العدد 56 - أردني
 

نهاد الجريري ودلال سلامة

النوروز أو النيروز، عيد يحتفل به الكرد والفرس وشعوب أخرى تتركز في مناطق آسيا الوسطى وشرق وجنوب شرق تركيا، في اليوم الأول من شهر فروردين، وهو أول شهور السنة الشمسية الإيرانية. ويصادف هذا اليوم 21 من شهر آذار/مارس وهو أول أيام فصل الربيع، أي هو اليوم الذي تتم فيه الأرض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة.

هنالك عدة أساطير مرتبطة بأصل هذا العيد، فثمة اعتقاد بأنه اليوم الذي خلق الله فيه آدم والعالم، واعتقاد آخر بأنه اليوم الذي خلق الله فيه النور، وهنالك من يعتقد أنه أول يوم بدأ فيه الفلك بالدوران، وهناك أسطورة تربطه بالملك الفارسي جمشيد الذي وصل أذربيجان وأمر بأن يقيموا له عرشا على مكان مرتفع مقابل المشرق، وعندما وضع تاجه المرصع على رأسه وجلس على العرش، وسقط شعاع الشمس على التاج لمع لمعانا عجيبا، فسرّ الناس وقالوا: هذا يوم جديد فكان عيد النوروز.

يبدأ الإيرانيون الاحتفال بالعام الجديد مبكرا فيما يُعرف بـ"جهار شنبة سوري"، أي "الأربعاء الحمراء". وفيها يقبل الإيرانيون على تناول الفاكهة الحمراء مثل التفاح والرمان والبطيخ. كما يشعلون النار في الطرقات ليلا، ويأخذ الشباب والفتيات بالقفز من فوقها، في طقس يعتبرونه رقية من الأمراض وسوء الحظ وشرور الماضي وخطاياه.

يستعد الإيرانيون للعيد بشكل لافت. فيعيدون تأثيث المنازل وطلائها، ويحرصون على شراء الهدايا والتزود بالمواد التموينية. وتزدحم شوارع المدن الإيرانية بالباعة والمشترين حتى ساعة متأخرة من الليل، بالرغم من أن الدولة تحظر على المحال التجارية والمطاعم أن تفتح أبوابها بعد منتصف الليل. ومع اقتراب العيد، تُسيّر في شوارع المدن والبلدات مواكب الحاجي فيروز، وهي في صميمها نسخة إيرانية عن بابا نويل الذي يرتدي هنا لباسا إيرانياً تقليدياً أحمر اللون، ويضع قبعة حمراء؛ إلا أن له وجها أسود البشرة! وقد أثار هذا الأمر جدلا في أوساط المثقفين الإيرانيين فمنهم من اعتبره تمييزا عنصريا. يمشي حاجي فيروز في الشوارع وهو يدق طبلا تقليديا ويسير من ورائه الأطفال.

وما أن يأتي الحادي والعشرين من آذار/ مارس، حتى تكاد تختفي مظاهر الحياة من الشارع؛ إذ يركن كل إلى أسرته وبيته مرتدين أجود وأحلى ما لديهم من ثياب، يلتفون حول مائدة العيد بانتظار دقات الساعة التي تُعلن بداية العام الجديد. ويتم حساب الاعتدال الربيعي في نصف الكرة الشمالية فلكيا وإعلانه رسميا في الإذاعات والتلفزيونيات. وقد يأتي في بعض السنوات في صباح ذلك اليوم، وقد يأتي عصرا في سنوات أخرى. وفي كل الأحوال، ما أن يحين الموعد حتى يطلق أفراد الأسرة التهاني والتبريكات لبعضهم بعضا ويتبادلون الهدايا وهم على المائدة المميزة. وتُعرف هذه المائدة باسم "هفت سين" أي "الأشياء السبعة التي تبدأ بحرف السين"، وتضم مكونات تبدأ بحرف السين باللغة الفارسية لكل منها دلالة على الرخاء والصحة والحظ السعيد، وهي" (سيب): تفاح، (سير): ثوم، (سركة): خل، (سنجد): ثمرة تشبه البلوط، (سمنو): حلوى من القمح، بالإضافة إلى (سكة) وهي قطع النقد، وسماق. ويوضع على المائدة طبق من أشتال القمح أو العدس الخضراء رمزا لتجدد الحياة، وآنية زجاجية تسبح فيها سمكة ذهبية تتخذ أيضا رمزا للحياة، بالإضافة إلى الشمع والمرآة.

مع انطلاق العيد، يتزاور الإيرانيون لتقديم التبريكات والتهاني بالعام الجديد. ومنهم من ابتكر بطاقات خاصة تنبىء الآخرين بأنهم مروا بهم ولم يجدوهم من شدة حرصهم على التواصل في ذلك العيد. بعد يومين تقريبا على بداية العيد، تتحول المنازل والعمارات والشقق إلى ما يشبه بيوت الأشباح؛ إذ يغادرها أهلوها إلى المناطق السياحية لقضاء بقية العيد. وتقوم الحكومة، في هذه الأيام، بُفتح أبواب المدارس أمام المسافرين للمبيت فيها لشدة ازدحام الفنادق في تلك الفترة.

تستمر عطلة النوروز حتى اليوم الثالث عشر من العام الجديد؛ فيما يطلق عليه الإيرانيون اسم "سيزده بيدر": سيزده تعني 13، وبيدر تعني الخلاص. يعتقد الإيرانيون أن اليوم الثالث عشر مشؤوم، ولهذا يحرصون على أن يمضوه خارج المنزل مهما كان الثمن، فينطلقون في المتنزهات والجبال. ويعمد الشباب والفتيات إلى صنع عقد من أنصال العشب أو القمح والعدس مضمرين أمنية للزواج أو لطفل جديد أو حتى الانتقال إلى منزل جديد. فإذا انفكت العقدة بسرعة، كان ذلك فأل خير وإشارة لتحقق الأماني. في هذا اليوم أيضا، يتخلص الإيرانيون من شتل القمح أو العدس الذي ظل حاضرا في سفرة "هفت سين" اعتقادا منهم بأنه "امتص" كل الألم والمآسي التي قد تلم بالعائلة في العام الجديد. حتى إن بعض الشبان يضعون آنية الشتل على سياراتهم أو دراجاتهم النارية وينطلقون مسرعين لضمان التخلص من آخر نصل.

النيروز هو اللفظ العربي لكلمة نوروز، المركبة من كلمتين فارسيتين هما: نو، التي تعني جديد، وروز، وتعني اليوم، وبذلك يكون معنى كلمة نوروز: اليوم الجديد.

**

النوروز قبل "الفطر" و"الأضحى" عند الإيرانيين

ساكنو العاصمة الإيرانية طهران من غير الإيرانيين، قد يُصعقون من الاهتمام الاستثنائي الذي يبديه الإيرانيون للاحتفال بعيد النوروز مقارنة بأعياد أخرى مثل الفطر والأضحى وحتى الميلاد المجيد.

تمر الأعياد المذكورة على الإيرانيين مرور الكرام؛ تماما مثل أي يوم جمعة؛ فلا تظهر فيها مظاهر بهجة واحتفال ولا حركة شراء ومعايدة وتبريكات. حتى إن بعض الإيرانيين من المسلمين لا يعرفون ما إذا كان قد حل عيد الفطر أو الأضحى أم لا.

ومن المفارقات اللافتة، أن مدينة قم (وهي مدينة مقدسة لدى الشيعة وفيها حوزة علمية)، لا تبعد أكثر من 170 كم عن العاصمة طهران، وكثيرا ما يُعلن فيها عيد الفطر في يوم غير ذلك الذي تعلنه الدولة في طهران!

أما عيد الأضحى (أو القربان كما يسميه الإيرانيون)، فلا يحتفل به إلا من له أهل حجوا إلى أرض الحجاز.

في المقابل، قد يندهش الزائر إلى طهران من مشهد بابا نويل وشجرة الميلاد في واجهات المحال التجارية مع اقتراب حلول عيد الميلاد المجيد. لكن مرة أخرى، قد يمر مساء الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر ولمّا يلتفت الباعة من المسيحيين الإيرانيين إلى أن ليلة العيد قد حلّت.

وهكذا، يجادل البعض أن عيد النوروز هو الاحتفال الذي يضم كل إيراني ينتمي إلى القومية الفارسية أولا بغض النظر عن دينه مسلما كان أم مسيحيا أو يهوديا أو صابئا أو حتى من عبدة النار.

لمع تاج جمشيد فهتف الناس: “إنه يوم جديد” النوروز: فاكهة حمراء، رقص وشبان يقفزون فوق النيران
 
25-Dec-2008
 
العدد 56