العدد 59 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

هدوء ظاهر للعيان، وحزم لا يحتاج إلى دليل، أما ديدنه، فالإصلاح ما استطاع إلى ذلك تطبيقاً.

مشواره الأكاديمي اصطدم بمعوقات، وحيكت ضده «مؤامرات» تحطمت على صخرة صلابته الداخلية، وإيمانه الراسخ بمشروعه، غير القابل للقسمة على واسطات ومحسوبيات وأهواء.

فتح عبد الرحيم الحنيطي، عينيه على الدنيا في أطراف قرية أبو علندا العام 1952، على بعد أمتار من مسجد كهف أهل الكهف. وحيد أسرته إلى جانب سبع شقيقات.

تحدّر من عائلة بسيطة وعاش عيشة متواضعة، فوالده مربي مواشٍ، ولطالما سرح مع القطعان متملياً في المدى.. حيث تستيقظ أشجار وتهجع في سفرها الغامض جبال.

مدرسته الابتدائية الأولى كانت تقع على مسافة 15 كيلومتراً في ماركا الجنوبية. كم توالى صيف وأرعدت في دروب طرقها شتاءات!!

الفتى الأسمر الذي اتصف بعقلانيته برّز في مواد العلوم، وبصفة خاصة في مبحث الكيمياء، ونال أفضل العلامات.

تحدي المترك صنفه ضمن فئة من الطلاب المتفوقين، فجرى نقلهم إلى كلية الحسين حيث أكمل دراسته الثانوية، وحاز التوجيهي العام 1971.

بعثة دراسية من وزارة التربية والتعليم حققت له أمنيته بدراسة العلوم الحياتية «البيولوجي» في الجامعة الأردنية التي تخرج فيها العام 1975.

توفي والده إبان دراسته في الأردنية، وترك فراغاً كبيراً، تحملت والدته عبء القيام بمسؤوليات العائلة «والدتي سيدة عصامية ومجاهدة، لم تأل جهداً في دعمنا والاهتمام بالعائلة مع المحافظة على مصدر دخلها الوحيد».

عقب تخرجه كان مفترضاً أن يعمل في سلك التعليم، لكنه اختار دفع التزاماته المالية مقابل ابتعاثه، وسافر إلى الولايات المتحدة الأميركية لإكمال دراسة الماجستير والدكتوراه على نفقته الخاصة.

انتسب إلى جامعة في ولاية كاليفورنيا، ولم تكن حياته الجامعية سهلة، فقد تعين عليه الاعتماد على نفسه في تأمين قوت يومه وأقساط دراسته. عمل في شتى الوظائف: مطاعم، محطات وقود، مصانع ومحلات سوبرماركت، وحاز الماجستير في الأحياء الدقيقة العام 1979.

من بلاد الشمس والبرتقال انتقل إلى ولاية واشنطن دارساً للكيمياء الحيوية في جامعة الولاية، ونال الدكتوراه في العام 1982.

عمل في الفترة من 1981 - 1983 كمساعد باحث في جامعة ولاية واشنطن.

اتصال هاتفي من رئيس جامعة اليرموك عدنان بدران، الذي درّسه في «الأردنية» وربطت بينهما علاقة دافئة، غيّر مجرى توجهاته الأكاديمية، فقد عرض عليه العودة إلى الأردن والعمل في جامعة اليرموك.

حطت به الرحال في اليرموك، وكانت له مساهماته في انطلاقة الجامعة العلمية وحياتها الأكاديمية وبناء مختبراتها. وفيها حاز الرتب الأكاديمية في وقت قصير.

تزوج في مطلع العام 1984، وله من الأبناء: ثلاث بنات، وابن واحد هو أحمد.

انتقل في العام 1993 إلى جامعة مؤتة مساعد رئيس وعميداً للبحث العلمي والدراسات العليا. وتزامل مع معروف البخيت الذي كان نائباً لرئيس القسم العسكري في الجامعة.

العام 2000 عاد إلى جامعة اليرموك لفصل دراسي واحد، فقد استقطبه عدنان بدران مرة ثانية نائباً له في جامعة فيلادلفيا «بدران أستاذي الذي أفتخر بعلاقتي به».

أمضى أربع سنوات في «فيلادلفيا»، ثم حل في «اليرموك» لفترة قصيرة أيضاً.

شهد شهر كانون الأول/ديسمبر 2004 نقلة مهمة في حياته الأكاديمية حين اختارته، دون واسطة، لجنة شكّلها رئيس الوزراء فيصل الفايز، رئيساً للجامعة الأردنية، وهو أول رئيس لها من خارج كادرها. «الأردنية كانت تحدياً، فلم أكن أخدم بها، ولأول مرة يأتي رئيس من خارج كادرها. وبعد دراسة متأنية لمكونات التعليم الأساسية فيها وضعنا خطة للنهوض بالجامعة تقوم على تحسين النوعية الأكاديمية بجميع مكوناتها».

قراره الذي لا يندم عليه بفصل عدد من الطلاب المقصّرين، كان أحد بنود الخطة، وجر عليه انتقادات وحملة صحفية كبيرة. «لو عاد الزمن لاتخذت القرار نفسه، لأن فيه مصلحة وطنية ولاقى استحسان الهيئة التدريسية، فبعض هؤلاء الطلاب أمضى 14 - 16 فصلاً دراسياً دون أن ينجح، وتحولوا بعد إنذارهم إلى الدراسة الخاصة، لدرجة أن زملاء لهم أنهوا دراستهم وعادوا معيدين ومدرسين وهم ما زالوا يراوحون في حالتهم».

لم يكتف الحنيطي بالقرار، لكنه وضع تعليمات تمنع تكرار هذه الحالات. ردة الفعل إزاءه «اتسمت باللاموضوعية» وفق أكاديمي زامله، «فقد استغل أصحاب الأجندات الخاصة والطامعون في رئاسة الجامعة القرار للهجوم على الحنيطي، بدعوى أن المستهدف به الطلبة الأقل حظاً، وأصحاب المكرمات والقوات المسلحة، علماً بأن غالبية الطلاب المفصولين كانوا من الميسورين».

قرار إقالته من رئاسة الجامعة مهره معروف البخيت بتوقيعه حين كان رئيساً للوزراء. ويرى عارفون ببواطن الأمور أن تحالفاً «مصلحياً» وقف وراء القرار.

يشرح أحد الأكاديميين «أن ثلاثة شخصيات بعينها، من ذوي الألقاب، وقفوا ضد الحنيطي، أما قرار الإقصاء نفسه الذي صدر في حزيران/يونيو 2007، فكان يخلو من اللياقة، فقد أقصي الرجل قبل أسبوعين فقط من حفل التخرج الطلبة». ما يدعوه للتعقيب بأسف قائلاً: «الفترة كانت صعبة» دون أن يزيد حرفاً.

اختير في العام نفسه لتأسيس هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي: «لي الشرف أن أكون مؤسساً وأول رئيس لها».

عيّن رئيساً للجامعة الهاشمية مقتبل العام 2008، وما زال.

يصفه موظف يعمل معه بأنه «يمقت الواسطة مقتاً شديداً، ويخصص كل يوم ثلاثاء لمقابلة مراجعيه دون الرجوع للتراتبية الإدارية، ويهتم بنوعية الطلبة الذين تخرجهم الجامعة لا بعددهم».

ويتذكر آخر «كيف رفض واسطة ثلّة من النواب في مسألة تتعلق بالسلوك الجامعي، وأبدى موقفه بحزم لدرجة ظهر فيها الانفعال على وجهه».

«أؤمن أن أحد أهم نقاط قوة الوطن، تكمن في الموارد البشرية المؤهلة التي تخرجها جامعاتنا». يقول ثم يعطف «لدى جامعاتنا سمعة طيبة في العالم، والمحافظة على هذه السمعة هو التحدي الكبير الذي يواجهنا، في ظل ازدياد أعداد الطلاب والجامعات. وما يقلقني هو الخوف من تدني مستوى التعليم العالي، لذا أنا من المنادين بتفعيل هيئات الرقابة للمحافظة على الجودة وتحسين الأداء، الذي لا يتأتى إلاّ بتحسين الكفاءات القيادية في الجامعات، وبُعدها عن الواسطة والمحسوبيات سواء في الكوادر التدريسية أو في الادارة الجامعية العليا، لأننا نختار الأفضل لتعليم أبنائنا، وليس بموجب صلة القرابة والنسب والمتطلبات الانتخابية».

على خلاف غيره من المسؤولين وكبار الأكاديميين، ما زال يقيم في أبو علندا التي ضُمت إلى عمان الكبرى، يأبى الرحيل عن مرابع طفولته وصباه، حيث ما زال.. ثمة مدى.

عبدالرحيم الحنيطي: عصامي يراهن على نوعية التعليم
 
15-Jan-2009
 
العدد 59