقس آخر أكثر غموضاً يتكشف: نقاش بين خبراء الشرق الأوسط ،حول فشل أميركا في تأمين السلام للشرق الأوسط.

في كتب ومذكرات نشرت على مدى الأشهر القليلة الماضية، فقد تحملت مجموعة من كبار المسؤولين الأميركيين المختصين بشؤون الشرق الأوسط المسؤولية الشخصية عن جهودهم غير المثمرة، في الوقت الذي كانوا فيه يلقون باللائمة، ضمناً، على الآخرين. بقيامهم بذلك، يصدق ما قاله فيهم الخبيران حسين آغا وروبرت مالي في مقالة نشراها في مجلة "نيويورك ريفيو أوف بوكس"، من "أنهم يواصلون تقليداً قديماً أرساه مسؤولون سابقون مختصون في شؤون الشرق الأوسط، بالتذمر، وبأثر رجعي، من استراتيجيات كانوا قد ساعدوا يوما على صوغها."

اللازمة المتكررة في هذه الاعترافات هي التنديد بسياسات بوش الفاشلة، وبالتأسف الضمني أو المباشر، على أن دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل أعاق التوصل إلى سلام عادل ودائم.

ربما كان أكثر هذه الكتب إثارة، على الأقل بالنسبة لكل من له حصة في العملية، كتيب بعنوان التفاوض من أجل سلام عربي إسرائيل: القيادة الأميركية في الشرق الأوسط، الذي شارك في تأليفه دانييل سي كيرتزر، السفير الأميركي في عهد كلنتون في كل من إسرائيل ومصر، والذي قد يعين مبعوثا خاصا للشؤون العربية الإسرائيلية في إدارة أوباما. من المثير للاهتمام أن الكتاب يحمل بشدة على دنيس روس، الكاهن الأكبر لجهود السلام الفاشلة في الشرق الأوسط، والمرشح للعب دور بارز ضمن فريق البيت الأبيض الجديد، إذ تشير تقارير إلى أن هنالك تفكيراً في تعيين روس مستشاراً رئيسياً لوزارة الخارجية للشؤون الإيرانية، أو ما يشبه قنصلاً واسع الصلاحيات لعموم المنطقة. وقد يتساءل قراء كتاب كيرتزر، الذي وضعه بالتعاون مع سكوت بي لازنسكي، كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة للسلام، عن السبب الذي يعاد من أجله إحياء روس. ومهما يكن من أمر، فإن كتاب التفاوض من أجل سلام عربي إسرائيلي، مهم من حيث كونه مؤشراً على طريقتين مختلفتين تماما للكيفية التي يمكن لأوباما أن يسلكهما للوصول إلى تسوية.

الكتاب تجميع لأجزاء من مقابلات شاملة أجريت مع قادة سياسيين ودبلوماسيين، من المراكز الأولى في واشنطن والشرق الأوسط. ومثل موجز قانوني محكم، يضع الكتاب في نقاط، الأخطاء التي ارتكبتها الإدارات السابقة، بدءا من مبالغات القادة الإسرائيليين حول قضايا تراوح "بين قلقهم المشروع واحتياجاتهم السياسية الداخلية". وينتقد الرئيس بوش على تخليه عن عملية السلام؛ ثماني سنوات من الانقطاع الذي أتاح للمتطرفين على الجانبين، تثبيت مواقعهم، لكنه يكشف كيف أن تحيز إدارة كلنتون لإسرائيل – ثقافياً وسياسياً ودبلوماسياً – قوضت نواياها الطيبة.

ويوضح الكتاب كيف أن روس في صورة خاصة، سمح للإسرائيليين بأن يضعوا تعريفاً لحدود أمنهم في عبارات واسعة ومطلقة، بحيث تكون التنازلات الفلسطينية قد ماتت لحظة وصولها. وبوصفه مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط طوال فترة حكم كلنتون، كانت ملامح وجهه الشاب بالنظارتين، هي أداة واشنطن لإثارة المشاحنات بين الدبلوماسيين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولكن للاستماع إلى كثير من شهادات المفاوضين أنفسهم كما يروونها في الكتاب، فإن روس أظهر لليهود وجها وللعرب وجها آخر. وكما قال مفاوض عربي بارز لكيرتزر ولازنسكي "كان الرأي على الدوام هو أن روس قد بدأ من النقطة الجوهرية الإسرائيلية. إذ لم ينظر إليه أبدا بوصفه شخصية عالمية موثوقاً بها أو وسيطاً نزيهاً." وقال آخر ممن أجريت معهم مقابلات، و هو مسؤول رفيع في البيت الأبيض في عهد كلنتون، "في النهاية، لم يثق الفلسطينيون تماما في دنيس، فقد كان في رأيهم منحازا كثيرا إلى جانب الإسرائيليين." ولاحظ مفاوض فلسطيني رفيع كيف "أننا لم نشعر يوما بأن الفريق الأميركي كان يقوم بدور نزيه، لقد شعرنا على الدوام بأن هنالك تقسيماً للعمل بين فريقي التفاوض الأميركي والإسرائيلي، ]بحيث[ كان الإسرائيليون يستخدمون بعض الأميركيين طليعة متقدمة لمعرفة مواقفنا، ومعرفة المدى الذي كنا على استعداد لأن نصل إليه في التوصل إلى المساومة أو الموافقة."

ويقارن كيرتزر ولازنسكي بحدة وإيجابية بين المفاوضين الذين حشدهم الرئيس بوش الاب، الذي أثمر عن عقد مؤتمر مدريد بين القادة العرب والإسرائيليين في العام 1991، بفريق كلنتون؛ قاد الفريق الأول وزير الخارجية جيمس بيكر، "جمع فريقاً متنوعاً ومجرباً، زاوج بين الخبرات العملية ومعرفة معمقة بالعرب والإسرائيليين،" يقول كيرتزر ولازنسكي. "لقد شجعت النقاشات، وتمت المحافظة على السرية."

وعلى النقيض من ذلك، كانت معرفة فريق كلنتون بالجانب الإسرائيلي من المفاوضات، أكبر بكثير منها بالجانب العربي. وهو لم يعوض هذا العجز في الموازنة بالعودة إلى وزارة الخارجية وهيئات أخرى. لقد تم غلق الباب أمام الدبلوماسيين المحترفين، يقول الكاتبان، كما أن التحليلات الميدانية وكذلك "البرقيات المنشقة" – مذكرات من خبراء إقليميين تختلف مع سياسة الإدارة – أهملت تماماً. وبحسب المؤلفين فإنه "كثيراً ما كان يحال بين الأمناء المساعدين والسفراء وبين صوغ السياسة، وفي محطات رئيسية لم يكن هؤلاء يشاركون في محادثات دبلوماسية مهمة." هنا، يفترض القاريء، أن كيرتزر يكتب عن خبرة مباشرة.

إن كل هذه التدخلات واضحة، رغم أن الكاتبين يبدوان أكثر دبلوماسية من أن يستفيضا في الحديث عنها. وإنه لأمر قليل الاحتمال أن قاعدة معرفية تم استخلاصها في الشرق الأوسط وليس في واشنطن، تتعرض للتقويض بفعل أجندات سياسية محلية ( أميركية). ويرى خبراء إقليميون في المنطقة، أن بوش الأب حرم إسرائيل من ميزتها التفضيلية: وهي آلة كولسات أميركية تقوم بكفاءة تامة بخلق شرق أوسط غير متناسب مع حقيقته. (من الجدير بالملاحظة أن روس مستشار رفيع وزميل متميز في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أي غرفة المرجل الثقافي للوبي.) وكانت النتيجة عملية تفاوض حظيت باحترام الجانبين – مع بعض الممانعة في حالة إسرائيل – وجولة دبلوماسية أرست سابقة بمضاعفة عدد البلدان التي تقيم علاقات مع الدولة اليهودية.

كان كيرتزر قريباً من الرئيس الجديد منذ الأيام الأولى للحملة، حين مثل باقتدار المرشح، حينذاك، أوباما للجماعات اليهودية القلقة على إخلاصه لإسرائيل. من الصعب تصور شخص أبعد نظرا من أوباما، بحيث يختار صانعاً للسلام من دون أن يكون على معرفة بكيفية المضي لعقد صفقة سلام عربي إسرائيلي متفاوض عليه من خلال نهجين مختلفين تماماً. ولايتردد كيرتزر في إيضاح أي تكنيك هو الأكثر فعالية. دعنا نأمل أن يوافق عليه الرئيس أوباما.

محرر في مجلة "نيوزويك" الدولية

أوباما وسلام الشرق الأوسط: تشكيك في نزاهة “الكاهن” دينيس روس
 
22-Jan-2009
 
العدد 60