العدد 60 - حتى باب الدار
 

أحمد ابو خليل

قبل غزو العراق وبعده قامت جهات أميركية بتدريب بعض العراقيين على مهارات الاتصال مع الجمهور، وكيفية الظهور في مقابلات تلفزيونية وكتابة المقالات في الصحف، وجرى تعليمهم على كيفية الاحتفاظ بالرأس مرفوعاً، وعدم التلعثم في الكلام ومواجهة الكاميرا عند الحديث.

الأميركيون لا يعرفون جيدا لغة الجسد العربي عموماً، فالرأس المرفوع عندنا ليس مجرد حركة جسدية، فالأصل هو الموقف الذي قد يسند الرأس ويرفعه أو يحنيه ويذله، والمسألة بالتأكيد لا تتصل بالأكتاف العريضة أو الأعناق الغليظة، فهذه وتلك لا تستطيع أن تسند أصغر الرؤوس إذا لم يكن هناك موقف يسمح بذلك. وحتى أولئك الذين اشتهروا برؤوسهم المرفوعة قد يجدون أنفسهم أمام موقف يحني تلك الرؤوس، وتجد الواحد منهم يقول: كيف أستطيع أن أرفع رأسي بعد اليوم؟. وسوف يعتبر من قبيل زيادة الطين بلّة، أن يقال له: إن الأميركيين سيدربونك على رفع رأسك من جديد.

الأمر نفسه ينطبق على حالة تفتيح العيون والمواجهة، فهذه أيضا ليست مهارة يمكن تعلمها إذا لم تستند إلى موقف يسمح بها، بل إن «المكاسرة بالعيون» واحدة من المسابقات التي تجري بين الأفراد يفوز فيها الأقوى موقفاً، أما عبارة «ضع عينك في عيني» فيقولها فقط من يثق بنفسه.

حالة واحدة يستطيع فيها الشخص الضعيف أن يرفع رأسه ويفتح عيونه، هي حالة الشخص الوقح. والواقع أن هناك وقحين يقودون شعوبهم، لكنهم أبداً لا يحتاجون إلى التدريب في أميركا.

**

العباسيون الجدد

ظل خصوم الرئيس الراحل عرفات يسمون المقربين منه «عرفاتيين» وكانوا عادة يقصدون بذلك توجيه شتيمة، ورغم محبة هؤلاء «العرفاتيين» لزعيمهم وتمسكهم به إلا أنهم لم يكونوا يرتاحون للتسمية، ولم أسمع أحداً غير جبريل الرجوب ذات مرة على شاشة التلفزيون يقول: نعم أنا عرفاتي.

بعد وفاة الرئيس عرفات ووصول عباس إلى السلطة، توقف استخدام التسمية كشتيمة، وذلك ببساطة لأن عرفات رحل من دون أن يترك لخصومه فرصة الاستمرار باعتبار الولاء له والانتساب إليه شتيمة، وحلت محل تسمية «عرفاتي» تسميات أخرى للإشارة إلى المجموعة نفسها مثل «المحيطين بعرفات» أو «أنصار عرفات السابقين» أو «المقربين من الرئيس الراحل».. وهكذا. هذا التبديل كان تعبيراً عن حيرة شعبية، فقسم من الناس استعجل واعتقد أن من كان مع أبو عمار فهو بالوراثة مع خليفته، أي أن من كان «عرفاتياً» هو بالضرورة «عباسي»، وإن لم يستخدم أحد هذه التسمية لأسباب متنوعة بعضها يتعلق بالجانب الشكلي للتسمية بالنظر لدلالتها في التاريخ، وبعضها يتعلق بالجوهر، أي بانتفاء المقارنة الإيجابية بين مواقف الرجلين، وبخاصة عندما يتذكر الناس أن عباس كان لغاية الأسبوع الأخير من حياة عرفات خصماً بل ومبعداً إلى حد ما.

من جهته، الرئيس عباس حاول على الدوام أن يبدو بمظهر الوارث الشرعي لعرفات، فصوره معلقة إلى جانب صور عرفات على مختلف الجدران الرسمية والفصائلية، والكليبات التي تعرضها الفضائية الرسمية تحرص على الصور التي تجمع بين الرجلين، غير أن أفضل ما حصل عليه هو تسمية «جماعة عباس».

بعد التطورات الأخيرة، فإن الأمر متروك لإبداعات الشعب الفلسطيني في العثور على تسمية مناسبة.

في أصول “رفع الرأس”
 
22-Jan-2009
 
العدد 60