العدد 57 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

خمس عمليات جراحية كبرى في القلب خضع لها النائب السابق عبد المنعم رأفت محمد أبو زنط، مؤخراً، فضلا عن أثقال حياتية أخرى، لم تحد من نشاطه الاجتماعي والسياسي، ومسارعته إلى البر وجرأته، وفكاهته.

"هذه الأيام أطالع أقل الأخبار كذباً، صفحات الوفيات". بهذه العبارة يباغت "أبو زنط" زائريه، هو الذي رأى النور في حارة "الياسمينة" بنابلس (28/9/1937)، لأسرة متواضعة احترفت الجزارة، وما زالت. فثمة 25 دكان جزارة للعائلة في نابلس اليوم، فضلا عن دكاكين أبناء عمومته في طولكرم.

"والدي رأفت كان رمزا للكفاح، رغم ابتلائه بمرض في القلب وتقدم سنه، وأحمد الله أنه ليلة وفاته في العام 1964، أثنى علي وأمطرني بالدعاء زهاء 40 مرة".

كما تركت أمه أثراً بليغاً في نفسه، رغم أمّيتها، لكنها كانت "قدوة حسنة"، و"مجاهدة في تحمل الضيق الذي ألم بالعائلة بعد مأساة 1948"، بسبب مرض الوالد الذي تطلب منه بيع الأخضر واليابس لمعالجته في مستشفى المطلع في القدس الشريف، فضلا عن حث أمه له لإكمال دراسته في الأزهر الشريف.

التحق منذ نعومة أظفاره بالمدرسة الخالدية في الحي الغربي من نابلس 1944، وبقي فيها إلى العام 1949، وما زال يذكر أساتذته الذين كان لهم افضال عليه، كالمدير (أديب كمال)، وأستاذ اللغة الإنجليزية فوزي مسمار، وآخر من عائلة عبد المجيد، وأستاذ الحساب نصوح السخن، وأستاذ الدين الحاج صديق كمال، وأستاذ العربي حكمت أبو غزالة "رحمهم الله جميعاً".

أدى به مرض والده إلى الانقطاع عن الدراسة ست سنين، تردد أثناءها على الشيخ العالم الزاهد موسى الأحمد السيد، إمام مسجد نمر النابلسي، وتتلمذ على يديه دروساً خاصة في مكتبة المسجد في الفقه واللغة العربية والتوحيد .

"مطلع العام 1952 -يقول عبد المنعم- أكرمني ربي وحفظ ديني وخلقي منذ بلوغي الحلم بأن احتضنتني جماعة الإخوان المسلمين فكرا وتربية".

توجه في العام 1956 إلى القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف، وبقي فيه حتى العام 1965، اعتقل خلالها مرتين، وطرد من مصر، الأولى في العام 1962 والثانية في "محنة الإمام الشهيد سيد قطب في العام 1965".

خلال سنتين من الدراسة الأزهرية انتخبه طلاب العالم الاسلامي من مائة دولة، ممثلا لهم في الاتحاد العام لطلاب الجمهورية العربية المتحدة، وكان عمره 21 عاماً.

من موقعه في الاتحاد عمل على حل العديد من مشاكل الطلاب، ويذكر مبتسما واحدة منها: تبنيت حل مشكلة الطالب عبد الرحمن نشأت التميمي، بإدخاله في كبرى وأرقى ثانويات مصر الكائنة في حي الدقي، وذهبت لمقابلة ناظر المدرسة، وكان بمثابة وزير، وأطلعته على أوراق عبد الرحمن فقال بعد أن قلّبها: "هذه الأوراق ينقصها حسن السلوك"، فأجبته قائلاً: يا سعادة الوالد، حضرنا إلى سيادتكم لكي يكمل الطالب عبد الرحمن ما ينقصه من خلق أو سلوك من سيادتكم. ففرط من الضحك، ورد قائلاً: شكراً على هذا الإطراء، ووقّع الأوراق.

ذات مرة ألقى كلمة مرتجلاً أمام شيخ الأزهر "الإمام الأكبر الشيخ محمد شلتوت"، بطلب من المدير العام للثقافة الإسلامية ووزير الأوقاف لاحقاً محمد البهي، تحدث فيها عن مأساة فلسطين، وكان لها أبلغ الأثر في نفس شيخ الأزهر، حتى أدمعت عيناه وأصر على تقبيل رأس الطالب "أبو زنط" رغم أنفه. "فذبت حياء وإجلالا للسادة العلماء"، يقول عبد المنعم.

أبعدته السلطات المصرية برفقة طلاب آخرين من الإخوان بالباخرة إلى بيروت، ومنها انتقلوا إلى دمشق وتوسط لهم العالِمان مصطفى الزرقا ومحمد المبارك للدراسة في جامعة دمشق، إلا أن اثنين من الطلاب كانا يدرسان الطب في جامعة الإسكندرية لم يستطيعا المضي قدماً في الدراسة في جامعة دمشق، لأن التدريس يتم فيها باللغة العربية، ما دعاه لاستخارة الله والتفكير بالسفر إلى بغداد.

آنذاك زارهم أحد الإخوان وأخبرهم أن رئيس الحزب الإسلامي العراقي عبد السلام عارف أبلغه رسالة فحواها "لا تقطعوا شعرة معاوية بيني وبين جمال عبد الناصر"، وأكد لهم هذا الشخص أنهم سيُعتقلون في حال إصرارهم على السفر. لكن وساطة اللواء الركن محمود شيت خطاب الذي التقوه على الحدود، سهّلت دخولهم إلى العراق وانتسابهم إلى جامعة بغداد. والتحق أبو زنط بكلية الشريعة. وتخرج فيها في العام 1966 حائزا شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية والآداب.

شد الرحال إلى السعودية متعاقدا مع ثانوية الشاطئ في مدينة جدة، ومن ثم الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة التي كان رئيسها عبد العزيز بن باز.

أكمل نصف دينه في مدينة السلط بعيد حرب 1967، ولم يحضر عرسه من ذويه سوى شقيقه الأصغر، فبقية أهله كانوا أسرى الاحتلال، وله من الأولاد ثلاثة ذكور وأربعة بنات أكبرهم أنس.

عاد من المدينة المنورة في العام 1969 وعُين أول مرشد ديني للأمن العام يوم 1/7/1969، وبقي في منصبه حتى 21/7/1972، حيث فُصل لرفضه أي تدخل في محاضراته.

عمل لمدة عام في التدريس في الكلية العلمية الإسلامية، ثم "فُصل سياسياً بسبب الأثر التربوي" لمحاضراته، بحسب قوله.

من طلابه في الكلية: عبد الحليم محمد رسول الكيلاني، ناصر أحمد اللوزي، عوني محمد البشير، مازن محمد البشير، سيف الدين حابس المجالي، وعمر محمد نزال العرموطي.

حطت به الرحال في الكويت، التي توجه إليها متعاقدا مع وزارة التربية والتعليم، وأمضى فيها ثماني سنوات، خطب خلالها في مسجد "الشايجي" في "النقرة".

امتهن التجارة في مدينة صويلح بعيد عودته إلى الأردن، بسبب من "محاربة الحكومات" له في رزقه، بحسب قوله.

الكربة فرجها الله في العام الدراسي 1982-1983 حين عُين مدرّساً في كلية المجتمع العربي التي كان يرأس مجلس إدارتها "الصديق معالي الأستاذ ذوقان الهنداوي".

لكنه لم يلبث أن فُصل منها للسبب نفسه الذي فُصل فيه من الكلية العلمية الإسلامية، وفقه.

يضيف أنه جرى اعتقاله خمس مرات ما بين حزيران 1979 وشباط 1989، حيث اختير نائباً في المجلس الحادي العشر بعيد عودة الحياة الديمقراطية، بعدد أصوات ناهز العشرين الفاً. وانفرد بحجب الثقة عن حكومة مضر بدران 1990 مخالفا لرأي كتلة الحركة الإسلامية.

عاد ممثلا للدائرة الثانية بعمان في البرلمان الثاني عشر. وتعرض إلى اعتداء إبان خروجه من مسجد أبي هريرة في حي نزال في العام 1994، أوجب نقله إلى المستشفى للعلاج.

التزم بمقاطعة انتخابات 1997، لكنه ترشح في انتخابات 2003 خارج نطاق قائمة حزب جبهة العمل الإسلامي، ما جر عليه اتخاذ إجراءات تأديبية بحقه : «رشحتني الجماهير كداعية اسلامي مستقل، والحزب فصلني تنظيمياً، لكني سأظل أقيم الحجة الشرعية عليهم».

عُرف بصراعاته السياسية داخل قبة البرلمان وخارجها، وتعرض للتوقيف في العام 1999 ومعه مدير التحرير في صحيفة «العرب اليوم» عزام يونس، على خلفية مقالات هاجم بها سياسة حكومة عبد الرؤوف الروابدة، وجرى التحقيق معه بتهمة القدح والذم .

تكرر تصادمه مع الروابدة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية في شهر كانون ثان/ يناير 2006، عندما غمز في خطبة له بالبرلمان من قناة «إبعاد قادة حماس عن الأردن».

ترشح في انتخابات 2007 نزولا عند رغبة محبيه، لكن الحظ لم يحالفه، «إن العصفور في عشه يعلم لماذا لم يعلن فوزي في الانتخابات».

«أبو أنس» الذي يتصف بروح ساخرة ما زال يصنع الكنافة النابلسية بيده، ويقال إنه يتقن صنعها.

عبد المنعم أبو زنط: يتقن صنع المعارضة والكنافة
 
01-Jan-2009
 
العدد 57