العدد 56 - كتاب
 

رغم أنها الرمز الأبرز في احتفالات عيد الميلاد، فإن من الثابت أنه لا رابط بين شجرة الميلاد وحدث ميلاد المسيح، ذلك أنه لا يوجد نص واحد يذكر هذه الشجرة في الكتاب المقدس.

السبب هو أن الشجرة، مثلها في ذلك مثل كثير من الطقوس والرموز الدينية، لا في المسيحية وحدها وإنما في الإسلام واليهودية أيضاً، تمتد بجذورها إلى تاريخ سحيق كانت الأسطورة هي المعبر الأمثل عنه، فالأديان لم تأت، كما يعتقد كثيرون، من فراغ، وإنما كانت في بعض جوانبها تطويراً لمعتقدات كانت موجودة أصلاً.

عيد الميلاد مثلاً جاء بديلاً لاحتفال بعيد وثني كان الرومان يقيمونه في التاريخ نفسه الذي أصبحنا نحتفل فيه بعيد الميلاد، احتفالا بميلاد «الشمس التي لا تقهر»، الذي كان الرومان فيه يزينون معابدهم بالأشجار دائمة الخضرة، ومنها شجرة شرابة الراعي. وعندما تم اعتماد الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر عيداً للميلاد، بقيت الشجرة نفسها جزءاً من زينة عيد الميلاد مثلما كانت في العيد القديم. ثم بدأت بعد ذلك عملية إضفاء الطابع المسيحي على رمز كان في الأصل وثنياً، فاعتبرت أوراقها الشوكية رمزاً لإكليل الشوك الذي وضع على رأس المسيح، وثمارها الحمراء رمزاً لدمه المسفوك.

وامتداداً لعملية إضفاء صفات القداسة على هذه الشجرة، نسجت أسطورة مفادها أن العائلة المقدسة تعرضت أثناء هروبها إلى مصر لعيون جنود هيرودس، فقامت إحدى شجرات شرابة الراعي بمدّ أغصانها لإخفاء العائلة عن عيون جنود هيرودوس، فكافأها الربّ بأن جعلها دائمة الخضرة.

ثمة أسطورة أخرى مرتبطة بشجرة عيد الميلاد، وهي هذه المرة أسطورة أسكندنافية تقول إن القديس بونيفاسيوس ذهب حوالي العام 720 للتبشير بالمسيح في غابات ألمانيا التي كانت تسكنها قبائل وثنية تعبد الإله ثور، إله الغابات والرعد، فوجد بعضهم وقد ربطوا طفلا إلى شجرة سنديان عملاقة مقدسة لديهم، وهمّوا بذبحه لتقديمه قرباناً لإلههم - وكان تقديم القرابين البشرية تقليداً في الديانات القديمة – فتوجه إليهم القديس وبشرهم بالمسيح إله السلام والمحبة، الذي جاء ليخلص لا ليهلك، ثم قام بقطع الشجرة ليجد أن شجرة صنوبر صغيرة قد نبتت بين جذورها، فقدمها لهم لتكون رمزاً لميلاد المسيح.

تزيين الشجرة هو أيضاً تقليد سابق لميلاد المسيح، فقد كان الاسكندنافيون يزينونها بالمصابيح والشموع، ويطلقون عليها اسم الشجرة السماوية، أو الشجرة الكونية، ويعتبرونها رمزاً للولادة والبعث.

أما عادة وضع الهدايا تحت الشجرة، فهي أيضاً قديمة، إذ كانت العطايا توضع تحتها تقدمة للإله ديونيسيوس عند الإغريق، وإلى الإله أتيس والآلهة أتارغاتيس وسيبيل عند الاسكندنافيين، ثم يجري حرقها بعد الانتهاء من الاحتفالات.

الطريف أن كثيراً من المتدينين ظلوا، وبسبب الأصول الوثنية لكثير من رموز وطقوس عيد الميلاد، يعتبرون أن الاحتفال به شيئاً مشيناً، ففي الولايات المتحدة مثلاً، كان أتباع «المتطهرين» أو البيوريتان (puritans) يرفضون الاحتفال بعيد الميلاد باعتبار ذلك احتفالاً وثنياً.

دلال سلامة: شجرة عيد الميلاد: أصول وثنية بامتدادات مسيحية
 
25-Dec-2008
 
العدد 56