العدد 9 - ثقافي
 

ثمة ما يشبه الاتفاق على ما يمثله مشروع مكتبة الأسرة الأردنية من إضافة نوعية على صعيد العمل الثقافي التنموي الموجّه لشرائح المجتمع كافة، خصوصاً أنه الثاني عربياً بعد مصر. ورغم التخوفات التي أبداها بعضهم حول جدوى المشروع في بلد محدود الموارد مثل الأردن، إلا أن الإقبال على باكورة إصداراته خلال «مهرجان القراءة للجميع» فاجأ الجميع، بمن فيهم وزارة الثقافة، التي تبنت إطلاقه برعاية الملكة رانيا العبد الله.

وإذا كان المشروع حقق في بدايته نجاحاً كبيراً، كما تشي الأرقام بذلك، إذ بيع في اليوم الأول للمهرجان خمسين ألف نسخة، فإن ثمة اتفاقاً يهجس به القائمون على المشروع والمستفيدون منه (الجمهور) على السواء، يقضي بضرورة تطويره «بما يجعله على تماسّ قوي مع حياة الناس وتحويله إلى جزء لا ينفصل عنها». ويؤكد هؤلاء أن «التحدي الحقيقي هو كيفية النهوض بهذا المشروع»، وأن نجاح المشروع في دورته الأولى «وضعه على المحك» و»سلّط الأضواء عليه» بحسب هزاع البراري، رئيس قسم النشر في وزارة الثقافة، الذي يقترح تأسيس مديرية خاصة بالمشروع، أو أن «يتم إلحاقه بإحدى مديريات الوزارة» بما يضعه على خُطى المأسسة شيئاً فشيئاً.

وكان العمل على «مكتبة الأسرة» في سنتها الأولى قد ركز على جوانب بعينها من «المأسَسة»، من بينها: توزيع السلاسل، ومواصفات الكتب والطباعة، واختيار الشعار المناسب، كما تبيّن الروائية ليلى الأطرش، عضو اللجنة التنفيذية للمشروع الذي اشتمل على خمسين عنواناً توزعت على ثلاث عشرة سلسلة، بمعدل خمسة آلاف نسخة من كل عنوان.

ورداً على تخوفات بعضهم من أن يكون المشروع «هَبّة وتنتهي في وقتها»، يؤكد باسم الزعبي، الأمين العام المساعد في وزارة الثقافة ورئيس لجنة الموازنة واللجنة التنفيذية للمشروع، أنه تم رصد مخصصات في الميزانية للمشروع في حدود ما تم صرفه عليه في دورته الأولى (130 ألف دينار لطباعة العناوين وشراء حقوق المؤلفين والناشرين)، ويضيف: «أنا متفائل جداً بهذا المشروع الذي ثبت بالإجماع أنه استراتيجي ومهم»، مؤكداً أن الوزارة «بصدد مأسسته عبر جهاز إداري وتنفيذي ثابت».

«تطوير الفكرة لا بد أن يتخذ أبعاداً أكبر من حيث الموضوعات التي يتطرق لها المشروع»، هذا ما يراه الروائي جمال ناجي، مشيراً إلى أن هذا لا يعني «تقليلاً من أهمية ما تم إصداره حتى الآن». في الوقت الذي يؤكد فيه البراري أن الوزارة «تفكر في انتقاء العناوين وطباعة الكتب وإنجازها بشكل لائق مبكراً» قبل موعد مهرجان القراءة للجميع.

وتلفت الأطرش إلى ضرورة «زيادة حصة الإبداع العالمي، وزيادة العناوين الموجهة للطفل، خصوصاًَ تلك التي تحفز ذهنه»، فيما يؤكد البراري ضرورة «إغناء السلاسل بعناوين منتقاة، وزيادة حصة الكتاب الأردني»، وهو ما يوافقه عليه ناجي الذي يرى أن هذا المطلب «مشروع»، لكنه «مشروط بضرورة اختيار الكتاب الأردني القابل للقراءة»، والذي يقدم خدمة حقيقية للمواطن ومتعة تجذبه أكثر إلى فكرة القراءة بشكل عام، بمعنى عدم الوقوع في «فخ الوساطة»، وفرض بعض الكتب التي لا ترقى إلى مستوى النشر في المشروع الذي «يعوَّل عليه كثيراً». ويطالب ناجي بإجراء «فلترة حقيقية» للكتب التي سيتم إصدارها مستقبلاً.

وتبدو هواجس الروائي إلياس فركوح قريبة مما يراه ناجي، إذ يشدد على فكرة التركيز على الكتاب الأردني، لكن على أن يكون بـ “المستوى المطلوب”. وتتطلع الروائية رفقة دودين إلى أن يراعى في اختيار العناوين تلك التي تمثل مدن المملكة ومحافظاتها من دون الاقتصار على العاصمة عمّان.

ورغم تعدد الآراء فيما يخص السلاسل، والعناوين التي تندرج تحتها، يظل الأساس في الاختيار كما تشير الأطرش هو «عدم اقتصار دور وزارة الثقافة على خدمة الوسط الثقافي فحسْب»، وإنما «الالتفات إلى الثقافة المجتمعية كجزء من أهداف الوزارة»، وهو ما ثبت نجاحه في تجربة مكتبة الأسرة في دفعتها الأولى، والتي لقيت قبولاً من الناس على اختلاف اهتماماتهم وتنوعها.

وفي سياق متصل، يؤكد ناجي أنه يجب أن تتنوع العناوين «بعيداً عن الفهم الإستاتيكي السكوني للثقافة». فالثقافة، كما يرى، «حالة من التنوع والغزارة»، لذلك هناك أقانيم مهمة يتوجب مراعاتها بشكل مدروس وعدم إغفالها، عبر سلسلة من الاهتمامات التي تعني المواطن.

وحول فكرة عرض إصدارات المشروع للبيع طيلة العام، يرى البراري ضرورة «توفير مركز للبيع في الوزارة والمحافظات ومديريات الثقافة المنتشرة فيها حسب نسبة عدد السكان في كل منها حتى نفاد الكمية»، داعياً إلى افتتاح مركز دائم بالوزارة بالإضافة إلى «مهرجان القراءة للجميع»، وهو ما يوافقه فيه ناجي قائلاً: «أنا ضد أن تكون هذه المشاريع موسمية، أو أن تكون مواعيدها محددة». أما الأطرش فتتبنى رأياً مخالفاً، توضحه بقولها: «أنا ضد فكرة بيع الكتب بشكل مستمر»، مبررةً ذلك بأن فكرة المشروع قائمة على التحضير طيلة العام لإقامة مهرجان لمرة واحدة، مشددة على أنه «إذا توفر الكتاب للمواطن طيلة العام، فلن يقبل عليه ولن ينتظره بشوق».

«نحن غير معنيين بالتسويق»، هذا ما يقوله الزعبي الذي يرى أن المهم هو «تطوير التجربة ومأسستها»، بما يتطلب أن تُناط باللجنة المشرفة على المشروع مهمة اختيار العناوين، وتكليف مؤلفين إن دعت الحاجة ليكتبوا ضمن السلسلة. فيما يرى فركوح أن وزارة الثقافة «أصبحت تملك عدداً معقولاً من العناوين التي أصدرتها سابقاً، على مستوى القيمة الأدبية والمعرفية»، متسائلاً «لماذا لا تحجز الوزارة لنفسها جناحاً في كل معرض، وتعرض نتاجها خارج الأردن مباشرة بوصفها جهة ناشرة»، وهو ما يعتقد فركوح الذي يدير داراً للنشر، أنه «سيخدم مشروعها الوطني بالتأكيد»، ذاهباً إلى أن «السرعة التي تمت فيها عملية تنفيذ المشروع، وطباعة الدفعة الأولى من إصداراته، أدت إلى عدم إخراج الكتب على نحو جمالي ودقيق على مستوى النص من حيث التحرير». ويضيف فركوح: «لو راقبنا بعض هذه العناوين لرأينا أنها تتضمن معلومات قديمة وغير صالحة للإنسان الراهن، وكان يجب أن يعاد النظر فيها».

وإذا كان هناك من يقول بإمكانية «التقليل من المواصفات الفنية للطباعة» بما يخفّض «تكلفتها المالية»، فإن البراري يؤكد أنه لن «يصار إلى تخفيض مستوى المواصفات التي طُبعت بها كتب الدفعة الأولى»، لأن «تقليل المواصفات ليس مؤثراً في السعر»، لكنه «يؤثر كثيراً من حيث الجودة»، فإذا أُنجز الكتاب بـ“مواصفات متواضعة” ربما لن «يُعمّر طويلاً. وهو ما يؤكده فركوح أيضاً، إذ إن «الورق لا يلعب فارقاً كبيراً في السعر» بحسب تعبيره، مضيفاً: «الورق الأصفر أو ورق الجرائد غير متوفر في السوق الأردنية»، ولو تمت الاستعانة بدور نشر عربية سيكلف الشحن كثيراً».

ويتطلع فركوح إلى أن يتم إخراج إصدارات المشروع فنياً بشكل جديد، بحيث «يجري توحيد المقاسات الخاصة بها» وفقاً لعدد الصفحات، وتوحيد السلاسل من حيث الشعار مع مراعاة تفاصيل الإخراج الداخلي (شكل الحرف ونوع الخط) بما «يحقق البعد البصري الجمالي».

ويؤكد الزعبي أنه تم توجيه خطابات لمؤسسات وطنية حكومية وشبه حكومية وخاصة لدعم المشروع، كاشفاً أن عدداً قليلاً استجاب منها، إذ لم تتجاوز حصيلة التبرعات أربعين ألف دينار. وتأمل الأطرش بدعم أكبر من المؤسسات الخاصة، خصوصاً بعدما أثبت المشروع نجاحه، لافتة إلى أنه «ربما كان الحذر هو السبب وراء إحجام بعض المؤسسات الخاصة عن دعمه»، لأن التجربة حديثة. وتشدد الأطرش على «المسؤولية الاجتماعية لمؤسسات القطاع الخاص».

مكتبة الأسرة الأردنية و"القراءة للجميع"– هل هي "هبة" تنتهي في وقتها؟ - هيا صالح
 
10-Jan-2008
 
العدد 9