العدد 57 - أردني
 

نادر رنتيسي

«الاختلاف في التفاصيل»، ذلك ما يبدو أنه يميز الحصاد الثقافي على الصعيد المحلي للعام 2008، حيث إن الخطوط العامة لمفردات الفعل الثقافي جاءت في سياقاتها. ولم تجنح تلك الخطوط، على كثرتها وتداخلها، كثيراً، نحو المغايرة والاجتراح، إلا في مناسبات محدودة، تحتاج إلى المراكمة لتحفر لها مساراً.

وزارة الثقافة واظبت على تنظيم ملتقيات وأنشطة ثقافية وفنية متعددة، إلى جانب المساهمة والدعم «اللوجستي» الذي قدمته لهيئات ثقافية أخرى. بيد أن أداءها على أكثر من صعيد كان مثاراً للجدل، وعرضة للنقد من أوساط إعلامية ونخب ثقافية، حيث زاد الضغط الصحفي في 2008، من تركيزه على آلية تشكيل الوفود التي تشارك في الأسابيع والمناسبات الثقافية في الخارج واعتمادها على موظفي الوزارة، وتكريس حضور الجانب التراثي الفني الذي يشغل حيزاً كبيراً من تشكيلة أي وفد دون أن يعبر عن المشهد الثقافي المحلي.

كما وجهت انتقادات إلى آلية اختيار الملحقين الثقافيين في السفارات الأردنية في الخارج، بأن يكونوا ممثلين من الجسم الثقافي، وضرورة تفعيل دورها، وتخطي وظيفة متابعة شؤون الطلبة المبتعثين للدراسة في الخارج.

إلا أن الجدل الأبرز أثارته جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، حيث توزعت جوائز الدولة التقديرية على النحو التالي: في حقل الآداب (في مجال النقد الادبي) منحت الجائزة مناصفة لكل من محمود السمرة وهاشم ياغي، وفي حقل الفنون (في مجال التمثيل) مناصفة بين الفنان محمد عواد العبادي والفنانة قمر الصفدي، وفي حقل العلوم الاجتماعية (في مجال القانون الدولي) للدكتور غسان الجندي، وفي حقل العلوم (في مجال الصيدلة) مناصفة بين الدكتور عدنان بدوان والدكتور فراس علعالي.

وفاز بجوائز الدولة التشجيعية في حقل الآداب (في مجال السيناريو) الروائي هزاع البراري، وفي حقل العلوم (في مجال المشاريع الزراعية والمائية الريادية) منحت الجائزة للراحل محمود عبد الرحمن بني فواز، فيما منحت الجائزة في حقل العلوم الاجتماعية (في مجال المشاريع الاجتماعية) مناصفة لكل من جمعية الحسين لتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في عمان وجمعية الجنوب للتربية الخاصة في معان.أما جائزة الدولة التشجيعية (في حقل الفنون في مجال الأفلام الروائية القصيرة) فقد حجبت لضعف الأعمال المتقدمة لها.

الجدل الذي أثارته الجوائز بدأ من المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزيرة الثقافة نانسي باكير، حيث اعترض البعض على فوز االبراري، وهو موظف في الوزارة بالجائزة، معتبرا أن ذلك يشكك في مصداقيتها. ولم يكن ذلك إلا مقدمة لمشكلة أكبر تمثلت في إعلان محمود السمرة، للصحفيين الذين هاتفوه مهنئين ومستطلعين رأيه، عزمه عدم استلام الجائزة لرفضه مبدأ المناصفة، وهو ما حدث في حفل رعاه رئيس الوزراء.

مخرجات أخرى لوزارة الثقافة أصبحت هدفا لسهام النقد، فكانت الدورة الخامسة عشرة لمهرجان المسرح، مخيبة لكثير ممن تابعوا فعاليات المهرجان، فتراجع أداؤه الإداري والفني.

رابطة الكتاب الأردنيين، وهي إحدى أهم واجهات العمل الثقافي في الأردن، حافظت على نسق نشاطها في إقامة الفعاليات والندوات والمؤتمرات، رغم أن معظمها بقي يبحث عن الجمهور، وبهذا الهاجس استحدثت الرابطة هذا العام ناديا داخل مقرها الجديد الكائن في الشميساني، بغية خلق تفاعل مع مختلف الشرائح المجتمعية المختلفة. وأعلن في افتتاحه، في رمضان الفائت، أن أحد أهم أهداف النادي أن لا تبقى علاقة الرابطة نخبوية مقتصرة على شريحة معينة من المثقفين والكتاب، إلى جانب الحاجة إلى توسيع قاعدة مرتادي الرابطة إلى مختلف الأوساط الاجتماعية.

الرابطة أنهت العام بحدث «استثنائي»، حيث استضافت مؤتمر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وتم فيه إقرار تعديلات «جوهرية» تناولت إعادة صياغة مقدمة النظام الأساسي، وبعض البنود الإدارية في معظمها، ما حدا برئيس رابطة الكتاب الأردنيين إلى القول في تصريح لـ«السّجل»: «إن المؤتمر سيكون علامة مهمة في تاريخ الاتحاد» مشيرا بذلك إلى «إعادة صياغة نظامه الأساس بصورة شاملة».

مراكز ثقافية مر عليها العام بكثير من الازدحام في استضافة الملتقيات والأنشطة المختلفة، بيد أن إدارة المركز الثقافي الملكي اتخذت قرارا بأن يكون أحد الأذرع في تحريك النشاط الثقافي في الأردن، وأن يكون له دور أكبر من كونه «مسرحا للفعاليات» التي تقيمها الهيئات الثقافية المتعددة في العاصمة. وكان شهر رمضان بداية التطبيق الفعلي لذلك التوجه، عبر إقامة فعاليات متنوعة على مدار الشهر، استمرت إلى الفترة السابقة لنهاية العام، بصيغة فعاليات دورية، أسبوعية أو شهرية.

إلى ذلك شهد العام 2008 خسارات ثقافية وفكرية وإبداعية كبيرة، تمثلت في رحيل مبدعين كان بعضهم على قيد الكتابة والإبداع حتى لحظاتهم الأخيرة.

كان حضور الموت مؤذيا بداية العام إذ غيب في شباط ( فبراير) القاص والصحفي الزميل بدر عبد الحق، الذي صارع مرض الزهايمر على مدار خمسة عشر عاما.

وكان الراحل الذي توفي عن 63 عاما، ولد في مدينة الزرقاء في العام 1945، وحصل على ليسانس في الشريعة من جامعة دمشق العام 1968. ويعتبر من الأصوات القصصية المهمة في حقبة السبعينيات وما تلاها، إضافة إلى كونه صحفيا وكاتبا متميزا.

وبدت يد الموت غليظة وهي تختطف الكاتب محمد طمليه في الثالث عشر من تشرين الأول/أكتوبر إثر معاناته مع مرض السرطان، حيث كان أصيب في العام 2004 بورم خبيث في لسانه، بعد أشهر قليلة من خروجه من أزمة صحية شديدة، حيث خضع لجولات علاج متعددة.

بداية طمليه، المولود في الكرك العام 1957، كانت قصصية حيث أنبأت مجموعته الأولى «جولة عرق» مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بقاص مغاير، يكتب نصا خاطفا بأقل ما يمكن من الكلمات، يطرق موضوعات المهمشين، مخلصا للأيديولوجيا التي شكّلت وعيه، وكانت تطغى على أدب تلك الفترة، بيد أنه لم يعمد إلى الصراخ، كما ابتعد بها عن لغة البيانات السياسية.

غيب الموت هذا العام في التاسع من شهر حزيران/يونيو الماضي المؤرخ سلمان الموسى الذي كان علامة بارزة في الحركة الثقافية الأردنية والعربية.

أمسك الموسى بتاريخ الأردن جيدا، وامتلك ثروة من الوثائق، وعاصر ملوك الأردن، وشهد الأزمنة الصعبة وسنوات البناء، والتحولات الكبرى التي مر بها الأردن والمنطقة. وعلى مدى ما يقارب القرن، عشق الموسى الأردن وتاريخه، أعطاه الكثير ومده بمؤلفات مهمة من الصعوبة اختصارها وتكثيف رحلة حياة حفلت بهذا العطاء الكبير، الذي لابد وأنه أمده بأسرار غادرت معه.

كما توفي في الثلاثين من شهر تموز (يوليو) الشاعر إدوارد عويس، بعد مسيرة إبداعية حافلة أصدر خلالها كتبه الشعرية: «ريادة» في العام 1977، «رواد المساء» في العام 1985، «سوار الأغنيات» في العام 2007، إضافة إلى العديد من المخطوطات الشعرية والمخطوطات الفلسفية التي لم تنشر بعد، بالإضافة إلى مخطوطات شعرية ونثرية وأناشيد وأغنيات للأطفال، وديوان من الشعر الشعبي.

المشهد الثقافي 2008: معارك وانتقادات واكبتها إنجازات
 
01-Jan-2009
 
العدد 57