العدد 59 - أردني
 

نهاد الجريري

لم ينته نهار الاثنين 14/4/2008، إلا وكانت 3 جثث قد تفحمت في سجن الموقر، بعد اندلاع أحداث شغب كانت قد بدأت في ساعة مبكرة من صباح ذلك اليوم.

الجثث كانت لثلاثة من نزلاء السجن: نزيل محكوم بتهمة القتل، وثان بتهمة الاتفاق الجنائي، وثالث بتهمة السرقة.

في ذلك اليوم، احتجت مجموعة من النزلاء على تصنيف السجناء وإعادة توزيعهم بحسب الجرائم المحكومين بها أو الموقوفين على ذمتها؛ بحيث يضم أحد المهاجع المحكومين بجرائم القتل، ومهجع ثان المحكومين بجرائم السرقة، وهكذا. الاحتجاج وصل ذروته عندما أضرم النزلاء النار في أحد المهاجع ما أدى إلى وفاة النزلاء الثلاثة.

بعد ذلك بيوم وصل الشغب إلى سجن سواقة، أكبر السجون الأردنية. 500 سجين ضربوا أنفسهم بالآلات الحادة تحسبا لنقل أعداد منهم إلى سجن الموقر. تدخلت قوات الدرك وضربت حصارا على السجن وأخمدت التمرد.

تفاوتت ردود الفعل على هذين الحادثين وخاصة ما حدث في الموقر. رئيسة وحدة الإصلاح والتأهيل في المركز الوطني لحقوق الإنسان نسرين زريقات قالت وقتها إن أعمال الشغب ترجع إلى «سوء المعاملة التي يتلقاها النزلاء من بعض أفراد مرتب السجن المذكور، والتي تزامنت مع عمليات النقل غير المدروسة للنزلاء لغايات التصنيف والعزل».

في الجانب الآخر، بعض الجهات ومنها نواب اعتبروا التقرير «متسرعا». كما كتب صحفيون ومنهم باتر وردم، المهتم بالقضايا الحقوقية، أن المركز «لم يركز بالشكل الكافي على تقييم سياسة عزل المساجين، وهي التي تسببت في غضب السجناء وبخاصة المخضرمين والزعماء منهم، الذين يريدون ممارسة سطوتهم على المساجين الجدد».

مدع عام في منطقة غرب عمان، تحدث طالبا عدم ذكر اسمه، لفت إلى أهمية العمل بسياسة الفصل. وهو يذكر، على سبيل المثال، كيف أن فتاة أوقفت «حفاظا على حياتها» لتغيبها عن منزل ذويها أياما، لكنها احتجزت في مهجع مع أخريات محكومات في قضايا آداب ومخدرات، بدأن في التقرب منها. ويضيف المدعي العام أنه عندما خرجت الفتاة من الحجز، وبعد رفض أهلها استقبالها، اضطرت الفتاة إلى طلب المساعدة من هؤلاء السجينات، وهو ما فاقم وضعها وتسبب في انخراطها بأعمال مشبوهة.

مصدر مطلع، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، روى أن إدارة السجن اضطرت إلى «عزل» سجين أجنبي محكوم في قضية دهس، بعد أن تعرض لمحاولة اغتصاب داخل المهجع.

المطالبة بتجميع السجناء من خلفية واحدة في مهجع واحد، كانت سببا في حوادث شغب اندلعت في آذار/مارس 2006، واحتلت مساحات واسعة من الأخبار العالمية والمحلية. وقتئذ، اندلعت احتجاجات متزامنة في ثلاثة سجون هي: قفقفا في منطقة جرش، وسواقة، على بعد 80 كيلومتراً جنوبي عمان، وسجن «الجويدة» الذي يقع على بعد 20 كيلومتراً جنوبي العاصمة. وفي التفاصيل أن الاحتجاجات بدأت في سجن الجويدة إذ طالب سجناء ينتمون لتنظيمات إسلامية بتجميعهم في مهجع واحد. تدخلت إدارة المركز لتهدئة الوضع، لكن السجناء تمكنوا من احتجاز عدد من مرتبات السجن وصل عددهم 13. كما تمكن هؤلاء من الحصول على أسلحة. الأزمة انتهت بعد عملية تفاوض تدخل فيها زعماء عشائر ووزير الداخلية.

العام 2007، شهد «زيادة في وتيرة الشغب داخل السجون»، بحسب ما جاء في التقرير السنوي للعام 2007 الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان. التقرير أشار إلى شغب سجن بيرين في آذار/مارس 2007، الذي أسفر عن إصابة 35 نزيلا، وشغب سجن سواقة الذي أدى إلى إصابة 360 نزيلا في آب/أغسطس 2007. في هذا الحادث، قام 500 نزيل «بضرب أنفسهم بالآلات الحادة» وذلك أثناء زيارة لوفد من منظمة هيومن رايتس ووتش.

وكرد فعل على هذه الأحداث، أعلن بعد أيام عن إعفاء المقدم ماجد الرواشدة مدير - مركز اصلاح وتأهيل سواقة - وتعيين العقيد عبدالكريم العقيلي مكانه.

كما لاحظ التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان في الأردن ازدياد عدد الإضرابات عن الطعام المنفذة من قبل النزلاء خلال العام 2007، حيث بلغ 867 إضرابا. واعتبر أنها تعود «بمجملها إلى عدم البت في أمر النزيل بالرغم من طول مدة توقيف بعضهم قضائيًا أو إداريا، أو عدم الإفراج عنه بكفالة، أو نقله إلى مركز آخر؛ ما يزيد من صعوبة الاتصال به أو زيارته أو تقديم المساعدة القانونية له، أو رعايته صحيًا بصورة مرضية». أما إضراب النزلاء المتهمين بقضايا تمس أمن الدولة فقد عزاها التقرير إلى «سوء المعاملة وضربهم من قبل المرتب القائم على حراستهم، أو تردي أوضاعهم المعيشية داخل السجن وحرمانهم من بعض حقوقهم بوصفهم سجناء».

أما حالات الانتحار، فقد أعلن مدير إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل العقيد شريف العمري في آب/أغسطس من العام 2008 عن إحباط 40 محاولة انتحار، فيما سجلت العام الماضي حالتا انتحار: قام بإحداها نزيل في سجن معان، والثانية موقوف في مديرية إربد. في العام 2007، وبحسب تقرير الوطني لحقوق الإنسان، انتحر 3 نزلاء؛ نزيلان في سجن قفقفا بتاريخ 14/4/2007، و 14/8/2007، وثالث كان موقوفا في مركز أمن البيادر. إدارة مراكز التأهيل والإصلاح ترجع هذه الحالات إلى «دوافع نفسية».

محمد عصفور مدير المركز الوطني للصحة النفسية يلحظ أن حالات الانتحار غالبا ما تحدث عندما يحال الشخص إلى المحكمة أو عندما يوشك على الخروج من السجن. ويزيد أن ثمة برنامجا لزيارة مراكز الإصلاح، إذ يعيّن لكل مركز طبيب يقوم بزيارات دورية كل أسبوع أو أسبوعين، أو كلما دعت الحاجة. وبناء على هذه الزيارات، يعتبر عصفور أن عدد المرضى النفسيين من النزلاء أو ممن قد يظهرون ميولا للانتحار «قليل»، وهو يؤكد أن معظم الذين يراجعون العيادات النفسية في مراكز الإصلاح لا يحتاجون طبيبا نفسيا بقدر ما يحتاجون إلى أخصائي اجتماعي أو حتى مرشد ديني.

نبهان أبو صليح، رئيس اختصاص الطب النفسي في وزارة الصحة، يلفت إلى أن معظم حالات الانتحار تتم كمحاولات للفت الانتباه و»تحقيق مكاسب مادية» من خلال «التهديد» بالانتحار. وهو يعتبر أن الطبيب النفسي الذي يزور المركز قادر على استطلاع أحوال النزلاء وميولهم النفسية من خلال مشاهدات وملاحظات الأطباء العامين أو ضباط ومرتبات السجن ممن يحتكون في صورة مباشرة ومستمرة مع النزلاء. ويؤكد أن النزيل قد يكشف عن مكنوناته للطبيب النفسي المناوب لدى زيارته في العيادة. وبحسبه، فقد أثبتت دراسات عالمية أن 50 في المئة ممن ينتحرون في السجون حاولوا بطريقة ما البحث عن «مساعدة».

بلغ ذروته في 2007: شغب السجون: الانتحار من أجل تحسين شروط الإقامة
 
15-Jan-2009
 
العدد 59