العدد 57 - حريات
 

محمد جميل خضر

أوعزت دائرة المطبوعات والنشر لمدعي عام عمّان بملاحقة أصحاب خمسة إصدارات جديدة معروضة في سوق الكتب المحلية، والعمل، بحسب حيثيات المراسلات بين الدائرة ومكتب المدعي العام، على منع توزيعها وتداولها محلياً.

الإصدارات الخمسة الجديدة التي تضاف إلى قائمة المنع والحصار هي: "فانيليا سمراء" الصادر للكاتبة المغربية منى وفيق، عن دار أزمنة للنشر والتوزيع، "انثيال الذاكرة" للكاتب فتحي البس الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، "حصة آدم" للشاعر السعودي زياد سالم، "ينطق عن الهوى" للشاعر طاهر رياض الصادر أيضاً عن دار أزمنة قبل أن يضطر الشاعر إلى إعادة نسخه المحلية إلى بيروت بعد الرفض الرقابي "البَعدي" له، و"إليك سيدتي بغداد" للكاتبة وداد الجوراني.

الإجراءات الجديدة، بحسب جهات عديدة، تعيد العلاقة الجدلية والمراوحة داخل قطبيْ حركة صاعدة وهابطة بين الإبداع والفكر و وبين الرقابة عليهما، إلى مربعها الأول. وتفرض، كما يرى القاص والناقد أحمد النعيمي، بقاء العلاقة في مداها "الشائك والملتبس في كثير من وجوه تمثله".

رغم مجمل تفاصيل تلك العلاقة، إلا أن "البوصلة التي لا ينبغي أن يتوه عنها مثقف أو يتنازل عن جوهرها مبدع، هي بوصلة الحرية، معشوقة الزمن، وعروسة الدنيا، وخلاصة الحياة وألقها ومبررها وغايتها النهائية القصوى"، كما يخلص النعيمي الذي تساءل عن "جدوى التركيز المتواصل من الإعلام الوطني على قدسية التمسك بالحرية الإعلامية وحرية الإبداع، إن كانت أسس الحراك المنظور ستبقى تدور في فلك الجزر المعزولة".

الشاعر إسلام سمحان الذي صودر ديوانه الأول "برشاقة ظل" من التوزيع، وينتظر هو نفسه المثول أمام المحكمة لما اتًُّهم به ديوانه من تجاوزات على النص الديني، يرى أن الحرية في معظم القضايا التي أثيرت، منذ أعوام خلت، حول منتج إبداعي أو فكري ما، كانت "المستهدفة الأولى والضحية الأولى". وكانت تشهر في وجهها دائماً تابوهات ثلاثة: الدين والسياسة والجنس.

في ظل تغيرات جوهرية في أنماط حياة الإنسان العربي عموماً والمحلي على وجه الخصوص، تراجع الحصار السياسي على الفكر والإبداع، كما يرى الشاعر موسى حوامدة، وتقلصت الرقابة المشددة على "التجاوزات" المتعلقة بأيقونة الجنس في الكتابات الإبداعية أو الأبحاث العلمية المتخصصة، وبقي هناك سيفٌ قاهر للإبداع، "يشتد مع الأيام عوداً، ويزداد المتحصنون بجبروته ضد الإبداع الإنساني الفذ غلاظةً وتعنتاً، وابتعاداً عن لغة الحوار المنتج والفاعل، وتمسكاً بأحادية معتقداتهم وانغلاق أواليات الاستقبال لديهم" بحسب حوامدة الذي كان لوحق قضائياً، وعانى على مدى ثلاثة أعوام إلى أن برّأه القضاء حول ما وُجّه لديوانه "شجري أعلى" من تهم تتعلق في المساس بالدين في معظمها.

في حيثيات منع كتاب المغربية منى وفيق "فانيليا سمراء"، خاطب مدير المطبوعات والنشر نبيل المومني مدعي عام عمّان الذي خاطب بدوره صاحب دار أزمنة للنشر والتوزيع الروائي إلياس فركوح، مخطراً إياه أن استدعاءه ومنع المؤلَّف الخاص بوفيق، والصادر عن دار النشر الخاصة به، جاء "بناء على توصية دائرة المطبوعات والنشر المتضمن قيامكم بطباعة كتاب من دون إيداع نسخ منه في الدائرة، ونشر كلام فيه إساءة للمفاهيم الدينية"، وهو ما نفاه الكاتب فركوح بمجمله، فنسخ الإيداع المشار إليها وصلت دائرة المطبوعات والنشر ، ومحتوى الكتاب المعني يخلو، ودائماً بحسب فركوح، من أي إساءة للمفاهيم الدينية أو غيرها.

بسبب الظلم الشديد الذي يرى فركوح أنه تعرض له من وراء منع جائر ورأي مسبّق وغير مدروس، فقد آثر الصمت وعدم التعليق على ما جرى بينه وبين دائرة المطبوعات والنشر ومن بعدها مكتب المدعي العام.

الطريف في قضية الرقابة "البعدية" تلك، أن رفض الديوان الأخير "ينطق عن الهوى" للشاعر طاهر رياض، جاء أساساً، كما يوضح الشاعر في حديث مع "السجل"، بسبب عنوانه. ورغم محاولات رياض التوضيح لهم أن الذين لا ينطقون عن الهوى هم الرسل والأنبياء، وأن الله عندما أنزل في محكم كتابه الكريم آيات "وما ينطق عن الهوى، إنْ هو إلا وحي يوحى" إنما كان يقصد الرسول محمد. وأنه هو (طاهر رياض) "مجرد عبد من عباد الله ويمكن أن ينطق عن الهوى، والمفروض أن ينطق عن الهوى في كثير من مفاصله حياته وأنوائها".

لكن قرار الرفض كان قاطعاً، بخاصة في ظل ملاحظات أخرى للدائرة تتعلق بمقاطع مبثوثة داخل قصائد الديوان، وهي مقاطع تقيم حواراً جمالياً جرى عليه مشروع رياض الإبداعي مع الفكر الصوفي وإشراقاته وتجلياته.

ما جرى وما يجري، يضع آليات الرقابة "البعدية" في ميزان النقد والمراجعة الرسمية والثقافيةالجادة ، كما يؤكد القاص مهند صلاحات.

رغم التعديلات المهمة في كثير من قوانين المطبوعات والنشر، ورغم التأكيد الملكي المبارك على حرية الصحافة والفكر والإعلام في كثير من المناسبات، إلا أن هناك سيوفاً تُرفع في كثير من الأحيان تحت عنوان "كلمة حق يراد بها باطل"، كما يعلّق ناشر رفض نشر اسمه، ما زالت الأكثر بلاغة والأقوى نفوذاً وصاحبة القول الفصل والرأي الحاسم.

كتب أدبية تخضع لرقابة “لاحقة” وتواجه بالمنع والملاحقة
 
01-Jan-2009
 
العدد 57