العدد 57 - أردني
 

نهاد الجريري

في نهاية كل عام يتهافت العديد من وسائل الإعلام على لقاء اللبناني ميشيل الحايك، بهدف الحصول على «نبوءاته» للعام الجديد. ومثل الحايك في لبنان، هناك عبد العزيز الخطابي في المغرب، ومحمد علي في مصر، وحسن الشارني في تونس، ضمن آخرين.

المنتديات والمواقع الإلكترونية التي تناقلت «تنبؤات» هؤلاء عن العام 2008، أطلقت على أحدهم اسم «نوستراداموس العرب» نسبة إلى المتنبيء الفرنسي المعروف نوستراداموس (1503-1566) المعروف بكتابه الشهير «التنبؤات»، آخرون ممن تحققت لهم نبوءات مثل مقتل رابين أو وفاة عرفات أو مقتل الليدي ديانا، تحولوا نجوما مشهورة في عالم التنجيم، فقد توقع كثيرون بأنهم «إذا صدقوا مرة فربما يصدقون ثانية»!

في كثير من الحالات يصوغ «المنجمون» نبوءاتهم بعبارات فضفاضة غير محددة، مثل تنبؤ الحايك بوقوع «حادث بالغ الأهمية في منطقتي صيدا وصور»، وهما منطقتان معروفتان بأنهما تحتويان من التكوينات المجتمعية والسياسية ما يجعلهما عرضة لأحداث «بالغة الأهمية» في صورة أو أخرى. أو نبوءته بأن «مواقع سورية سوف تشهد عمليات يلفها الغموض؛ وتبادل زيارات بين شخصيات سورية وعربية وأجنبية بهدف كسر الجليد»؛ ومرة أخرى فإن أمرا مثل هذا كان قد بدأ قبل العام 2008، عندما زارت دمشق رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لدمشق في العام 2007، فضلا عن زيارات مماثلة قامت بها إلى دمشق قيادات أوروبية.

وثمة توقعات من قبيل أن «يضج العالم بخبر عن فنان كبير يغني بالإنجليزية»؛ وما أكثر هذه الأخبار: من طلاق بول مكارتني، أحد أعضاء البيتلز الشهيرة، إلى إعلان جورج مايكل أنه سيعتزل الظهور في حفلات حية، إلى تشخيص إصابة باتريك سويزي بمرض سرطان البنكرياس!

لكن الحايك توقع أيضا بأن «التنصت والمراقبة عبر الكاميرات سيكونان سببا لضجة إعلامية، وأن مطار بيروت والدائرة المحيطة به سيكون مسرحا لتجمع جماهيري عريض». وفي أيار/مايو 2008، اندلعت اشتباكات عنيفة في منطقة المطار وامتدت إلى قلب العاصمة بيروت بين أنصار حزب الله من جهة وأنصار قوى الرابع عشر من آذار وتيار المستقبل من جهة أخرى. الاشتباكات جاءت على خلفية إثارة مسألة شبكة الكاميرات التي يسيطر عليها حزب الله، المنصوبة في حرم المطار وإقالة المسؤول الأمني هناك والذي ينتمي إلى حزب الله تحديدا. وكان صدور أمر بإقالته الشرارة التي فجرت الصراع آنذاك.

الحايك أشار كذلك إلى أن «وسيلة إعلامية ستلبس ثوبا أسود»؛ وأقرب ما يمكن أن نجده من أخبار تتواءم وهذا الخبر هو الاعتداء على صحفي يعمل في تلفزيون المستقبل في لبنان أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر.

من التوقعات اللافتة أيضا أن «أنظار العالم ستتوجه إلى سوريا» التي ستعلن عن «بداية» مصالحة مع إسرائيل. في الأيام الأخيرة من 2008، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أن المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لا بد أن تفضي إلى مفاوضات مباشرة.

دون ذلك، لم نجد في أخبار العام 2008 ما يؤيد تنبؤات أطلقها الحايك مثل وقوع عملية إرهابية في أميركا، أو بدايات خلاف بين إيران وسوريا، أو حلة جديدة يلبسها الحكم الإيراني، أو هزة أرضية قوية تضرب جانبا من إيران.

الخطابي في المغرب توقع زلزالا مدمرا يصيب منطقة الشرق الأوسط! وتوقع مقتل أحد أفراد العائلة المالكة في بريطانيا في «هجوم إرهابي أو تحطم طائرة». كما توقع ثوران بركان في إيطاليا تفوق قوته التدميرية البركان الذي دمر مدينتي بومباي وهيركيولانيوم قديما. بالإضافة إلى فيضانات في أوروبا هي الأسوأ منذ 100 عام!

وذهب في رؤيته «الاستشرافية» لكوارث 2008، أن العام سيشهد كرات نارية «هائلة الضخامة قادرة على إزالة مدينة أميركية بأكملها».

سياسيا، توقع الرجل مواجهة أميركية من جهة، صينية روسية من جهة أخرى. وبالرغم من أنه وضع «سيناريو» هذه المواجهة، فإنه اختار «اللعب في السليم» حين قال: «إذا لم يحدث ذلك في 2008 فقد يحدث في 2009»! أما عن المواجهة الأميركية- الروسية في هذا السيناريو، فربما كان أقرب ما يمكن أن نجده في أخبار العام 2008 لهذا الأمر هو الحرب الروسية الجورجية في أوسيتيا الجنوبية؛ والجدل الدبلوماسي مع واشنطن حليفة جورجيا.

محمد علي المصري توقع حدوث كوارث مدمرة في أميركا، ومواجهة سياسية بين روسيا وأميركا والصين، لكنه اختلف بأن أضاف إليها اليابان. كما ذهب الرجل إلى حد توقع أن تتعرض إيران لضربات أميركية مباشرة. وهو في حقيقة الأمر توقع لا ينفك يتحدث فيه الساسة والمحللون منذ العام 2003! محمد علي توقع كذلك أن يتعرض محمود عباس لعملية اغتيال في العام 2008، وأشار إلى «خطر كبير غير محدد» يطاول حياة الرئيس الأميركي جورج بوش. لكن ما حدث مع الرئيس الأميركي لم يكن أكثر من رشقة بحذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي في بغداد.

أما الشارني التونسي الذي يتولى منصب نائب رئيس الاتحاد العالمي للفلكيين، فقد توقع انهيار حكومة إيهود أولمرت، التي استقالت بالفعل في نيسان 2008. لكنه في المقابل، توقع إطلاق سراح الزعيم الفلسطيني مروان البرغوثي وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان. بالنسبة للبرغوثي، لم يتعد الأمر اقتراحا أطلقه وزير إسرائيلي في شباط 2008، بأن يُصار إلى إطلاق سراحه مقابل جلعاد شاليط، الجندي الإسرائيلي المحتجز في غزة منذ عامين. بينما أعلنت تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2008 أنها «تفكر» في «إنهاء عزلة» أوجلان الذي يقبع في حبس انفرادي.

الشارني ذهب إلى أبعد من ذلك، وتوقع أن «ينتقل أحد الحكام الخليجيين إلى دار البقاء»، لكن ذلك لم يحدث.

في إطار «تنبؤاته» للعام 2008، نشر الصحفي الأردني باتر وردم مقالة تنبأ فيها، وعلى سبيل التندر، بثلاثين حدثا أردنيا، الأول: أن ترتفع أسعرا المحروقات في الأردن بنسبة 30-80 في المئة، وأن «الشعب الأردني الطيب سيقبل التضحية مرة أخرى آملا في أن تنهج الحكومة مسارا تقشفيا يضعها في مرتبة متماثلة مع المواطن». كما توقع أن تحصل حكومة نادر الذهبي على نسبة 65 في المئة من أصوات الذين يتوقعون أن تكون قادرة على أن تحمل أعباء المرحلة في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية بعد مرور 100 يوم على تشكيلها. نتيجة الاستطلاع جاءت بأن حازت حكومة الذهبي على ثقة 62 في المئة من المستطلعة آراؤهم. كما توقع وردم أن «تتزايد أسعار المواد الغذائية واللحوم والمأكولات الشعبية والطبابة في المستشفيات الخاصة بسبب حجة ارتفاع أسعار المحروقات». بالفعل ارتفع سعر «قرص الفلافل» إلى 4 قروش. وزاد وردم أنه سيتم «ارتكاب 15 جريمة قتل باسم الشرف»؛ وحتى إعداد هذا التقرير كان الرقم قد وصل 11 جريمة.

باتر اختتم مقالته بقوله إنه في حال «صدقت» توقعاته للعام 2008، فقد يترك مهنة الصحافة ليركز جهوده على كتابة «التنبؤات». الطريف في الأمر أن باتر قرر بالفعل التوقف عن الكتابة الصحفية في آب / أغسطس 2008، ولكنه اتخذ قراره هذا بهدف التفرغ للعمل في مجال البيئة.

أولئك المنجمون ونبوءاتهم السنوية: تعابير فضفاضة قد تصيب أو تخيب
 
01-Jan-2009
 
العدد 57