العدد 60 - رزنامه
 

السّجل - خاص

يُنتج معرض الفنان اللبناني رائد إبراهيم «لكل داء دواء» صدمةَ وعي لدى المتلقي، من خلال إلباسِهِ مشاكلَ يعاني منها الجسد الاجتماعي لبوساً عضوياً، لتصبح كأنها أمراض عادية يمكن معالجتها، أو على الأقل تسكين الألم الناتج عنها بحبّة دواء.

يؤكد الفنان في هذا السياق، أن «إلباس معضلات سياسية ثوباً عضوياً هو محاولةٌ لمقاربة حلول لها، وإن كانت ليست واقعية في الحقيقة، لكنها تؤدي إلى النتيجة المرجوة». ويضيف أن «ثلاثية: (المشكلة، العلاج، الحل) معادلة تنقصها الواقعية، لكن لو تصورنا أننا نستطيع حل أزمتنا بحبة دواء لكانت الحياة أفضل».

العلاج هنا - بحسب إبراهيم- يداوي ظواهر ناتجة عن سبب معروف، لكن الوصول إليه، وبعد التجربة، من الصعوبة بمكان، بحيث يجعلنا نقبله ونسعى للتعايش بسلبية مع نتائجه.

المعرض المقام في غاليري مكان، يشتمل على عمل تركيبي لمجموعة من علب الأدوية المتجاورة بعضها مع بعض. على الحائط، فوق كل علبة دواء، ملصق (بوستر) صُمّم من وحي المشكلة التي أُنتج الدواء للتخلص منها، وبالقرب من كل علبة نشرةٌ ورقية دعائية تشجّع المستهلك على الشراء، أما في داخل العبوات، فهناك «وصفة» تبين مكونات العلاج، ودواعي الاستعمال، والجرعات، وكذلك موانع الاستعمال.

فهناك علاج «يحفز الانتماء ويعزز الولاء»، وآخر يدعو إلى «عيش الحياة الأميركية من دون آثار جانبية»، وقد كُتب على نشرته المرفقة أنه يحمي المعدة والجهاز الهضمي من المواد الصناعية في الأطعمة السريعة والمشروبات الغازية. وهناك علاج «مضاد للتخلّف»، وآخر «مضاد للرغبات الجنسية المثلية».

تتنوع أشكال علب الدواء، بعضها زجاجات، منها ما هو مَعْلَق ومنها ما هو حبوب، وبعضها الآخر شرائط لكبسولات وحبيبات، كما أنها تحمل أسماء دالّة، فالـ«ميديغري» وهي كلمة إنجليزية تعني بالعربية «الموافقة»، حبوب تُصرف للخادمات، بحيث يمكن أن يعملن لساعات طويلة من دون تذمّر أو تعب، وعندها لا يحتاج رب العمل إلى استعمال «العصا»، أما الملصق (البوستر) المرفق لهذا العلاج فعليه صورة لنساء يرتدين أثواب الخادمات وبأيديهن أدوات التنظيف من مكانس ومماسح.

علاج «رفيوتين» مضادٌّ للنكبات، وقد ثُبت على بوستر الدعاية المصمم باللونين الأحمر والأسود -إشارة إلى دموية الحروب-: «أنت الآن في وطنك». هذا العلاج يساعد اللاجئين على نسيان المآسي التي حلّت بهم، والهجرة القسرية التي تعرضوا لها. أما علاج «قلة الحيلة» فاحتوى البوستر الخاص به على صورة لرجل يقف مكتوف اليدين لا حول له ولا قوة. هذا العلاج يساعد على استنهاض الهمم وفعل التغيير.

أما الـ«ويسكريفيم»، فهي أقراص كُتب عليها «الحبة السريعة للمرأة المطيعة»، وعلى الغلاف صورة لمرأة واحدة بحالتين، الأولى وهي تضحك بمرح، والثانية وهي تبدو حزينة وآثار دم على جبينها وفمها تشير إلى أنها تعرضت للضرب.

تبلغ السخرية السوداء البعيدة عن الإسفاف والاستسهال مبلغها حينما يقرأ زائر المعرض تحت أكثر من عبوة علاج عبارة: «لا يصرف إلا بموافقة الجهات الأمنية».

لا يخلو المعرض من طرفة ذكية، وناقدة في الوقت نفسه، وهذا ما تميزت به أعمال إبراهيم الحاصل على شهادة عليا في الرسم والتصوير من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية (1998)، وله مشاركات في ورش عمل ومعارض في الأردن ولبنان وأيرلندا وإنجلترا، وقد أقام معرضين شخصيين في زيكو هاوس ببيروت (2001)، والمركز الثقافي الفرنسي بعمّان (2007).

“لكل داء دواء”:صيدلية للأمراض الاجتماعية
 
22-Jan-2009
 
العدد 60