العدد 9 - حتى باب الدار
 

لا بد أن قراء كثيرين مثل كاتب هذه الكلمات تستهويهم قراءة الأخبار الخفيفة على الصفحات الأخيرة من الصحف. بل يؤثرون قراءتها على الأخبار “الجادة” في الصفحات الرئيسية. لا يتعلق الأمر بالهرب من رتابة الأخبار السياسية فقط، بل يتصل بالرغبة في متابعة أخبار وأحداث يصنعها أناس عاديون ومجهولون في أربع أنحاء المعمورة، وتكشف عن الوجه الإنساني للبشر حيث يتجاور النبل مع الوحشية والطرافة مع البلادة والغرابة مع ما هو مألوف. القارئ بذلك يبحث عن أخبار أناس يشبهونه، فتساوره الثقة بأن السياسيين ونجوم المال والفن والرياضة ليسوا هم وحدهم من يصنعون الأخبار، بل إن من هم أمثاله شركاء في صناعة الأحداث.

إلى سنوات خلت قلما كان القارئ يقع على خبر طريف مصدره بلد عربي و”أبطاله” عرب، باستثناء الأخبار الواردة من مصر. وما يزال هذا البلد يشكل مصدراً ثرياً لمثل هذه الأخبار التي لا تنقطع. ومن دواعي الأسف أن غالبية هذه الأخبار باتت في السنوات الأخيرة تتعلق بجرائم تفوق الوصف، وتقع غالباً في المحروسة لأسباب تافهة مثل شجار على الوقوف في طابور، أو (خناقة) على عدم تحضير المطلوب على العشاء أو رغبة حدث بالحصول على مال من أمه أو جدته. وتنتهي هذه المشكلات بجرائم تقشعر لها الأبدان.

من يتابع قراءة أخبار الصفحات الأخيرة بدأب مثل كاتب هذه السطور، يلاحظ أن الجرائم عموماً وفي عموم البلدان باتت تحتل حيزاً واسعاً من أخبار هذه الصفحات، ما ينغص على القارئ رغبته في الوقوع على أخبار خفيفة ومبهجة. لقد أصبح العنف صناعة وتقليداً ومزاجاًً لأفراد وجماعات كما للدول. وليس المجال هنا لتقصي أسباب الجنوح المتزايد للجريمة في الدول المتقدمة والمتخلفة على السواء، مع أن هناك خشية بأن وكالات أنباء تركز أو على الأقل تبالغ في متابعة جرائم اجتماعية دون سواها، بما يجعلها ذات مسؤولية في جعل المتلقين على ألفة مع هذه الأجواء والتطبيع مع العنف.

يلاحظ كذلك أن النجوم في عالم الفن والرياضة والمال أخذت أخبارهم تزاحم أخبار الناس العاديين في الصفحات الأخيرة. فكم من خبر نشر مثلا خلال العام الماضي عن المغنية بريتيني سيبرز ونجمة المجتمع باريس هيلتون على تفاهة كل منهما؟.

أخبار بلا حصر ولا عدد، تجعل القراء العاديين يشعرون أن هذا العالم ليس لهم. لقد تم الاستيلاء على الحيز الضيق لأخبار الناس العاديين من طرف المحظوظين، فبات الهامش يضيق أمام نشر أخبار الناس الذين يقبعون في الظل، فيجد القراء أنفسهم أمام أخبار الناس السوبر، بعدما هربوا من أخبار الزعماء السياسيين على الصفحات الأولى، أو إزاء أخبار أناس عاديين، لكنهم ويا للأسف جنحوا للجريمة لـ “حل “مشكلات بسيطة في حياتهم .

وهكذا مع أن مجرى الحياة العريض يشقه ويملؤه الناس العاديون المجهولون ممن لا يعرف أحد أسماءهم، إلا أن الفرز والانتقاء يفعلان فعلهما، فيتم تناقل وتقديم أخبار عن النخب والنجوم، فلهؤلاء سطوة ونفوذ على وسائل الأخبار ومصادرها. ولهذا فإن التحول طال حتى الأخبار الخفيفة، فلم تعد مصدر متعة أو مجالاً لسياحة الذهن في شؤون الناس البسطاء.

حتى الصفحات الأخيرة لم تعد تثير بهجة – محمود الريماوي
 
10-Jan-2008
 
العدد 9